رسالة إلى رامي الرياحي
نيسان ـ نشر في 2017/08/11 الساعة 00:00
عزيزي رامي الرياحي، لست مضطراً، ولا كل اليسار العالمي، أن يتخذ موقفي مما يجري في سورية، لكن حين تريد الحوار آمل أن تكون دقيقاً، وبدل أن تنطلق من منظور متقادم يقسم العالم الى 'فسطاتين' ككل الأصوليين، فتضعني لأنني لا أتفق مع تكتيك اليسار التونسي في صف الإمبريالية والرجعية، عليك أن تفكر بمنطق جدلي يفهم ما أطرح بكليته، لا أن تميل الى تأليف مع يناسب تكتيكك فترميني في الاتجاه الآخر. ليس الموقف مما يجري في سورية يفترض أن نكون هنا أو هناك، مع النظام أو مع الأصولية والرجعية، ويبدو أنك لا تقرأ إلا ما يمس اليسار التونسي فلا ترى رأيي في كل هذه المسائل لتؤلف تصوراً عن رأيي هو مناقض لرأيي أصلاً.
أنا ضد النظام السوري بالضبط لأنه نظام مافياوي مستغِل ودكتاتوري، لكن هذا الموقف لا يدفعني لأن أكون مع أميركا أو السعودية أو الأصولية، بالضبط لأنني لا أنطلق من ثنائية المنطق الصوري، بل أفهم تعقيد الواقع وتعدد الصراعات، وهذا ما يجعلني قادراً على أن أكون ضد النظام وضد أميركا وكل الإمبرياليات بما فيها الروسية، وضد كل الدول الإقليمية من السعودية الى إيران ومن قطر الى تركيا، فلأنني ماركسي لا يمكنني أن أقف مع رأسمالية أو مافيا حتى وإنْ ظهر 'توافق' في الموقف، رغم أن الأمور في سورية كانت أسوأ من ذلك، لأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ومع النظام بغض النظر عن شكل التعبير عن المواقف والأدوار التي مورست (والتي لا تحب ككل اليسار أن يراها حفاظاً على عفّة 'التصور النظري' الذي يرى مؤامرات الإمبريالية، ولا يرى خوف الإمبرياليات كلها من الثورات، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الروسي بوضوح حينما قال أنهم كسروا الثورات العربية في سورية). ربما يصعب عليك أن تتجاوز ثنائية 'إمبريالية/ ضد إمبريالية'، لهذا لا تراني سوى في الموقع المقابل لك ما دمت 'ضد إمبريالية'.لو تكرمت وقرأت لي لوجدت أنني كشفت سياسات وأدوار كل هذه الدول أكثر من الذين يرتعبون من البحث في وضعيتها ويكتفون بإتهام المختلفين بالارتباط بها.
ومن هذا المنطلق كنت أول من تحدث عن النصرة وكل الأصوليات التي غزت سورية، وطالبت بإعدام مجموعاتها الأولى قبل أن يستفحل الأمر، لأنني أعرف طابعها وخطرها، ومن أرسلها وما الهدف منها، بما في ذلك دور النظام الخبير في التعامل معها منذ أفغانستان والعراق، والذي أطلق سراح زعمائها بعد انطلاق الثورة بأشهر، وأسهم في تسلحيها وزرعها في المناطق التي باتت حينها خارج سيطرة السلطة. وكان موقفي واضحاً من المجموعات الأخرى كلها، ولقد حذرت من الخطر منذ البدء. فأرجو أن تدقق معلوماتك لكي يكون موقفك 'علمياً'. وإذا كنت تعتبر أنني 'قامة فكرية' (وشكراً لك على ذلك)، أقول لك أن من يمتلك قدرة نظرية يستطيع أن يحدد التكتيك الصحيح، وليس التافه، بينما من تغيب عنه هذه القدرة يضيع في التكتيك. وهذا مرض الماركسية السوفيتية وكل الماركسية التي تعممت بتأثير منها. وهو الأمر الذي يجعلها تقلب مواقفها في الظاهرة ذاتها حسب الموقف التكتيكي، ولقد شرحت كيف يتحقق ذلك في الحالة العربية.
