مؤتمر "المسيحيون العرب.." لماذا؟
نيسان ـ نشر في 2017/10/24 الساعة 00:00
ليس منسيّاً ذلك الضجيج الذي أحدثه إعداد مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، في العام 1994، لتنظيم مؤتمر 'حقوق الأقليات في الوطن العربي'، لمّا قوبل برفضٍ عريض، من قوىً وشخصياتٍ وهيئاتٍ وتكويناتٍ مصريةٍ وعربية، ولا سيما من الكنيسة القبطية، فاضطر رئيس المركز، سعد الدين إبراهيم، لتنظيم المؤتمر في قبرص، وكان مقرّراً في القاهرة. حفّت الريبة وشبهات التمويل الأجنبي به، فسوّغا التحفظات، المقنعة ربما، ضده، غير أن ما لم يكن مقنعاً هو الخطاب الذي ذاع، في تلك الغضون، عن عالمٍ عربي عظيم وموحّد، لا أقليات فيه ولا أكثريات، فلا حاجة لمبحث ذلك في مؤتمرٍ وراء أكمته ما وراءها. ثم قيلت في المداولات في قبرص بعض مطارحات جديّة، على ما قال أصدقاء شاركوا فيه، من قبيل التشديد على المواطنة والعدالة وقيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، غير أن المرذول فيه أن فكرة 'حماية الأقليات' كانت من مضامينه التي بدا، ربما، أنّه يتبنّاها. وهي الفكرة التي ظلّت تتردّد، لاحقاً، في مؤتمراتٍ مستمرة، ينظمها من يسمّون 'أقباط المهجر'، تنعقد بمواظبةٍ نشطة، في واشنطن خصوصاً، وفي النمسا وسويسرا وغيرهما، من جديدها الذي عقده الكونغرس الأميركي في واشنطن في يونيو/ حزيران الماضي.
في موازاة تلك المؤتمرات التي لا شطط في القول إنها تزيد الإشكالات العويصة بشأن القضية الطائفية في مصر، (هي قضية لا ريب)، انتظمت في غير عاصمةٍ عربيةٍ وأجنبية، برعاياتٍ رسميةٍ وأهليةٍ، في الدوحة وعمّان والقاهرة مثلاً، وبرعايات كنسية (الفاتيكان مثلاً) وأزهريةٍ وهيئاتٍ مسيحيةٍ وإسلامية، تعلقت بحوار الأديان والتعايش بين الطوائف، وتبنّت وثائقَ وبياناتٍ وتوصياتٍ وأدبياتٍ، طيّبةً غالباً. وعلى أهمية كثيرٍ منها، ظلت هذه اللقاءات والمبادرات دعويةً، إنسانيةً ورسوليةً إلى حد ما، ما لا يجعل لمادتها قيمةً معرفية ذات إفادةٍ جوهريةٍ في التعرّف على حقائق حال المسيحيين والطوائف في بلادنا العربية.
يخرج المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن هذه السياقات، في تنظيمه مؤتمره المهم 'المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير: عوامل البقاء، والهجرة، والتهجير'، أخيرا في الدوحة. بداهةً، لأن المركز نفسه ليس مهجوساً بالزوابع، وليس منصّةً أهليةً، ولا رسميةً، تسعى إلى دور في توفيق أحوال المسيحيين وغيرهم في هذا البلد العربي أو ذاك، فهذا شأن مؤسساتٍ ذات سلطاتٍ وصاحبة قرار، وإنما هو مؤسسةٌ معنيةٌ بالمعرفة، وبالبحث الاجتماعي والتحليل العلمي، لا من أجل الخروج بتوصياتٍ، وإنما لتوفير مادةٍ علميةٍ في الموضوعات التي تنشغل بها أنشطته، في أي قضيةٍ كانت. ومع حضور مقادير من الجرأة الظاهرة في تنظيم المركز مؤتمرين أكاديميين عن 'الشيعة العرب: المواطنة والهوية العربية' في فبراير/ شباط 2016، و'العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات' في إبريل/ نيسان 2017، تبدّى أن ثمّة حاجةً ملحّةً لجرأة أكثر، وتخفّفاً أكبر من أي حساسياتٍ، في سبيل معرفةٍ أوْفى بحال المسيحيين العرب، بمقارباتٍ أكاديمية، غير طائفيةٍ طبعاً، فجاء المؤتمر الجديد الذي استُمع فيه إلى مشاركات باحثين ومختصين وخبراء من العراق ومصر والأردن وفلسطين وسورية ولبنان، فتيسّر للحضور تشريحٌ اجتماعيٌّ وسياسيٌّ واقتصادي، بالغ الأهمية، في هذا الموضوع، وفي وسع الجمهور العام أن يلمس ذلك عندما يتوفّر الكتاب الذي سيضم أوراق المؤتمر قريباً.
