الحاج عمرو خالد والعقل السخيف
نيسان ـ نشر في 2017/09/04 الساعة 00:00
ليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها عمرو خالد من جبل عرفات، فقد فعلها قبل سبع سنوات، حين أقدم على واحدةٍ من حركاته التلفزيونية المضحكة، في أثناء موسم الحج في نوفمبر/ تشرين ثاني 2010.
في ذلك الوقت، كانت مصر على موعد مع أسوأ انتخابات برلمانية في تاريخها، تلك الانتخابات التي أراد بها حسني وجمال مبارك القضاء على معارضة مشروع التوريث قضاءً مبرماً، فكان أن قرّر الحزب الحاكم فرض الهيمنة المطلقة على مجلس الشعب، من خلال الدفع بالأسماء ذات الوزن الثقيل من العسكريين ورجال المخابرات السابقين.
من هؤلاء كان لواء المخابرات ومحافظ الاسكندرية ووزير التنمية المحلية السابق، محمد عبد السلام المحجوب، وكان عمرو خالد بجسده على جبل عرفات، وبقلبه وعينيه على النظام في مصر، يريد ألا يترك فترة الدفء والرضا الرسمي عليه تمضي، بعد أن سمحوا له بالعودة إلى العمل الدعوي، التلفزيوني، في أندية الأثرياء.. في ذلك اليوم أعلن (النجم) عمرو خالد من فوق جبل عرفات عودته إلى استئناف نشاطه وندواته الجماهيرية، انطلاقا من دائرة اللواء محمد عبد السلام المحجوب الانتخابية، دائرة الرمل في الإسكندرية، بل إن اللواء الوزير المحافظ السابق زفّ البشرى للشباب بنفسه، وذلك قبل عشرة أيام فقط من إجراء الانتخابات.
ولكن الملاحظة الإيجابية الجديرة بالتوقف أمامها أن قسما كبيرا من محبى عمرو خالد ومعجبيه لم يبتهجوا بتلك 'العيدية' التى أرسلها إليهم داعيتهم الشاب من أطهر بقاع الأرض، بل تلقاها معظمهم بشيء من التوجس المخلوط بالأسى، على طريقة خلط السياسة بالدين، والذي يكون شديد الضرر أحيانا، وعظيم الفائدة فى أحيان أخرى، حسب ما تراه غرفة العمليات فى الإدارة العامة لمكافحة الخلط التابعة للأمانة العامة للحزب الوطنى.
فيما بعد، جاءت ثورة يناير2011 وبقي عمرو خالد كامناً في برج الفرجة، صامتاً، والبلاد تشتعل بالغضب على نظام مبارك، حتى جاء الخطاب العاطفي الشهير لمبارك الذي حاول فيه دغدغة مشاعر الجماهير، بإعلانه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. وهنا ظهر عمرو خالد، وذهب يطرق أبواب مكتب 'الجزيرة' طالباً التحدث للجماهير، كي يقول لها'كفاية ماذا تريدون من الرجل أكثر من ذلك'، تلك النغمة التي برع في ترديدها ممثلون محترفون من نوعية عفاف شعيب.
غير أن الجماهير واصلت احتشادها، حتى خلعت مبارك، فقرّر عمرو خالد أن يمتطي أمواج الثورة، ويدشّن نفسه ثورياً وداعية تغيير وحراك، وذهب إلى أبعد من ذلك، بتكوين حزب سياسي بعد الثورة، وحين جاء الدكتور محمد مرسي رئيساً كان الأكثر حماساً وحرصاً على الوجود في كل المناسبات التي دعت إليها مؤسسة الرئاسة.
أذكر أنه حين اجتمعت القوى الوطنية مع الرئيس مرسي في قصر الاتحادية بشأن إلغاء الإعلان الدستوري الذي فجر الأوضاع، كان عمرو خالد يجلس قبالتي، وفوجئ الحضور بأن ما يدور في الاجتماع المغلق الذي لم يكن مسموحاً فيه بحمل أجهزة الهواتف الذكية قد تسرّب إلى موقع اليوم السابع بينما الاجتماع منعقد، الأمر الذي أثار استياءً، وعرف حضور كثيرون أن المسرب، أو الواشي، هو الداعية الشاب الذي لم يجد بداً من الاعتراف بأنه يخبئ هاتفاً محمولاً في جيبه، ثم اعتذر بطريقة مخجلة، وتلك واقعة لها شهود أحياء.
