والبصل العربي ّ الفصيح.. اقترابا ً من السخرية
نيسان ـ نشر في 2018/01/05 الساعة 00:00
( 1 )
مقاعد المتفرّجين مكتظـّة عن آخرها و المسرح يشهد صخبا ً وحركة ً غير مسبوقة .. والباعة المتحرّكون أحضروا بضائعهم و الزوامير تعلو وتهبط
و الإضاءة اكتملت حلقاتها و المخرجون ينتظرون صفـّارة الانطلاق .
الأدوات جاهزة ، لوجستياً و بشريّا ً والمسرح واسع بما يكفي للفرجة
والـ ' نظـّارة ' يترقبون و يعدّون أصابعهم للتصفيق .
جميعهم أعدّوا ما يلزم للثرثرة وللفرجة ، لكنّهم جاؤوا بلا ' حكاية ' !
المؤّدون ارتبكوا ولم يحقّقوا خطوة في القصة ولم ينجزوا صفحة في المشهد .
..
كان كلّ ما يلزم ' المسرحيّة ' جاهزا ً وأكثر ،
لكن الممثلين نسوا الحبكة أو أغفلوا البداية أو لم يكونوا ، في الأصل، قرأوا الحكاية وتمرّنوا على رويها .
وهكذا رجع المتفرّجون إلى حاراتهم خائبين ، ولم يفوزا حتى بشربة ماء .
ولم يعتذر ، عن الارتباك ، المذيع الداخليّ ولم يصعد أحدهم إلى خشبة المسرح لكي يشغل المتفرجين ولو بفكاهة .
..
المشهد كان ولا يزال من دون فكرة أو حكاية أو حبكة .
و كثيرا ً ما يعود الجمهور خائبا ً من دون ' ضحك أو بكاء ' .
( 2 ) في أوقات ٍ انقضت ، وليست بعيدة ، كان للحب ّ ' دفاتر رسائله الملوّنة ' و أقلامه و رائحة حبر نفّاذة .. كنا نسمّيها ' المكاتيب الرقيقة ' أو ' مكاتيب الغرام ' .. كان العاشقون أو المحبـّون أو كاتبو الرسائل يكتبونها بخط ّ أنيق و بحبر واضح ذي رائحة أو عطر ٍ ، وكثيراً ما كان الورد يُدس ّ في طيّ الرسائل ، في ' ظروف ' المكاتيب !
و ظلّت الرسائل تُخبـّأ في القمصان والمناديل و تحت الوسائد و بين الدفاتر و ربـّما في ملابس النوم لمن كان عندهم /هن ملابس نوم .. فيما عند الفقراء كانت الرسائل تُركَن ُ في شقوق الجدران والحيطان و بين أغصان الشجر !
الآن ،
الكلام معلّب ٌ
ولا أوراق ولا دفاتر ولا حبر يليق بالحبّ ،
ولا عطر يفوح !
الآن ، الرسائل كلّها تجيء على هيئة ومضات إليكترونيّة جافة خالية من الرائحة والورد والعطر ،
الآن :
الرسائل كلّها ناشفة معلّبة ، من دون حياة !
شتّـان . ( 3 ) ننشغل ُ الآن بأطراف الحكايات و الهوامش و المفردات الهاربة أو
' المهرّبة ' .. ننشغل بالبحث عن ' دفء ' و ' مؤونة ' و ' أباريق وضوء ' !
أمّا ' متن ' الحكاية ، فيصنعه آخرون من دوننا ،
وأمّا ' المطر ' الذي يستدعي أن نتدفأ له ، فيسقط و يهمي في غير مطارحنا .. مطر السماء ليس لنا !
و أمّا ' أباريق الوضوء ' ، فنحن نتوضأ و لا نتم ّ صلاتَنا ، بل هناك آخرون يقيمون صلواتهم و يحرثون الأرض فيهمي مطر هناك و يطلع نبت ُ و تنضج فاكهة !
