الطراونة: لا ذنب لي بأن أفراد عائلتي اشتغلوا مبكراً في القطاع الخاص

نيسان ـ نشر في 2017/11/26 الساعة 00:00
يبادر ويناور في الاتجاهات كلها، واستثمر بوضوح في التعديل الدستوري الذي منح رئيس مجلس النواب فرصة البقاء في موقعه عامين على الأقل بدلا من دورة برلمانية واحدة كما كان يحصل في الماضي. زار إيران وكان أرفع مسؤول وسياسي وبرلماني أردني يزورها والتقى رئيسها، كما جمعته نقاشات صريحة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتصافح والتقط صورة مع رئيس مجلس الشعب السوري حمودة الصايغ في روسيا، ويتحدث مع لاعبين كبار في برلمانات العرب والعالم. الجدل يُثار دومًا وفي الاتجاهات كلها، أمام وفي وجه ومِنْ خلف رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، الذي استطاع تكريس حالة خاصة كرقم صعب في المعادلة التشريعية وفي إطار العلاقة بين السلطتين. غالبية من يتولون تسريب التكهنات والإشاعات والأقاويل ضدَّ الطراونة يجاملونه ويبتسمون في وجهه، ولا يتحدثون أمامه بما يقولون خلفه. الرجل وقد ناقشته وجالسته «القدس العربي» عدة مرات يعرف ذلك ويبتسم، وهو يتحدث عن مزايا الطبيعة البشرية، وعن حالة اجتماعية مألوفة في الوسط السياسي تُعلي أحيانا من شأن النميمة. ويقول: لقد اعتدت على ذلك، بكل حال؛ من يتصدى للعمل العام عليه توسيع أبوابه مع صدره. في معيار الطراونة الترفع عن الرد على الترّهات أو الإشارات الملغومة المغرضة، هو الأسلوب الأمثل، لكن عندما يتعلق الأمر بشيء حقيقي ملموس، سواء كان في مستوى الملاحظة أو على صعيد الاتهام بالمخالفة، فالرجل يقول بوضوح شديد: إنه شخصيًا جاهز لأي محاسبة، على أساس الدستور والقانون. من دون ذلك لا يجد الطراونة مبررا للخوض والتعليق في نقاشات غير دسمة لا علاقة لها بالحقائق والوقائع. تناول الطراونة مع «القدس العربي» عدة ملفات، وتحدث بصراحة ووضوح مألوفين، في شخصيته وفي تعبيره اللغوي والسياسي، معتبرا أنه لا يحضن صفة وظيفة الرئاسة، وأنه ناطق باسم مجلس النواب وتخويله الدستوري والقانوني مفهوم ومحدد، ولا مجال للاجتهاد فيه. ○ بدأت «القدس العربي» بالسؤال والاستفسار عن مسوغات ومبررات ما يتحدث به بعضهم اليوم عن مراجعة للنص الدستوري الذي أطال عمر رئيس مجلس النواب عامين، وعن احتمالات العودة للصيغة السابقة، بحيث ينتخب الرئيس في بداية كل دروة برلمانية؟ • كنّا وما زلنا نتحدث عن مأسسة العمل البرلماني، وعن تنظيم العلاقة بين السلطات بموجب الاستحقاق الدستوري، وعلى هذا الأساس ينبغي أن يحاكم النص، سواء قبل أو بعد تعديله. ○ نريد أولًا أن نفهم موقفك بصورة محددة من هذا الموضوع؟ • لدي رأي بطبيعة الحال، فكرته أن من غير المعقول أن إحدى غرفتي التشريع تستقر فيها حالة المؤسسة الرئاسية أربع سنوات على الأقل، وهو ما يحصل في مجلس الأعيان، بينا نعود للحديث عن رئاسة الغرفة الثانية في مجلس النواب لدورة برلمانية واحدة فقط، ولعدة أشهر. إذا كنا نتحدث بجدّية عن الاستقرار التشريعي والمنهجية المؤسسية، علينا أن نلتقط ما هو جوهري هنا، حيث طاقة الإنتاج والعمل ونمط مؤسسي من الأشخاص. ○ لكن الحديث هنا عن شخصك وعن مراجعة تستهدف حرمان عاطف الطراونة نفسه من البقاء عامين في موقعه؟ • التعديل عندما حصل في هذا الإطار، لم يُفصل ثوبًا لكي يرتديه شخص اسمه عاطف الطراونة، فتعديلات الدستور والتشريعات لعاطف وغيره، والحديث عن الأشخاص والأفراد هنا، غير مهم إطلاقًا، فلا يوجد موقع مُفصّل على مقاس الشخص، ولا يوجد شخص مفصل على مقاس موقع بالمطلق، والمسألة بالتأكيد لا علاقة لها بشخصي. ○ لكن من يتحدثون اليوم عن العودة للصيغة القديمة، بمعنى الاكتفاء برئيس نواب دورة واحدة، يتقصدون الحالة التي تُمثّلها اليوم، حيث تسترخي مدة عامين من دون مزاحمة أو معركة انتخابية في موقعك؟ • مرة أخرى يبدو أنكم لا تلتقطون ما هو عميق في رسالتي. نتحدث عن برنامج مؤسسي. إذا كنا جادين في الحديث عن الهيكل المؤسسي في عمل مؤسسة اسمها مجلس النواب، يصبح الأمر لا علاقة له بالأفراد، وكلمة الأفراد هنا تشملني قبل غيري، وهذا مجددًا أحد أنماط النقاش السلبي في مجتمعنا السياسي، وهو صرف النظر عن البعد البرامجي والهيكلي المؤسسي، والتركيز على الأشخاص مرة أخرى، وأقولها بوضوح، أنا وغيري من الأشخاص غير مهمين والأهم هي مؤسسة النواب، خصوصًا أن الرئيس، بصرف النظر عن هُويته يُنتخب في النهاية، ويمكن محاسبته على أدائه وبرنامجه، وفرصة الترشيح متاحة له ولزملائه جميعهم. ○ لِمَ يوحي بعضهم أن حديثكم عن المؤسسية يستهدف استرخاءكم في الموقع فقط؟ • هذا الإيحاء، مرة أخرى، لا علاقة له بشخصي، وعمليًا المسألة مرتبطة بملف الاصلاح المؤسسي وبرامجه، وأكرر: من غير المعقول أننا أمام غرفتَي تشريع في السلطة التشريعية، الأولى يبقى فيها الرئيس أربع سنوات، وفي الثانية كان الرئيس يبقى دورة واحدة والاستقرار هنا مطلوب لأغراض المؤسسية. ○ جوابك يوحي أن الخطاب المؤسسي هو المستهدف نفسه؟ • هذا تصريح، لا إيحاء، فالعمل المؤسسي له خصوم بطبيعة الحال، وبعض هؤلاء الخصوم غالبًا ما يشخصنون المسائل ويتحدثون عن الأشخاص جزءًا من السلبية المعتادة أحيانا. كيف نسأل رئيس البرلمان؟ ○ هل يعني ذلك أن رئيس مجلس النواب ينبغي ان لا يراجع، في رأيك؟ • طبعا لا، وإذا كان القصد من السؤال هو استفزازي للعودة إلى موضوع شخصي، فأنا أقول من جهتي كرئيس مجلس النواب وكمواطن أردني اسمه عاطف الطراونة وعضو في عدة دورات في مجلس النواب جاهز تمامًا لأي محاسبة أو مراجعة، ومستعد لدفع وتحمل كلفة ونتائج أي خطأ أو مخالفة، فنحن في بلد فيه دستور وقانون، ومعايير النصوص هنا تتكفل بأطر المحاسبة عندما يتعلق الأمر بي أو بغيري. جزء كبير من الشغب على الحالة التي يمثلها رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة لها علاقة بدور ونفوذ أفراد في عائلته يعملون في القطاع الخاص وفي الإطار النقابي، حيث يثار الكثير من اللغط هنا. لكن الطراونة يؤكد أنه شخصيًا المخوّل الوحيد بالنطق باسمه، وأن أيًا من أفراد عائلته ــ مع الاحترام الشديد لهم ــ لا يمكنه التصرف أو الادعاء بأنه يمثل عاطف الطراونة. يطرح الرجل مقاربة بسيطة في التعامل مع التقوّلات في هذا السياق، قوامها أن أشقاء وأقرباء لهم اشتغلوا وعملوا مبكرا في القطاع الخاص واتخذوا هذا الاتجاه في وقت مبكر، وقبل أن يصبح شقيقهم عضوا في البرلمان أصلا، وتستند المقاربة بعبارة مختصرة يقول فيها الطراونة إن وضعه البرلماني والسياسي والشخصي اليوم لم يَصنع عائلته، وإن بقاءه في موقعه مِن عدمه لا يطيل عمر هذه العائلة، وعملها، ولا يزيد أو ينقص من مصالحها، وإنه لا ذنب له شخصيًا في واقع أن بعض أفراد عائلته اشتغلوا مبكرا في القطاع الخاص ونجحوا فيه، بعيدا عن القطاع العام والعمل السياسي والانتخابي أصلا. في وجه الكنيست ○ هاجمكم الكنيست الإسرائيلي عدة مرات، في إحداها تم التعرض لك شخصيًا مِن قبل رئيسه؟ • قرأت مثلكم تلك التعبيرات اليمينية المتطرفة التي تصدر عن رموز الظلام في إسرائيل، التي تتقدم فيها مؤسسات ضمن عقلية القلعة التي لا علاقة لها بالسلام أو التعايش. تَصوّرنا باختصار أن الإرهاب الممنهج ضد شعبنا الفلسطيني يَضُر بمصالح الأردن الأساسية، ويُنتج الذرائع أمام قوى الظلام والشر، حيث قُلنا من على المنابر جميعها أن المنطقة لا يمكنها الاستقرار والاسترخاء بأمن وتعايش من دون إنصاف شعب عملاق مثل الشعب الفلسطيني الشقيق. على هذا الأساس أعلنت الترفّع عن الرد على المدعو يولي أدلشطاين، رئيس الكنيست الإسرائيلي الذي يهاجم وينتقد الموقف الشعبي الأردني الذي عبّر عنه مجلس النواب إزاء سياسات الكيان في موضوع المسجد الأقصى، كما يهاجم كل منطق السلام أصلًا. ○ لكن؛ يُقال أحيانا أن رئاسة مجلس النواب لا تخوض في مثل هذه الاشتباكات؟ • من جانبي؛ خيار ممثلي الشعب الأردني الذين أنطق باسمهم مواصلة نصرة ودعم القضية الفلسطينية وصمود أهلها، من منطلق العلاقات التاريخية ووحدة المصير، وكذلك من منطلق الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس التي كانت وستبقى فخرًا للأردن؛ حيث ينوب فيها عن العالمين العربي والإسلامي في الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين وهو موقف يعرفه الجميع. يتصور الطراونة أن ما أغاظ اليمين المتطرف في إسرائيل ليس الموقف من ملف القدس والمسجد الأقصى فقط، بل الجهد الذي يقدمه نواب البرلمان الأردني في محافل البرلمانات الاتحادية والدُّولية والعربية جميعها لمصلحة حقوق الشعب الفلسطيني، وتنديدا بالإرهاب الممنهج وممارسات الاحتلال. هنا لا بد من التذكير – يشرح الطراونة – بالحقائق الرقمية المثبتة التي اشتغل عليها وبها مجلس النواب الأردني، حيث شرع عبر مركز الدراسات بالمجلس رصد وتوثيق القوانين العنصرية كلها التي يسنها الكنيست دعمًا للاستيطان والاحتلال، وقد بلغ عددها منذ أيار/مايو 2015 وحتى آذار/مارس من العام الجاري 129 قانونا، بعضها أقر والآخر في قراءته الأولى. ○ هل تعتقد أن هذا الجهد استفز الكنيست؟ • تم الإعلان في وقت سابق أننا بصدد إعداد وثيقة بهذه الممارسات التشريعية العنصرية، نحن في طور تعميمها على برلمانات العالم كلها، ومن الواضح أن هذا الجهد لا يعجب المتطرفين في الكنيست. ○ لِمَ تم التركيز بتقديركم على ملف المسجد الأقصى؟ • الموقف هنا متاح لإعادة تذكير الجميع بأن الأردن وقيادته ركيزة أمن واستقرار للمنطقة؛ إذ طالما حذر جلالته من مغبة وخطورة المس بالمقدسات ومحاولات تغيير الوضع القائم في القدس، مثلما حذر من الكوارث التي تشهدها المنطقة من جراء غياب الحل العادل الشامل للقضية الفلسطينية، وتمترس الإسرائيليين خلف سياسة القلعة. وإمعان الاحتلال بسياساته المتطرفة التي تمثلت بوضع بوابات إلكترونية لمرور المصلين يعد تغييرا مرفوضًا على الوضع القائم، وهنا يجدر بالاحتلال بدلًا من البحث عن نتائج عمليات المقاومة، البحث في الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطينيين للتمسك بخيار المقاومة، نتيجة غياب الحل العادل لقضيتهم والانتصار لحق الأجيال بمستقبل أفضل. في الملف السوري ومع الصايغ أثارت صورة التقطت للطراونة مع نظيره رئيس مجلس الشعب السوري حمودة الصايغ في سانت بطرسبيرغ على هامش أحد الاجتماعات جدلًا كبيرًا في الوسط السياسي الأردني، حيث فسرها بعضهم أنها فرصة للتلاقي مع النظام السوري، واعتبرها بعضهم الآخر مجرد مصافحة مجاملة بلا قيمة سياسية. ○ كيف كان حديثكم مع حمودة الصايغ في عمقه السياسي؟ • في جوهر المسألة، ما يحصل من ألم وفوضى في سوريا الشقيقة يُعيد تنشيط ذاكرتنا القريبة بالموقف الذي مثلته من البداية رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني، حيث الدعوة المتكررة لمعالجة الشقاق والنزاع الداخلي السوري عن طريق الحوار، حيث الإيمان بصعوبة حسمه بالخيارات العسكرية. في اللقاء مع حمودة الصايغ تحدثت بأخوية عن موقف بلادي، وكررت سهر الأردن وحرصه الشديد حصريًا على سلامة ووحدة الأرض السورية، وضرورة العمل على مقاربة توصل الأشقاء في هذا البلد المهم الغالي علينا نحن الأردنيين إلى بر الأمان حتى يتطلع المواطن السوري إلى مرحلة الإنتاج والمستقبل بعيدا عن إنهاكات وانتهاكات الصراع والانقسام. وبطبيعة الحال، لا يمكن تجاهل الحرص الأردني على عودة الأخوة اللاجئين السوريين للمشاركة في بناء بلدهم بعد عودة الأمن والسلام الداخلي، وهو حرص لا ينافسه إلّا حرصنا في عمان دوما على تحمل المزيد من الأعباء تجاه استضافة الأشقاء اللاجئين. وننتهز الفرصة لإعادة التذكير بأن المرحلة الحالية التي تدخل في صلب واجبات البرلمانيين في الأردن وسوريا وفي كل قطر عربي هو المساهمة في بناء تصورات فكرية واجتماعية مضادة للإرهاب فكريًا وعمليَا، بعدما عانى الأشقاء في سوريا من هذا الأمر، بمرحلتين في الأولى حصل الصدام بين النظام والمعارضة وفي الثانية تصادم الجميع مع الإرهابيين. هذا ملف يدخل في صلب اهتمام البوصلة الاستراتيجية الأردنية، حيث الوقفة الجذرية للأردنيين شعبًا وقيادةً في المعسكر المقابل لقوى الظلام والصراع والتشدد والإرهاب. ○ لِمَ يصر الأردن على التمسك بالدعوة للحل السياسي فيما يرى المعسكر الآخر أن الحسم العسكري هو الأساس وقد انتهى الصراع؟ • الأردن دعم، كما قلنا من البداية الحل السياسي للأزمة في سوريا الشقيقة، وهو الحل الذي أثبت مع طول أمد الأزمة فاعليته وجدواه على غيره من الحلول، وهي الرؤية التي طرحها باكرا جلالة الملك عبدالله الثاني، وبرهنت للعالم صوابها، وليس سرًا أن يتحدث الجميع عنها الآن، حيث لا يمكن وقف شبح تقسيم سوريا ووقف نزف دم الشعب السوري، إلا من خلال الحوار السوري – السوري بعيدًا عن أي إملاءات أو تدخلات خارجية، فقد عانت سوريا ليس من صدام أبنائها الداخلي فقط، لكن أيضا من أجندات التدخل من عدة دول. ○ هل ناقشتم مع الرئيس التركي الملف السوري عندما قابلتموه في أنقرة؟ • الأردن مع دول أخرى في المنطقة مثل لبنان وسوريا وتركيا يحمل العبء الأكبر من مأساة اللجوء السوري، وقد شكل اللقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان فرصة مواتية للنقاش في هذا الأمر وتمحيص المواقع والمصالح المشتركة. وعندما يتعلق الأمر بالأردن لا بد من التذكير بتقصير المجتمع الدُّولي وتلك التأثيرات العميقة في الاقتصاد الوطني الأردني من جراء اللجوء السوري، حيث تعاملت المملكة مع زيادة قسرية على عدد سكانها من جراء اللجوء السوري، وأن اللاجئين السوريين يشكلون 20 من مئة من سكان المملكة اليوم، يستنزفون نحو 25 من المئة من إجمالي الموازنة المالية. ○ يبدو أن الحديث عن اللجوء السوري يقودنا للحديث عن الأسعار والوضع المالي داخليًا في الأردن؟ • نعم؛ في الواقع يقودنا إلى هنا، فالأوضاع الاقتصادية التي تمر بها المنطقة والمملكة أجبرت الحكومة الأردنية على التعامل مجددا مع توصيات صندوق النقد الدولي، وقد أجبرنا على حصر توجيه الدعم للأردنيين، وتحرير أسعار السلع من الدعم الحكومي لغير الأردنيين المقيمين، حماية للطبقة الوسطى ومحدودي الدخل من شبح رفع الضرائب، وهو الأمر الذي ناقشه البرلمان على أكثر من صعيد، عبر الكتل وتشاور بشأنه مع الحكومة، وسيخضع لتقويم ونقاش تفصيلي على هامش مشروع قانون الموازنة بعدما أرسل لمجلس النواب.
    نيسان ـ نشر في 2017/11/26 الساعة 00:00