أغنية احتضار دبلوماسية الحصار
نيسان ـ نشر في 2017/09/06 الساعة 00:00
بالمعايير الفنية، يصلح أوبريت المطربين السبعة، الممثلين لدول الحصار على قطر، نموذجاً للركاكة الفنية والضحالة الفكرية، إن على مستوى البناء، أو الأداء، الأمر الذي يثير السخرية، والأسى على فنانين ارتضوا أن يبدّدوا من رصيدهم لدى الجمهور.
الكلمات، في أفضل الأحوال، لا ترقى إلى مستوى بيان سياسي هزيل صادر عن ثلاثي الحصار+ واحد، بحيث تشعر وكأن المؤلفين هم عادل وعبد الله وخالد وسامح، رباعي وزراء خارجية الدول التي صنعت تلك الملهاة التي تدخل شهرها الرابع، مدشّنة زمن المساخر السياسية.
تلمح في الأوبريت، المرتبك مضموناً وشكلاً، ظلالاً باهتة لتصريحات دبلوماسية، يغيب عنها المنطق، وينعدم فيها الصدق، ما يشي بأن كل ما فعله واضع الكلمات أنه استحضر أرشيف البيانات والتصريحات الرسمية والردود الإعلامية، ورصّها فوق بعضها بعضا، ثم أسماها أغنية، تمت تعبئتها على عجل، من دون انتظار لطواف وداع الحجاج المشاعر المقدسة، وإطلاقها على الجماهير، وكأن من يقفون وراء العمل الغنائي متعجّلون في إعادة المواطن العربي إلى أتون القبلية والشوفينية، بكل ما فيه من استعلاء واهم وغطرسة قوة متخيلة، بعد أن أمضى هذا المواطن أياماً معدوداتٍ في رحاب معاني الوحدة والمساواة والعدالة واستقامة الضمير الإنساني.
ليس مسموحاً بترك الإنسان العربي في تلك المساحة التي يشتعل فيها ضميره حزناً وغضباً على مذبحةٍ بحق ثلاثة ملايين شخص من أقلية الروهينغا، هم إخوة له في الدين وفي الإنسانية، فلابد، إذن، من عملية سريعة تستعيده إلى ميدان المعركة المخجلة التي احترقت فيها كل معاني الأخوة والجيرة، وكل قيم النبل والنخوة والشهامة العربية.
على أن خروج الأوبريت بهذا التسرّع وهذه الضحالة يعكس حالة إقرارٍ بعدم قدرة الخطاب السياسي المباشر لدول الحصار في تبرير هذا اللدد في الخصومة، والغلو في الخلاف، بما يعني إعلاناً صريحاً لاحتضار الدبلوماسية الرباعية في تقديم ردودٍ مقنعة للشارع العربي الذي ضجّ بهذا المسلسل السخيف، وبات يواجه حرجاً وهو يجد نفسه محشوراً في حربٍ عبثية، لا ناقة ولا جمل للشعوب فيها، ناهيك عن الفشل في إقناع المجتمع الدولي بأية مسوغاتٍ سياسية أو أخلاقية لهذا الحصار، المفروض استجابة لرغبات مجنونة في اصطناع 'عدو شقيق' لكي ينفتح الطريق أمام انخراط في علاقاتٍ دافئة مع العدو الحقيقي، والوحيد، بكل الاعتبارات التاريخية والجغرافية.
والذي حدث أن هذا الإفلاس الدبلوماسي تمخض فولد إفلاساً فنياً، جعل الجمهور يتحسّر على صورة محترمة ارتسمت في وجدانه لفنانين، غنّوا للإنسان، فارتبط بهم، ثم قرّروا الغناء للسلطان، وللعدوان، فانخدشت الصورة، وتهشم الإطار، وأهدرت القيمة، وبات المعنى مدعاةً للأسى على هذه القدرة على التضحية برصيد سنوات طويلة.
تنبئنا ذاكرة الزمان العربي أن قوات الانتشار السريع في الثقافة والفن، حين يتم استدعاؤها إلى ساحات الصراع السياسي، لا تنتج إبداعاً، يستحق الاحترام ويمتلك القدرة على البقاء، وإنما تصنع مساخر ومهازل، لا تصل في مستواها وقيمتها إلى أبعد مما أحدثته الابتذالات الراقصة لنجوم الفن الرخيص، من نوعية شعبان عبد الرحيم وسما المصري. وفي أفضل الظروف، يبقى الغناء المطروح في الأسواق بالأمر، في مثل هذه الأجواء السياسية التعبوية الفاسدة، يبقى عند مستوى سقطات مطربين حقيقيين، بنوا مجداً على مدار سنوات، ثم هدموه بأغنيةٍ واحدة بائسة، إرضاءً للسلطان، كما فعل على الحجار حين غنّى للتفرقة العنصرية 'أنتم شعب واحنا شعب' وكما فعل كورال كامل حين أنشد في مديح المذابح والمجازر والجرائم 'تسلم الأيادي'، وكما فعل صاحب 'بشرة خير' مغنياً وراقصاً فوق جثة الديمقراطية الذبيحة في مصر.
الغناء حين يرتضي وظيفة الخادمة في بلاط السلاطين يتحول من كونه إبداعاً فنياً إلى محض هلوسة سياسية، لا تسمن ولا تغني من جوع دبلوماسي.
