إخوان مصر و"أسطورة" العنف الممنهج
نيسان ـ نشر في 2017/07/31 الساعة 00:00
لا يتوقف سيل الأخبار والتقارير الصحافية التي تشير إلى ممارسة جماعة الإخوان المسلمين في مصر العنف. وإذا ما استبعدنا التقارير التي تنشرها صحف تابعة، أو محسوبة على النظام المصري الحالي، كونها مسيّسة متورّطة في الصراع السياسي الدائر بين النظام والجماعة، فإن ثمّة تقارير وأخبارا من مصادر صحافية، ومواقع إخبارية أخرى، غير محسوبة على النظام، وتعليقات لشباب كانوا يوماً أعضاء في الجماعة تشير إلى المسألة نفسها. وهو ما يثير أسئلة كثيرة بشأن حقيقة انخراط جماعة 'الإخوان' في ممارسة العنف الممنهج، وإذا كان ما تقوله هذه التقارير صحيحاً، فهل يعني هذا أن الجماعة تبنّت العنف خياراً استراتيجياً؟ وهل يتم هذا الأمر من خلال بنية تنظيمية تابعة للمؤسسات العليا للجماعة، مثل مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام للجماعة، أم أنها أنشطة لخلايا شبابية منشقّة عن الجماعة، وما هي أهدافها، وهل تدعم الجماعة أنشطتها أم لا؟ ولعل السؤال الأكثر إلحاحاً وأهمية: إذا كان ما يُثار صحيحاً عن ممارسة الإخوان العنف بشكل ممنهج، فلماذا حدث هذا التحول في أسلوب الجماعة من العمل السلمي إلى العنف؟ ومتى وكيف تم هذا التحول؟
للإجابة على هذه الأسئلة، يجب العودة قليلاً إلى الخلف لمعرفة موقف 'الإخوان'، جماعة وحركة سياسية، من مسألة العنف، ولا يتعلق الأمر هنا بالخطاب الفكري والإيديولوجي للجماعة، وإنما أيضا بممارستها السياسية طوال العقود السابقة. بالنسبة للجانب الأول، لم تدع معظم الكتابات الإخوانية، خصوصا خلال العقود الأربعة الماضية، إلى العنف ولم تؤصل له، بل ركّزت على الانخراط في العمل السياسي بكل قوة، بالمشاركة في الانتخابات وبناء التحالفات مع القوى الأيديولوجية المختلفة، والعمل مع النظام القائم من أجل إصلاحه. وهو ما تُرجم في مشاركة 'الإخوان' في العملية السياسية منذ أوائل الثمانينيات وحتى 2013، على
'لا يمكن الجزم بتحول 'الإخوان' إلى استخدام 'العنف الممنهج' خيارا استراتيجيا في مواجهتها مع النظام' الرغم من أنها كانت جماعة محظورة. صحيح أن بعض خطب مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا ورسائله تحمل أفكاراً ملتبسة في مسائل القوة والجهاد، لكنها لا تدعو صراحة إلى استخدام القوة، بمعنى قتل المواطنين من أجل تحقيق أهداف الجماعة. وهو ما جعله يتبرأ من ممارسات 'التنظيم الخاص' الذي أنشأه أوائل الأربعينيات، خصوصا عندما تورّط في قتل مسؤولين سياسيين مصريين، كرئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في 1948، والقاضي أحمد الخازندار في العام نفسه، وأطلق عبارته الشهيرة 'ليسوا إخواناً، وليسوا مسلمين'. ولكن الصحيح أيضا أن سلوك جماعة الإخوان، وممارستها منذ السبعينيات، لم يثبت أي استخدام للعنف أو القوة، في سبيل تحقيق أهدافها السياسية.
