فيدرالية الاعراق و المذاهب.. بين الواقع و الاوهام

د. عامر السبايلة
نيسان ـ نشر في 2015/06/19 الساعة 00:00
كثيرة هي الطروحات و السيناريوهات النظرية التي يتم تداولها اليوم في أروقة العديد من الدوائر الفكرية في العالم تجاه الصراع في الشرق الاوسط و طبيعة و شكل الحلول المفترضة للازمات المستمرة في المنطقة.
الحقيقة ان الضبابية التي تحيط في كثير من تفاصيل احداث المنطقة منذ ظهور تنظيم داعش على الساحة و قدرته على التوسع و الانتقال من مكان الى اخر، و خصوصاً بعد ولادة فكرة زوال الحدود و تحول التنظيم فعلياً الى اداة اذابة للحدود مما يستدعي فعلياً التفكير في شكل كثير من الدول التي قد تولد ضمن هذه المناخات.
يضاف الى ذلك ان طرح مثل هذه السيناريوهات يأتي في وقت تتجذرفيه حالة التقسيم السيكولوجوي التي باتت تسيطر على عقول كثير من ابناء المنطقة و تجذر فكرة عدم قدرة ابناء هذه المنطقة على التعايش الامر الذي يستدعي “منطقياً” التفكير في خلق كانتونات معزولة عن بعضها البعض وفقاً لمعايير اثنية او دينية او طائفية، اي بمعني آخر استنساخ صورة مشابهة لبرنامج “بلقنة” المنطقة.
مع تجذير فكرة سقوط الدول الوطنية و تسويق خيار الكيانات الطائفية تظهر كثير من الشخوص الحالمة بلعب ادوار مستقبلية ضمن اي من التركيبات الطائفية او الاثنية.
لا بل ان الكثير من المسئولين و الكتاب بدأو بتبني خطاب و مصطلحات طائفية تُجذرمفاهيم عدم التعايش و تسوق افكار ضرورة التقسيم من اجل ايقاف النزاعات.
الحقيقة ان هذه الافكار ليست جديدة و هي افكار و ادبيات تدور في بعض دوائر التجمعات الفكرية منذ فترة زمنية طويلة لكنها الى اليوم ليست مطروحة على طاولة صناع القرار على حد تعبير كثير من المقربين من دوائر صنع القرارالسياسي و العسكري الاوروبي لا بل ان البعض يعتبر ان هذه الافكار تنتمي لفئة الاحلام و الامنيات صعبة التحقيق..
فكرة اختفاء دول وولادة دول أخرى، او حتى اضمحلال دول و توسع دول أخرى تجد بلاشك كثير من المروجين الذين يسوقون لهذه الافكار و يسعون لاعطاءها بعداً منطقياً.
هؤلاء المروجون يمثلون عدة فئات، اهمها تلك التي تعاني من مركبات ” عقدة النقص ” جراء التركيبات السياسية الحالية في بلدانهم و بالتالي تمثل أرائهم محاولة للبحث عن حالة سياسية جديدة قد توفر لهم فرصة للعب دور مستقبلي مما يستدعي منهم طبعاً البدء بلعب ادوار تسويقية مفضوحة تحتوي على جرعة كبيرة من حالات التنظير الطائفي.
لكن بلا شك لا يقتصر تسويق هذه السيناريوهات على فئة معينة بحد ذاتها، فالاشخاص الذين يعبرون عن ازمة سياسية حقيقية و مركبة يعتقدون بان الهروب من هذه الازمة يتطلب البحث عن ادوار خارجية مما ينطوي على اخطار حقيقية على بلدانهم نظراً لحجم التضليل و التضخيم الكبير للادوار الافتراضية التي قد يلعبها البعض مستقبلاً الامر الذي يتنافى تماماً مع الواقع على الارض.
المطلوب اليوم هو الحفاظ على مفهوم الدولة المدنية و تعزيزها و عدم السقوط في فخ الخطاب الطائفي و الاثني.
المطلوب اليوم التفكير في مشاريع وطنية و تنويرية، و خلق و تعزيز مفاهيم المواطنة و التركيز على مشاريع التنمية المستدامة و البناء الانساني.
اما الانتحار السياسي اليوم فيتمثل بالاعتقاد بان تسويق افكار التقسيم و التفكيك سيعود بالفائدة على فئة دون أخرى او سيصب في مصلحة دولة معينة على حساب الدول الاخرى. الراي اليوم
    نيسان ـ نشر في 2015/06/19 الساعة 00:00