ولكل ما سبق، لا أتمنى أبداً أن أجد رداً غنائياً على هذا الهراء السباعي المعبأ في مصانع الركاكة التابعة لدول الحصار.
الكلمات، في أفضل الأحوال، لا ترقى إلى مستوى بيان سياسي هزيل صادر عن ثلاثي الحصار+ واحد، بحيث تشعر وكأن المؤلفين هم عادل وعبد الله وخالد وسامح، رباعي وزراء خارجية الدول التي صنعت تلك الملهاة التي تدخل شهرها الرابع، مدشّنة زمن المساخر السياسية.
تلمح في الأوبريت، المرتبك مضموناً وشكلاً، ظلالاً باهتة لتصريحات دبلوماسية، يغيب عنها المنطق، وينعدم فيها الصدق، ما يشي بأن كل ما فعله واضع الكلمات أنه استحضر أرشيف البيانات والتصريحات الرسمية والردود الإعلامية، ورصّها فوق بعضها بعضا، ثم أسماها أغنية، تمت تعبئتها على عجل، من دون انتظار لطواف وداع الحجاج المشاعر المقدسة، وإطلاقها على الجماهير، وكأن من يقفون وراء العمل الغنائي متعجّلون في إعادة المواطن العربي إلى أتون القبلية والشوفينية، بكل ما فيه من استعلاء واهم وغطرسة قوة متخيلة، بعد أن أمضى هذا المواطن أياماً معدوداتٍ في رحاب معاني الوحدة والمساواة والعدالة واستقامة الضمير الإنساني.
ليس مسموحاً بترك الإنسان العربي في تلك المساحة التي يشتعل فيها ضميره حزناً وغضباً على مذبحةٍ بحق ثلاثة ملايين شخص من أقلية الروهينغا، هم إخوة له في الدين وفي الإنسانية، فلابد، إذن، من عملية سريعة تستعيده إلى ميدان المعركة المخجلة التي احترقت فيها كل معاني الأخوة والجيرة، وكل قيم النبل والنخوة والشهامة العربية.
على أن خروج الأوبريت بهذا التسرّع وهذه الضحالة يعكس حالة إقرارٍ بعدم قدرة الخطاب السياسي المباشر لدول الحصار في تبرير هذا اللدد في الخصومة، والغلو في الخلاف، بما يعني إعلاناً صريحاً لاحتضار الدبلوماسية الرباعية في تقديم ردودٍ مقنعة للشارع العربي الذي ضجّ بهذا المسلسل السخيف، وبات يواجه حرجاً وهو يجد نفسه محشوراً في حربٍ عبثية، لا ناقة ولا جمل للشعوب فيها، ناهيك عن الفشل في إقناع المجتمع الدولي بأية مسوغاتٍ سياسية أو أخلاقية لهذا الحصار، المفروض استجابة لرغبات مجنونة في اصطناع 'عدو شقيق' لكي ينفتح الطريق أمام انخراط في علاقاتٍ دافئة مع العدو الحقيقي، والوحيد، بكل الاعتبارات التاريخية والجغرافية.
والذي حدث أن هذا الإفلاس الدبلوماسي تمخض فولد إفلاساً فنياً، جعل الجمهور يتحسّر على صورة محترمة ارتسمت في وجدانه لفنانين، غنّوا للإنسان، فارتبط بهم، ثم قرّروا الغناء للسلطان، وللعدوان، فانخدشت الصورة، وتهشم الإطار، وأهدرت القيمة، وبات المعنى مدعاةً للأسى على هذه القدرة على التضحية برصيد سنوات طويلة.
تنبئنا ذاكرة الزمان العربي أن قوات الانتشار السريع في الثقافة والفن، حين يتم استدعاؤها إلى ساحات الصراع السياسي، لا تنتج إبداعاً، يستحق الاحترام ويمتلك القدرة على البقاء، وإنما تصنع مساخر ومهازل، لا تصل في مستواها وقيمتها إلى أبعد مما أحدثته الابتذالات الراقصة لنجوم الفن الرخيص، من نوعية شعبان عبد الرحيم وسما المصري. وفي أفضل الظروف، يبقى الغناء المطروح في الأسواق بالأمر، في مثل هذه الأجواء السياسية التعبوية الفاسدة، يبقى عند مستوى سقطات مطربين حقيقيين، بنوا مجداً على مدار سنوات، ثم هدموه بأغنيةٍ واحدة بائسة، إرضاءً للسلطان، كما فعل على الحجار حين غنّى للتفرقة العنصرية 'أنتم شعب واحنا شعب' وكما فعل كورال كامل حين أنشد في مديح المذابح والمجازر والجرائم 'تسلم الأيادي'، وكما فعل صاحب 'بشرة خير' مغنياً وراقصاً فوق جثة الديمقراطية الذبيحة في مصر.
الغناء حين يرتضي وظيفة الخادمة في بلاط السلاطين يتحول من كونه إبداعاً فنياً إلى محض هلوسة سياسية، لا تسمن ولا تغني من جوع دبلوماسي.
ولكل ما سبق، لا أتمنى أبداً أن أجد رداً غنائياً على هذا الهراء السباعي المعبأ في مصانع الركاكة التابعة لدول الحصار.
نيسان ـ نشر في 2017/09/06 الساعة 00:00