فيما بعد، كان عمرو خالد حاضراً في اجتماعاتٍ أخرى، يناضل من أجل زيادة حصة حزبه في التعيينات الخاصة بمجلس الشورى، ويطلب معاملته مثل الأحزاب القديمة سواءً بسواء، ولمّا لم يحصل على ما يريد، بدأ في التململ والاقتراب من الضفة الأخرى، حتى جاء الانقلاب، فقفز في سفينته، جسوراً وهصوراً، ضد الرئيس المنتخب، ثم محرّضاً على سفك دماء المعتصمين في ميدان رابعة العدوية وكل ميادين مصر.
يجيد عمرو خالد لعبة الكاميرا، تلفزيونية كانت أم 'سيلفي الموبايل'، استخدمها في موسم حج هذا العام، فسجل هدفاً قاتلاً في مرماه، واستخدمها معه مواطن بسيط ممّن أدمت مذبحة رابعة قلوبهم، فأشهر الأصابع الأربعة في وجه أحد المحرّضين عليها.. يمكنك هنا أن ترتدي مسوح الحكيم والمثقف العميق، وتتقعر و تتحودب، حد النطاعة، وتجلد الشخص الذي التقط الصورة، وهي بالمعيار الصحافي صورة العام من دون منافس، بالنظر إلى صعقة الداعية الشاب منها، وبالمعيار الإنساني هي كاشفة لحالة الذعر الكامنة في نفوس الذين وافقوا على استباحة الدم، واستحلوا البشر ذبائح وأضاحٍ، ووسائل للتربّح السياسي والدعوي.
لدى عمرو خالد ترسانة إعلامية جبارة، ويختبئ داخل ترسانة عسكرية وأمنية مخيفة، وليس بيد هذا الشخص المكلوم على الدماء والأنفس سوى كاميرا موبايل، فاستخدمها بإبداع، ومنح وسائل الإعلام الاجتماعي مادة نادرة، و'طبطب' على قلوبٍ أنهكتها فظاعات الأوغاد القتلة.
وصف عمرو خالد صاحب الصورة بأنه ذو عقل سخيف.. لكن السخيف حقاً، والمبتذل فعلاً، هو هذا التطاوس السفيه على إبداع عفوي وبسيط، من رجلٍ لم يمد يده أو يستخدم لسانه بإسفافٍ وبذاءة، ونجح في وضعه أمام جريمته، من دون بياناتٍ عصماء تصدر من كيانات خرقاء.
في ذلك الوقت، كانت مصر على موعد مع أسوأ انتخابات برلمانية في تاريخها، تلك الانتخابات التي أراد بها حسني وجمال مبارك القضاء على معارضة مشروع التوريث قضاءً مبرماً، فكان أن قرّر الحزب الحاكم فرض الهيمنة المطلقة على مجلس الشعب، من خلال الدفع بالأسماء ذات الوزن الثقيل من العسكريين ورجال المخابرات السابقين.
من هؤلاء كان لواء المخابرات ومحافظ الاسكندرية ووزير التنمية المحلية السابق، محمد عبد السلام المحجوب، وكان عمرو خالد بجسده على جبل عرفات، وبقلبه وعينيه على النظام في مصر، يريد ألا يترك فترة الدفء والرضا الرسمي عليه تمضي، بعد أن سمحوا له بالعودة إلى العمل الدعوي، التلفزيوني، في أندية الأثرياء.. في ذلك اليوم أعلن (النجم) عمرو خالد من فوق جبل عرفات عودته إلى استئناف نشاطه وندواته الجماهيرية، انطلاقا من دائرة اللواء محمد عبد السلام المحجوب الانتخابية، دائرة الرمل في الإسكندرية، بل إن اللواء الوزير المحافظ السابق زفّ البشرى للشباب بنفسه، وذلك قبل عشرة أيام فقط من إجراء الانتخابات.
ولكن الملاحظة الإيجابية الجديرة بالتوقف أمامها أن قسما كبيرا من محبى عمرو خالد ومعجبيه لم يبتهجوا بتلك 'العيدية' التى أرسلها إليهم داعيتهم الشاب من أطهر بقاع الأرض، بل تلقاها معظمهم بشيء من التوجس المخلوط بالأسى، على طريقة خلط السياسة بالدين، والذي يكون شديد الضرر أحيانا، وعظيم الفائدة فى أحيان أخرى، حسب ما تراه غرفة العمليات فى الإدارة العامة لمكافحة الخلط التابعة للأمانة العامة للحزب الوطنى.
