من قتل مهدي عاكف؟
نيسان ـ نشر في 2017/09/25 الساعة 00:00
طبيعي جداً أن يأنف مثقفون، ذوو منسوبٍ عال من التقدمية، من إدانة امتناع السلطات المصرية السماح لمهدي عاكف أن يموت في منزله بين أحفاده وأسرته، بدل أن ترتقي روحُه إلى بارئها في مشفىً يتبع مصلحة السجون. طبيعيٌّ هذا الأمر، فالرجل مجرد 'إخونجي'، ينتسب إلى تفكيرٍ رجعي. هو ليس شاعرا كتب قصيدةً جنح فيها إلى تعبيرٍ ملتبسٍ بشأن خالق العباد والأرضين، فاقتيد إلى مساءلةٍ في النيابة العامة، ثم اشتعل ضجيج الحقوقيين المنافحين عن حريات الرأي والتعبير. ليس مهدي عاكف، في التاسعة والثمانين عاما، من أهل التنوير والحداثة، كما شاعرةٌ تشمئز من ذبح الخراف في عيد الأضحى، فتستجوبها السلطة، المنعوتة بأنها قامعة لحريات الإنسان، وحامية للأصوليات المتخلفة في المجتمع. ليس مهدي عاكف من طينة هذه المرأة، ولا من جبلّة المناضلين من أجل رفع بيارق التمدين، وتثوير العقول ضد الإسلامويين وأشباههم، فلا يستحقّ اكتراثا بأمره، وإذا أراد تقدميّ ما أن يرى في واقعة موت هذا الرجل المسن، في غضون مكابداته السرطان وغيره، مناسبةً للمطالبة بالإفراج عن كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، فلا بأس من هذا القسط من الإنسانية، يُرمى على عاكف وأترابه.
لا تزيّد في اعتبار الذين سكتوا بشأن قتل مهدي عاكف، من مثقفين وكتّاب ومشتغلين بالشأن الحقوقي والديمقراطي، مصريين وغير مصريين، شركاء في هذه الجريمة، الموصولة بداهةً بقتل 617 شخصا في سجون نظام عبد الفتاح السيسي، منذ نطّ هذا الرجل إلى السلطة مساء 3 يوليو/ تموز 2013، وحتى مساء يوم 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، لمّا شاء صاحب المشيئة، ومات مهدي عاكف، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان إن 513 قضوا بما يسمّيه جهاز البوليس المصري العتيد إهمالا طبيا، فيما تم تمويت الباقين تحت التعذيب، والله أعلم. ولأن المنظمة المذكورة عربية، ومطرحها في لندن، فإنها قد تكون مغرضةً والعياذ بالله، فلنا إذن أن نتأسّى في المفوضية المصرية للحقوق والحريات التي قالت إن 268 شخصا قتلوا في مراكز احتجازهم في العامين الأولين لعهد الانقلاب الزاهر. وبذلك، يصير قتل مهدي عاكف واقعةً تذكّرنا بصحة تسمية كاتب مصري القتل أنه المشروع الوطني لنظام السيسي، ومن تفاصيل هذا المشروع، كما نعاين، هذا الاسترخاص المريع لحياة البشر، وكذا التلذّذ باقتراف التعذيب في أقبية المعتقلات والزنازين المصرية، والاغتصاب أحد فنون هذا التعذيب، على ذمّة 'هيومان رايتس ووتش' التي لا يُنصح بقراءة تقريرها الجديد بشأن مصر، وكذا تقارير الخارجية الأميركية ومنظمة العفو الدولية أخيرا في الشأن نفسه، إذا ما أراد الواحد منا ألا تتعبه الكوابيس في نومه.
الظاهر أن نظام حافظ الأسد كان أكثر ذكاءً من النظام الراهن في مصر، المتّصف بالغباء، عندما يحبس، منذ عامين، الباحث إسماعيل الإسكندراني، بينما كان قادما من الخارج لزيارة والدته، بزعم أنه قال كلاما غير جائز عن النظام الذي يفيض طهارةً، بل يجدّد حبس هذا الشاب، كأنه يتسلى باحتجازه. ويحضر الغباء نفسه في حبس الباحث هشام جعفر، منذ عامين أيضا. وفي الطنين الرديء الذي يواصله، وهو يثرثر في منصاته التلفزيونية والإلكترونية وغيرها عن مؤامرات الإخوان المسلمين في كل الدنيا بغرض هدم الدولة المصرية التي لا ينقذها سوى ظل عبد الفتاح السيسي، أدام الله عزه. كان حافظ الأسد حريصا على ألا يموت الرئيس نور الدين الأتاسي، المنقلب عليه، مريضا بالسرطان في السجن، بل أن يموت بعد أسبوعٍ من الإفراج عنه بعد 22 عاما في السجن.