يظهر أن المقاربة الخاطئة تفضي الى موقف خاطئ، فروسيا فرضت على النظام وجود قواعد عسكرية، وباتت تقرر في مصير سورية، وسأقول لك أنها سوف تلفظ بشار الأسد وكل العصابات الإيرانية، أما أن نقارن مع ألمانيا وإيطاليا واليابان فأمر يؤشر على سطحية يا عزيزي، لأن هناك حلف أطلسي يضم هذه الدول ويقتضي وجود قواعد، وفي كل الأحوال لا بد من أن تكون مرفوضة من الشعب لأنها تعبير عن شكل من أشكال السيطرة الأميركية عليها. أما في سورية فالأمر مختلف، وهو مشابه لوضع العراق ووجود قواعد عسكرية فيه (الذي كان اليسار يعتبر أنها احتلال)، والتي انسحبت لكنها تعود الآن. الوجود العسكري الروسي هو وجود احتلالي، سوف يظهر واضحا بعد تحقيق الحل للوضع الذي بات متفاهم عليه بين أميركا وروسيا. بالتالي مؤسف أن يسخّف الاحتلال بهذه الطريقة، فقط لأننا نريد الحفاظ على 'الدولة السورية'. وهنا يظهر وهم 'الدولة' في خطاب اليسار، فلا أعرف من أي ماركسية أتيت بأن هناك تمييز بين الدولة وإدارتها السياسية؟ وهو المبرر للعلاقة مع النظام السوري، فالدولة هي 'الهيئة الإدارية' التي تحكم عبرها الطبقة المسيطرة (أي السلطة)، وتمارس سحقها الشعب. وأجهزة الدولة السورية هي التي واجهت مظاهرات الشعب السلمية قبل ظهور كل المجموعات التي تبرر بها رفض الثورة والعلاقة مع النظام، وهي التي اعتقلت مئات آلاف الشبان وقتلت جزء كبير منهم. الفصل بين الدولة والسلطة ليس من الماركسية يا عزيزي، وهو وهم يعممه اليسار الذي بات يرى انهياره، لكي يتمسك بالعلاقة مع السلطة.
ملاحظة أخيرة، أظن أن من لا يستطيع الدفاع عن مواقفه وسياساته يميل الى التشكيك والتخوين، هذا هو وضع اليسار الذي يدافع عن النظام السوري. تتكرر الإشارة الى الجريدة التي أكتب فيها وكأنه اتهام، أكرر القول أنني صحفي ولم أجد لا البرافدا ولا رابوتشي ديلو ولا الازفستيا، كما أنك وكل اليسار لا يجد لا سوفخوزات ولا كولخوزات ولا قطاع عام اشتراكي يتوظف فيه، لهذا يتوظف لدى رأسمالي يكي تعظِّم رأسماله، أو لدى دولة رأسمالية تسهل نهب الرأسمالي للشعب. أرجو أن تغلق هذا النقاش القائم على الاتهام لأنه ليس صالح حوار جاد، فقط ناقش الأفكار بعد أن تقرأها، وليس كما تريد صياغتها ذهنياً.
أنا ضد النظام السوري بالضبط لأنه نظام مافياوي مستغِل ودكتاتوري، لكن هذا الموقف لا يدفعني لأن أكون مع أميركا أو السعودية أو الأصولية، بالضبط لأنني لا أنطلق من ثنائية المنطق الصوري، بل أفهم تعقيد الواقع وتعدد الصراعات، وهذا ما يجعلني قادراً على أن أكون ضد النظام وضد أميركا وكل الإمبرياليات بما فيها الروسية، وضد كل الدول الإقليمية من السعودية الى إيران ومن قطر الى تركيا، فلأنني ماركسي لا يمكنني أن أقف مع رأسمالية أو مافيا حتى وإنْ ظهر 'توافق' في الموقف، رغم أن الأمور في سورية كانت أسوأ من ذلك، لأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ومع النظام بغض النظر عن شكل التعبير عن المواقف والأدوار التي مورست (والتي لا تحب ككل اليسار أن يراها حفاظاً على عفّة 'التصور النظري' الذي يرى مؤامرات الإمبريالية، ولا يرى خوف الإمبرياليات كلها من الثورات، وهو ما عبّر عنه وزير الدفاع الروسي بوضوح حينما قال أنهم كسروا الثورات العربية في سورية). ربما يصعب عليك أن تتجاوز ثنائية 'إمبريالية/ ضد إمبريالية'، لهذا لا تراني سوى في الموقع المقابل لك ما دمت 'ضد إمبريالية'.لو تكرمت وقرأت لي لوجدت أنني كشفت سياسات وأدوار كل هذه الدول أكثر من الذين يرتعبون من البحث في وضعيتها ويكتفون بإتهام المختلفين بالارتباط بها.