فيما بعد، جاءت ثورة يناير2011 وبقي عمرو خالد كامناً في برج الفرجة، صامتاً، والبلاد تشتعل بالغضب على نظام مبارك، حتى جاء الخطاب العاطفي الشهير لمبارك الذي حاول فيه دغدغة مشاعر الجماهير، بإعلانه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. وهنا ظهر عمرو خالد، وذهب يطرق أبواب مكتب 'الجزيرة' طالباً التحدث للجماهير، كي يقول لها'كفاية ماذا تريدون من الرجل أكثر من ذلك'، تلك النغمة التي برع في ترديدها ممثلون محترفون من نوعية عفاف شعيب.
غير أن الجماهير واصلت احتشادها، حتى خلعت مبارك، فقرّر عمرو خالد أن يمتطي أمواج الثورة، ويدشّن نفسه ثورياً وداعية تغيير وحراك، وذهب إلى أبعد من ذلك، بتكوين حزب سياسي بعد الثورة، وحين جاء الدكتور محمد مرسي رئيساً كان الأكثر حماساً وحرصاً على الوجود في كل المناسبات التي دعت إليها مؤسسة الرئاسة.
أذكر أنه حين اجتمعت القوى الوطنية مع الرئيس مرسي في قصر الاتحادية بشأن إلغاء الإعلان الدستوري الذي فجر الأوضاع، كان عمرو خالد يجلس قبالتي، وفوجئ الحضور بأن ما يدور في الاجتماع المغلق الذي لم يكن مسموحاً فيه بحمل أجهزة الهواتف الذكية قد تسرّب إلى موقع اليوم السابع بينما الاجتماع منعقد، الأمر الذي أثار استياءً، وعرف حضور كثيرون أن المسرب، أو الواشي، هو الداعية الشاب الذي لم يجد بداً من الاعتراف بأنه يخبئ هاتفاً محمولاً في جيبه، ثم اعتذر بطريقة مخجلة، وتلك واقعة لها شهود أحياء.
فيما بعد، كان عمرو خالد حاضراً في اجتماعاتٍ أخرى، يناضل من أجل زيادة حصة حزبه في التعيينات الخاصة بمجلس الشورى، ويطلب معاملته مثل الأحزاب القديمة سواءً بسواء، ولمّا لم يحصل على ما يريد، بدأ في التململ والاقتراب من الضفة الأخرى، حتى جاء الانقلاب، فقفز في سفينته، جسوراً وهصوراً، ضد الرئيس المنتخب، ثم محرّضاً على سفك دماء المعتصمين في ميدان رابعة العدوية وكل ميادين مصر.
يجيد عمرو خالد لعبة الكاميرا، تلفزيونية كانت أم 'سيلفي الموبايل'، استخدمها في موسم حج هذا العام، فسجل هدفاً قاتلاً في مرماه، واستخدمها معه مواطن بسيط ممّن أدمت مذبحة رابعة قلوبهم، فأشهر الأصابع الأربعة في وجه أحد المحرّضين عليها.. يمكنك هنا أن ترتدي مسوح الحكيم والمثقف العميق، وتتقعر و تتحودب، حد النطاعة، وتجلد الشخص الذي التقط الصورة، وهي بالمعيار الصحافي صورة العام من دون منافس، بالنظر إلى صعقة الداعية الشاب منها، وبالمعيار الإنساني هي كاشفة لحالة الذعر الكامنة في نفوس الذين وافقوا على استباحة الدم، واستحلوا البشر ذبائح وأضاحٍ، ووسائل للتربّح السياسي والدعوي.
لدى عمرو خالد ترسانة إعلامية جبارة، ويختبئ داخل ترسانة عسكرية وأمنية مخيفة، وليس بيد هذا الشخص المكلوم على الدماء والأنفس سوى كاميرا موبايل، فاستخدمها بإبداع، ومنح وسائل الإعلام الاجتماعي مادة نادرة، و'طبطب' على قلوبٍ أنهكتها فظاعات الأوغاد القتلة.
وصف عمرو خالد صاحب الصورة بأنه ذو عقل سخيف.. لكن السخيف حقاً، والمبتذل فعلاً، هو هذا التطاوس السفيه على إبداع عفوي وبسيط، من رجلٍ لم يمد يده أو يستخدم لسانه بإسفافٍ وبذاءة، ونجح في وضعه أمام جريمته، من دون بياناتٍ عصماء تصدر من كيانات خرقاء.
نيسان ـ نشر في 2017/09/04 الساعة 00:00