اشتملت مساهمات سعد الدين إبراهيم المبكّرة، في دراساته وكتبه الأولى بشأن الأقليات، على أهمية ومكانة، غير أن مؤتمره ذاك، في قبرص، لم ينجح في تيسير قيمةٍ علميةٍ في موضوعه هذا. ومن غير الممكن أن يكون لمؤتمرات أقباط المهجر، بضيافة الكونغرس ومؤسساتٍ غربية ناقصة المصداقية، أهميةٌ في التعريف اللازم بالقضية الطائفية في مصر، وإنْ تساعد، ربما، في الضغط على الحكومات المصرية، بشأن حقوق الأقباط، (بوصفهم أقباطاً!). أما المؤتمر الذي شهدته قاعات المركز العربي في الدوحة، فأمره معاكس، لا لشيء إلا لأن الأدوات العلمية هي التي كانت حاضرة فيه (وإن تخلل بعض النقاشات شيءٌ من الخروج عنها)، ولأن كل شأنٍ كان محل بحثٍ أو نقد، (الإسلام السياسي مثلاً)، ولأن الخلاصة الأهم فيه أن حل المسألة الطائفية في الوطن العربي لا يمكن أن يكون طائفياً، وإنما دولة المواطنة.. هل من يقرأ ويسمع؟
في موازاة تلك المؤتمرات التي لا شطط في القول إنها تزيد الإشكالات العويصة بشأن القضية الطائفية في مصر، (هي قضية لا ريب)، انتظمت في غير عاصمةٍ عربيةٍ وأجنبية، برعاياتٍ رسميةٍ وأهليةٍ، في الدوحة وعمّان والقاهرة مثلاً، وبرعايات كنسية (الفاتيكان مثلاً) وأزهريةٍ وهيئاتٍ مسيحيةٍ وإسلامية، تعلقت بحوار الأديان والتعايش بين الطوائف، وتبنّت وثائقَ وبياناتٍ وتوصياتٍ وأدبياتٍ، طيّبةً غالباً. وعلى أهمية كثيرٍ منها، ظلت هذه اللقاءات والمبادرات دعويةً، إنسانيةً ورسوليةً إلى حد ما، ما لا يجعل لمادتها قيمةً معرفية ذات إفادةٍ جوهريةٍ في التعرّف على حقائق حال المسيحيين والطوائف في بلادنا العربية.
يخرج المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن هذه السياقات، في تنظيمه مؤتمره المهم 'المسيحيون العرب في المشرق العربي الكبير: عوامل البقاء، والهجرة، والتهجير'، أخيرا في الدوحة. بداهةً، لأن المركز نفسه ليس مهجوساً بالزوابع، وليس منصّةً أهليةً، ولا رسميةً، تسعى إلى دور في توفيق أحوال المسيحيين وغيرهم في هذا البلد العربي أو ذاك، فهذا شأن مؤسساتٍ ذات سلطاتٍ وصاحبة قرار، وإنما هو مؤسسةٌ معنيةٌ بالمعرفة، وبالبحث الاجتماعي والتحليل العلمي، لا من أجل الخروج بتوصياتٍ، وإنما لتوفير مادةٍ علميةٍ في الموضوعات التي تنشغل بها أنشطته، في أي قضيةٍ كانت. ومع حضور مقادير من الجرأة الظاهرة في تنظيم المركز مؤتمرين أكاديميين عن 'الشيعة العرب: المواطنة والهوية العربية' في فبراير/ شباط 2016، و'العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات' في إبريل/ نيسان 2017، تبدّى أن ثمّة حاجةً ملحّةً لجرأة أكثر، وتخفّفاً أكبر من أي حساسياتٍ، في سبيل معرفةٍ أوْفى بحال المسيحيين العرب، بمقارباتٍ أكاديمية، غير طائفيةٍ طبعاً، فجاء المؤتمر الجديد الذي استُمع فيه إلى مشاركات باحثين ومختصين وخبراء من العراق ومصر والأردن وفلسطين وسورية ولبنان، فتيسّر للحضور تشريحٌ اجتماعيٌّ وسياسيٌّ واقتصادي، بالغ الأهمية، في هذا الموضوع، وفي وسع الجمهور العام أن يلمس ذلك عندما يتوفّر الكتاب الذي سيضم أوراق المؤتمر قريباً.
اشتملت مساهمات سعد الدين إبراهيم المبكّرة، في دراساته وكتبه الأولى بشأن الأقليات، على أهمية ومكانة، غير أن مؤتمره ذاك، في قبرص، لم ينجح في تيسير قيمةٍ علميةٍ في موضوعه هذا. ومن غير الممكن أن يكون لمؤتمرات أقباط المهجر، بضيافة الكونغرس ومؤسساتٍ غربية ناقصة المصداقية، أهميةٌ في التعريف اللازم بالقضية الطائفية في مصر، وإنْ تساعد، ربما، في الضغط على الحكومات المصرية، بشأن حقوق الأقباط، (بوصفهم أقباطاً!). أما المؤتمر الذي شهدته قاعات المركز العربي في الدوحة، فأمره معاكس، لا لشيء إلا لأن الأدوات العلمية هي التي كانت حاضرة فيه (وإن تخلل بعض النقاشات شيءٌ من الخروج عنها)، ولأن كل شأنٍ كان محل بحثٍ أو نقد، (الإسلام السياسي مثلاً)، ولأن الخلاصة الأهم فيه أن حل المسألة الطائفية في الوطن العربي لا يمكن أن يكون طائفياً، وإنما دولة المواطنة.. هل من يقرأ ويسمع؟
نيسان ـ نشر في 2017/10/24 الساعة 00:00