الشركاء في قتل مهدي عاكف كثيرون إذن، بينهم الصامتون عن قتل سابقيه في الزنازين ومراكز التوقيف والاحتجاز إياها، في غضون اعتقالات تعسفية واسعة، ومحاكماتٍ من قلة العقل أن تُتابع تفاصيلها. ما نفع أن تعرف مثلا أن عاكف، وهو مرشد عام الإخوان المسلمين السابق، كان يمكث في السجن غداة الانقلاب البوليسي (ليته كان عسكريا!) منذ يوليو/ تموز 2013، وترتبت له ثلاث قضايا، تمت تبرئته في واحدة. وقُضي عليه، في الثانية، بالمؤبد الذي ألغته محكمة النقض، وظل محبوسا احتياطيا بشأنها، وفي الثالثة، نال البراءة، غير أن النيابة استأنفت الحكم... تنوّعوا إذن، قتلة الرجل، من يعدّهم؟
لا تزيّد في اعتبار الذين سكتوا بشأن قتل مهدي عاكف، من مثقفين وكتّاب ومشتغلين بالشأن الحقوقي والديمقراطي، مصريين وغير مصريين، شركاء في هذه الجريمة، الموصولة بداهةً بقتل 617 شخصا في سجون نظام عبد الفتاح السيسي، منذ نطّ هذا الرجل إلى السلطة مساء 3 يوليو/ تموز 2013، وحتى مساء يوم 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، لمّا شاء صاحب المشيئة، ومات مهدي عاكف، قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان إن 513 قضوا بما يسمّيه جهاز البوليس المصري العتيد إهمالا طبيا، فيما تم تمويت الباقين تحت التعذيب، والله أعلم. ولأن المنظمة المذكورة عربية، ومطرحها في لندن، فإنها قد تكون مغرضةً والعياذ بالله، فلنا إذن أن نتأسّى في المفوضية المصرية للحقوق والحريات التي قالت إن 268 شخصا قتلوا في مراكز احتجازهم في العامين الأولين لعهد الانقلاب الزاهر. وبذلك، يصير قتل مهدي عاكف واقعةً تذكّرنا بصحة تسمية كاتب مصري القتل أنه المشروع الوطني لنظام السيسي، ومن تفاصيل هذا المشروع، كما نعاين، هذا الاسترخاص المريع لحياة البشر، وكذا التلذّذ باقتراف التعذيب في أقبية المعتقلات والزنازين المصرية، والاغتصاب أحد فنون هذا التعذيب، على ذمّة 'هيومان رايتس ووتش' التي لا يُنصح بقراءة تقريرها الجديد بشأن مصر، وكذا تقارير الخارجية الأميركية ومنظمة العفو الدولية أخيرا في الشأن نفسه، إذا ما أراد الواحد منا ألا تتعبه الكوابيس في نومه.
الظاهر أن نظام حافظ الأسد كان أكثر ذكاءً من النظام الراهن في مصر، المتّصف بالغباء، عندما يحبس، منذ عامين، الباحث إسماعيل الإسكندراني، بينما كان قادما من الخارج لزيارة والدته، بزعم أنه قال كلاما غير جائز عن النظام الذي يفيض طهارةً، بل يجدّد حبس هذا الشاب، كأنه يتسلى باحتجازه. ويحضر الغباء نفسه في حبس الباحث هشام جعفر، منذ عامين أيضا. وفي الطنين الرديء الذي يواصله، وهو يثرثر في منصاته التلفزيونية والإلكترونية وغيرها عن مؤامرات الإخوان المسلمين في كل الدنيا بغرض هدم الدولة المصرية التي لا ينقذها سوى ظل عبد الفتاح السيسي، أدام الله عزه. كان حافظ الأسد حريصا على ألا يموت الرئيس نور الدين الأتاسي، المنقلب عليه، مريضا بالسرطان في السجن، بل أن يموت بعد أسبوعٍ من الإفراج عنه بعد 22 عاما في السجن.
الشركاء في قتل مهدي عاكف كثيرون إذن، بينهم الصامتون عن قتل سابقيه في الزنازين ومراكز التوقيف والاحتجاز إياها، في غضون اعتقالات تعسفية واسعة، ومحاكماتٍ من قلة العقل أن تُتابع تفاصيلها. ما نفع أن تعرف مثلا أن عاكف، وهو مرشد عام الإخوان المسلمين السابق، كان يمكث في السجن غداة الانقلاب البوليسي (ليته كان عسكريا!) منذ يوليو/ تموز 2013، وترتبت له ثلاث قضايا، تمت تبرئته في واحدة. وقُضي عليه، في الثانية، بالمؤبد الذي ألغته محكمة النقض، وظل محبوسا احتياطيا بشأنها، وفي الثالثة، نال البراءة، غير أن النيابة استأنفت الحكم... تنوّعوا إذن، قتلة الرجل، من يعدّهم؟
نيسان ـ نشر في 2017/09/25 الساعة 00:00