..
حين لا تصنع حكايتك بحروفك وأصابعك ويديك ولسانك ، تفقد فرصتك في أن تجلس على الطاولة ! ( 4 ) اللعنة ،
تذكّرت المفتاح والقفل والنافذة الصغيرة والكوّة التي في الحائط والسرير وقميصي المهتريء و وسادة جدّتي و إبريق وضوء أبي و شجرة التين و الدالية و الطابون والخابية التي للزيت وجرّة الفخار التي للماء و بابور الكاز و جارتنا التي كانت تسترق النظر إلى ورقة كنت دسستها في جيب القميص ! اللعنة ، الليلة ، تذكرت ذلك كلّه واسترجعت لون الجدران و صفحات الدفتر الستين ، ولكنّي نسيت الباب ! اللعنة ،
لم أعد أتذكر شكل الباب ولا حتى الدرب إليه . ( 5 ) والبصل العربي ّ الفصيح !
ما الذي حدث ؟
' اللقمة ' راحت إلى ' طعم ٍ آخر ' و لم تعد باعثة على ' اشتهاء ' .. كنا في زمن فات ننتظرها و نلاحقها و نتقاسمها ، أمـّا الآن فنذهب إليها متثاقلين و كثيرا ً ما نؤجّـلها و نرجيء تناولها إلى وقت ٍ آخر !
ما الذي تغيّر ؟
هل الطعم أم الرائحة أم اللون ؟
هل يرجع الأمر إلى ' فقد أصابع الأمّهات ' و غياب رائحتهن ّ ،
هل تعثـّر القمح وما عاد ينجز طحينا ً واضحا ً ؟
..
اللقمة كانت ' أشهى ' !
كنـّا نتحلّق حول ' طنجرة الطبيخ ' و نضع ما نشتهي منها في صحوننا و نغمـّس بالخبز وبلا ملاعق إلا ّ ما تقتضيه الضرورة .
كان عندنا ما نلتهمه ولا نستحي من رائحته ، كان ' البصل العربيّ الفصيح ' والفجل العربيّ الفصيح .
و كانت ' اللقمة ' سائغة ، بلا ' غصـّات أو اختناقات ' !
..
في الزمن الذي انقضى ، كانت ' مؤونة القلوب ' تكفي لفرح يملأ الدنيا حبورا ً وبهجة !
الآن ، ورغم وفرة ' مؤونة الدكاكين ' و أصناف وبضائع ملوّنة و ووجبات جاهزة و ملاعق و سكاكين وصحون فاخرة ، يجوع القلب ولا تشبع العين .
منذ دهمنا ' الحذر والتوجـّس ' من تناول ' البصل ' ، صرنا بلا رائحة !
و من يفقد الرائحة ، يفقد حاسة ذوقه و يفقد أصابعه و ينسى لون خبزه !
..
نكاية بالصابون والعطر ، سألتهم ما استطعت من ' طعام متيَسـَّر ٍ ' و بصل عربي ّ فصيح !
و الإضاءة اكتملت حلقاتها و المخرجون ينتظرون صفـّارة الانطلاق .
الأدوات جاهزة ، لوجستياً و بشريّا ً والمسرح واسع بما يكفي للفرجة
والـ ' نظـّارة ' يترقبون و يعدّون أصابعهم للتصفيق .
جميعهم أعدّوا ما يلزم للثرثرة وللفرجة ، لكنّهم جاؤوا بلا ' حكاية ' !
المؤّدون ارتبكوا ولم يحقّقوا خطوة في القصة ولم ينجزوا صفحة في المشهد .
..
كان كلّ ما يلزم ' المسرحيّة ' جاهزا ً وأكثر ،
لكن الممثلين نسوا الحبكة أو أغفلوا البداية أو لم يكونوا ، في الأصل، قرأوا الحكاية وتمرّنوا على رويها .
وهكذا رجع المتفرّجون إلى حاراتهم خائبين ، ولم يفوزا حتى بشربة ماء .