فهل تغير الأمر بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، وتعرّض الجماعة لموجةٍ من القمع والاستئصال لم تشهدها طوال تاريخها؟ ربما يكون هذا ما حدث، ولكن الأمر أيضا بحاجة إلى تفكير وتحليل كثيرين. وحسب بعض المصادر، بدأ الجدل داخل أروقة الجماعة بعد مذبحة ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/ آب 2013، عن كيفية التعاطي مع قمع النظام وعنف أجهزته الأمنية، خصوصا في أثناء المظاهرات. وفي حين دافع بعض شباب الجماعة عن خيار 'الدفاع عن النفس'، من أجل حماية المتظاهرين، وهو ما يعني ضمنا استخدام العنف الوقائي، رفض قادة الجماعة أي استخدام للعنف، مطالبين بالتوقف عن التظاهر، ما لم يكن سلمياً. نقطة التحول، باعتقادنا، جاءت بعد تصنيف الجماعة 'حركة' إرهابية أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2013، والتي دعمت حجج الطرف الذي يدعو إلى استخدام العنف الدفاعي ضد ممارسات النظام. لذا، لم يكن غريباً أن تبدأ بعض الخلايا في الانشقاق عن الجماعة، والبدء باستخدام العنف، واستهداف رجال الشرطة وبعض المؤسسات الأمنية، وبدأت تظهر شبكات وخلايا تأخذ أسماء مختلفة، مثل 'المقاومة الشعبية 'والعقاب الثوري'، والتي وصفها بعضهم بأنها قريبة أو محسوبة على 'الإخوان'. حدث ذلك في وقت كانت تمر فيها
'نقطة التحول، جاءت بعد تصنيف الجماعة 'حركة' إرهابية أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2013' الجماعة بواحدةٍ من أقسى لحظات الانقسام الداخلي بشأن كيفية التعاطي مع النظام، وظهور ما تسمى 'اللجنة الإدارية العليا' للجماعة، والتي يُقال إنه تم انتخاب أعضائها، وأصبحوا مسؤولين عن إدارة شؤون الجماعة في مصر. وبعدها بدأت أطراف ترّوج تشكيل عضو مكتب الإرشاد وأبرز المسؤولين في 'اللجنة الإدارية العليا'، الدكتور محمد كمال، ما تسمى 'اللجان النوعية'، والتي تستخدم العنف لمواجهة قمع النظام. وهنا يبرز السؤال: هل تتبع 'اللجان النوعية' مكتب الإرشاد، علما أن غالبية أعضاء هذا الأخير في السجون، وليس لديهم تواصل مع أعضاء الجماعة، وليس لديهم سيطرة على قواعدها؟ وكم عدد المنخرطين في هذه اللجان النوعية؟ ومن الذي يقوم بتنظيمها وتوجيهها وإدارتها، خصوصا بعد تصفية محمد كمال؟ وهل تعد حركة سواعد مصر (حسم) من هذه اللجان النوعية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين؟ ومن الذي يديرها ويمولّها ويحدد أهدافها؟
بكلمات أخرى، لا يمكن الجزم يقيناً بتحول جماعة 'الإخوان' إلى استخدام 'العنف الممنهج' خيارا استراتيجيا لها في مواجهتها الحالية مع النظام، ولا يمكن القول إن قيادة الجماعة، خصوصا القابعة في السجون، أقرّت هذا الخيار وباركته، سيما مع النفي المتواصل لجناح محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، بذلك. ولكن ما يبدو واضحاً من تقارير وفيديوهات أن أعضاء في الجماعة، كذلك المنخرط في حركة 'حسم'، هم من شبابها. لذا، السؤال الأكثر إلحاحاً ليس بشأن لجوء هؤلاء الشباب إلى العنف، وإنما لماذا ومتى وكيف حدث هذا التحول؟ وهو السؤال الذي يهرب كثيرون من الإجابة عليه خصومة أو استسهالاً.
لست معنياً بالدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين، أو تبرئة من يتورّط من أعضائها في العنف أو ترويجه، ولكني مهموم، باعتباري باحثا، بقراءة التحولات التي تمر بها هذه الجماعة وفهمها، خصوصا في المحطات التاريخية كالتي نعيشها حالياً، وهذا هو الأهم.
للإجابة على هذه الأسئلة، يجب العودة قليلاً إلى الخلف لمعرفة موقف 'الإخوان'، جماعة وحركة سياسية، من مسألة العنف، ولا يتعلق الأمر هنا بالخطاب الفكري والإيديولوجي للجماعة، وإنما أيضا بممارستها السياسية طوال العقود السابقة. بالنسبة للجانب الأول، لم تدع معظم الكتابات الإخوانية، خصوصا خلال العقود الأربعة الماضية، إلى العنف ولم تؤصل له، بل ركّزت على الانخراط في العمل السياسي بكل قوة، بالمشاركة في الانتخابات وبناء التحالفات مع القوى الأيديولوجية المختلفة، والعمل مع النظام القائم من أجل إصلاحه. وهو ما تُرجم في مشاركة 'الإخوان' في العملية السياسية منذ أوائل الثمانينيات وحتى 2013، على
'لا يمكن الجزم بتحول 'الإخوان' إلى استخدام 'العنف الممنهج' خيارا استراتيجيا في مواجهتها مع النظام' الرغم من أنها كانت جماعة محظورة. صحيح أن بعض خطب مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا ورسائله تحمل أفكاراً ملتبسة في مسائل القوة والجهاد، لكنها لا تدعو صراحة إلى استخدام القوة، بمعنى قتل المواطنين من أجل تحقيق أهداف الجماعة. وهو ما جعله يتبرأ من ممارسات 'التنظيم الخاص' الذي أنشأه أوائل الأربعينيات، خصوصا عندما تورّط في قتل مسؤولين سياسيين مصريين، كرئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في 1948، والقاضي أحمد الخازندار في العام نفسه، وأطلق عبارته الشهيرة 'ليسوا إخواناً، وليسوا مسلمين'. ولكن الصحيح أيضا أن سلوك جماعة الإخوان، وممارستها منذ السبعينيات، لم يثبت أي استخدام للعنف أو القوة، في سبيل تحقيق أهدافها السياسية.