ومن هذا المنطلق كنت أول من تحدث عن النصرة وكل الأصوليات التي غزت سورية، وطالبت بإعدام مجموعاتها الأولى قبل أن يستفحل الأمر، لأنني أعرف طابعها وخطرها، ومن أرسلها وما الهدف منها، بما في ذلك دور النظام الخبير في التعامل معها منذ أفغانستان والعراق، والذي أطلق سراح زعمائها بعد انطلاق الثورة بأشهر، وأسهم في تسلحيها وزرعها في المناطق التي باتت حينها خارج سيطرة السلطة. وكان موقفي واضحاً من المجموعات الأخرى كلها، ولقد حذرت من الخطر منذ البدء. فأرجو أن تدقق معلوماتك لكي يكون موقفك 'علمياً'. وإذا كنت تعتبر أنني 'قامة فكرية' (وشكراً لك على ذلك)، أقول لك أن من يمتلك قدرة نظرية يستطيع أن يحدد التكتيك الصحيح، وليس التافه، بينما من تغيب عنه هذه القدرة يضيع في التكتيك. وهذا مرض الماركسية السوفيتية وكل الماركسية التي تعممت بتأثير منها. وهو الأمر الذي يجعلها تقلب مواقفها في الظاهرة ذاتها حسب الموقف التكتيكي، ولقد شرحت كيف يتحقق ذلك في الحالة العربية.
يظهر أن المقاربة الخاطئة تفضي الى موقف خاطئ، فروسيا فرضت على النظام وجود قواعد عسكرية، وباتت تقرر في مصير سورية، وسأقول لك أنها سوف تلفظ بشار الأسد وكل العصابات الإيرانية، أما أن نقارن مع ألمانيا وإيطاليا واليابان فأمر يؤشر على سطحية يا عزيزي، لأن هناك حلف أطلسي يضم هذه الدول ويقتضي وجود قواعد، وفي كل الأحوال لا بد من أن تكون مرفوضة من الشعب لأنها تعبير عن شكل من أشكال السيطرة الأميركية عليها. أما في سورية فالأمر مختلف، وهو مشابه لوضع العراق ووجود قواعد عسكرية فيه (الذي كان اليسار يعتبر أنها احتلال)، والتي انسحبت لكنها تعود الآن. الوجود العسكري الروسي هو وجود احتلالي، سوف يظهر واضحا بعد تحقيق الحل للوضع الذي بات متفاهم عليه بين أميركا وروسيا. بالتالي مؤسف أن يسخّف الاحتلال بهذه الطريقة، فقط لأننا نريد الحفاظ على 'الدولة السورية'. وهنا يظهر وهم 'الدولة' في خطاب اليسار، فلا أعرف من أي ماركسية أتيت بأن هناك تمييز بين الدولة وإدارتها السياسية؟ وهو المبرر للعلاقة مع النظام السوري، فالدولة هي 'الهيئة الإدارية' التي تحكم عبرها الطبقة المسيطرة (أي السلطة)، وتمارس سحقها الشعب. وأجهزة الدولة السورية هي التي واجهت مظاهرات الشعب السلمية قبل ظهور كل المجموعات التي تبرر بها رفض الثورة والعلاقة مع النظام، وهي التي اعتقلت مئات آلاف الشبان وقتلت جزء كبير منهم. الفصل بين الدولة والسلطة ليس من الماركسية يا عزيزي، وهو وهم يعممه اليسار الذي بات يرى انهياره، لكي يتمسك بالعلاقة مع السلطة.
ملاحظة أخيرة، أظن أن من لا يستطيع الدفاع عن مواقفه وسياساته يميل الى التشكيك والتخوين، هذا هو وضع اليسار الذي يدافع عن النظام السوري. تتكرر الإشارة الى الجريدة التي أكتب فيها وكأنه اتهام، أكرر القول أنني صحفي ولم أجد لا البرافدا ولا رابوتشي ديلو ولا الازفستيا، كما أنك وكل اليسار لا يجد لا سوفخوزات ولا كولخوزات ولا قطاع عام اشتراكي يتوظف فيه، لهذا يتوظف لدى رأسمالي يكي تعظِّم رأسماله، أو لدى دولة رأسمالية تسهل نهب الرأسمالي للشعب. أرجو أن تغلق هذا النقاش القائم على الاتهام لأنه ليس صالح حوار جاد، فقط ناقش الأفكار بعد أن تقرأها، وليس كما تريد صياغتها ذهنياً.
نيسان ـ نشر في 2017/08/11 الساعة 00:00