فهل تغير الأمر بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، وتعرّض الجماعة لموجةٍ من القمع والاستئصال لم تشهدها طوال تاريخها؟ ربما يكون هذا ما حدث، ولكن الأمر أيضا بحاجة إلى تفكير وتحليل كثيرين. وحسب بعض المصادر، بدأ الجدل داخل أروقة الجماعة بعد مذبحة ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/ آب 2013، عن كيفية التعاطي مع قمع النظام وعنف أجهزته الأمنية، خصوصا في أثناء المظاهرات. وفي حين دافع بعض شباب الجماعة عن خيار 'الدفاع عن النفس'، من أجل حماية المتظاهرين، وهو ما يعني ضمنا استخدام العنف الوقائي، رفض قادة الجماعة أي استخدام للعنف، مطالبين بالتوقف عن التظاهر، ما لم يكن سلمياً. نقطة التحول، باعتقادنا، جاءت بعد تصنيف الجماعة 'حركة' إرهابية أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2013، والتي دعمت حجج الطرف الذي يدعو إلى استخدام العنف الدفاعي ضد ممارسات النظام. لذا، لم يكن غريباً أن تبدأ بعض الخلايا في الانشقاق عن الجماعة، والبدء باستخدام العنف، واستهداف رجال الشرطة وبعض المؤسسات الأمنية، وبدأت تظهر شبكات وخلايا تأخذ أسماء مختلفة، مثل 'المقاومة الشعبية 'والعقاب الثوري'، والتي وصفها بعضهم بأنها قريبة أو محسوبة على 'الإخوان'. حدث ذلك في وقت كانت تمر فيها
'نقطة التحول، جاءت بعد تصنيف الجماعة 'حركة' إرهابية أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2013' الجماعة بواحدةٍ من أقسى لحظات الانقسام الداخلي بشأن كيفية التعاطي مع النظام، وظهور ما تسمى 'اللجنة الإدارية العليا' للجماعة، والتي يُقال إنه تم انتخاب أعضائها، وأصبحوا مسؤولين عن إدارة شؤون الجماعة في مصر. وبعدها بدأت أطراف ترّوج تشكيل عضو مكتب الإرشاد وأبرز المسؤولين في 'اللجنة الإدارية العليا'، الدكتور محمد كمال، ما تسمى 'اللجان النوعية'، والتي تستخدم العنف لمواجهة قمع النظام. وهنا يبرز السؤال: هل تتبع 'اللجان النوعية' مكتب الإرشاد، علما أن غالبية أعضاء هذا الأخير في السجون، وليس لديهم تواصل مع أعضاء الجماعة، وليس لديهم سيطرة على قواعدها؟ وكم عدد المنخرطين في هذه اللجان النوعية؟ ومن الذي يقوم بتنظيمها وتوجيهها وإدارتها، خصوصا بعد تصفية محمد كمال؟ وهل تعد حركة سواعد مصر (حسم) من هذه اللجان النوعية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين؟ ومن الذي يديرها ويمولّها ويحدد أهدافها؟
بكلمات أخرى، لا يمكن الجزم يقيناً بتحول جماعة 'الإخوان' إلى استخدام 'العنف الممنهج' خيارا استراتيجيا لها في مواجهتها الحالية مع النظام، ولا يمكن القول إن قيادة الجماعة، خصوصا القابعة في السجون، أقرّت هذا الخيار وباركته، سيما مع النفي المتواصل لجناح محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، بذلك. ولكن ما يبدو واضحاً من تقارير وفيديوهات أن أعضاء في الجماعة، كذلك المنخرط في حركة 'حسم'، هم من شبابها. لذا، السؤال الأكثر إلحاحاً ليس بشأن لجوء هؤلاء الشباب إلى العنف، وإنما لماذا ومتى وكيف حدث هذا التحول؟ وهو السؤال الذي يهرب كثيرون من الإجابة عليه خصومة أو استسهالاً.
لست معنياً بالدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين، أو تبرئة من يتورّط من أعضائها في العنف أو ترويجه، ولكني مهموم، باعتباري باحثا، بقراءة التحولات التي تمر بها هذه الجماعة وفهمها، خصوصا في المحطات التاريخية كالتي نعيشها حالياً، وهذا هو الأهم.
نيسان ـ نشر في 2017/07/31 الساعة 00:00