ولم يعتذر ، عن الارتباك ، المذيع الداخليّ ولم يصعد أحدهم إلى خشبة المسرح لكي يشغل المتفرجين ولو بفكاهة .
..
المشهد كان ولا يزال من دون فكرة أو حكاية أو حبكة .
و كثيرا ً ما يعود الجمهور خائبا ً من دون ' ضحك أو بكاء ' .
( 2 ) في أوقات ٍ انقضت ، وليست بعيدة ، كان للحب ّ ' دفاتر رسائله الملوّنة ' و أقلامه و رائحة حبر نفّاذة .. كنا نسمّيها ' المكاتيب الرقيقة ' أو ' مكاتيب الغرام ' .. كان العاشقون أو المحبـّون أو كاتبو الرسائل يكتبونها بخط ّ أنيق و بحبر واضح ذي رائحة أو عطر ٍ ، وكثيراً ما كان الورد يُدس ّ في طيّ الرسائل ، في ' ظروف ' المكاتيب !
و ظلّت الرسائل تُخبـّأ في القمصان والمناديل و تحت الوسائد و بين الدفاتر و ربـّما في ملابس النوم لمن كان عندهم /هن ملابس نوم .. فيما عند الفقراء كانت الرسائل تُركَن ُ في شقوق الجدران والحيطان و بين أغصان الشجر !
الآن ،
الكلام معلّب ٌ
ولا أوراق ولا دفاتر ولا حبر يليق بالحبّ ،
ولا عطر يفوح !
الآن ، الرسائل كلّها تجيء على هيئة ومضات إليكترونيّة جافة خالية من الرائحة والورد والعطر ،
الآن :
الرسائل كلّها ناشفة معلّبة ، من دون حياة !
شتّـان . ( 3 ) ننشغل ُ الآن بأطراف الحكايات و الهوامش و المفردات الهاربة أو
' المهرّبة ' .. ننشغل بالبحث عن ' دفء ' و ' مؤونة ' و ' أباريق وضوء ' !
أمّا ' متن ' الحكاية ، فيصنعه آخرون من دوننا ،
وأمّا ' المطر ' الذي يستدعي أن نتدفأ له ، فيسقط و يهمي في غير مطارحنا .. مطر السماء ليس لنا !
و أمّا ' أباريق الوضوء ' ، فنحن نتوضأ و لا نتم ّ صلاتَنا ، بل هناك آخرون يقيمون صلواتهم و يحرثون الأرض فيهمي مطر هناك و يطلع نبت ُ و تنضج فاكهة !
..
حين لا تصنع حكايتك بحروفك وأصابعك ويديك ولسانك ، تفقد فرصتك في أن تجلس على الطاولة ! ( 4 ) اللعنة ،
تذكّرت المفتاح والقفل والنافذة الصغيرة والكوّة التي في الحائط والسرير وقميصي المهتريء و وسادة جدّتي و إبريق وضوء أبي و شجرة التين و الدالية و الطابون والخابية التي للزيت وجرّة الفخار التي للماء و بابور الكاز و جارتنا التي كانت تسترق النظر إلى ورقة كنت دسستها في جيب القميص ! اللعنة ، الليلة ، تذكرت ذلك كلّه واسترجعت لون الجدران و صفحات الدفتر الستين ، ولكنّي نسيت الباب ! اللعنة ،
لم أعد أتذكر شكل الباب ولا حتى الدرب إليه . ( 5 ) والبصل العربي ّ الفصيح !
ما الذي حدث ؟
' اللقمة ' راحت إلى ' طعم ٍ آخر ' و لم تعد باعثة على ' اشتهاء ' .. كنا في زمن فات ننتظرها و نلاحقها و نتقاسمها ، أمـّا الآن فنذهب إليها متثاقلين و كثيرا ً ما نؤجّـلها و نرجيء تناولها إلى وقت ٍ آخر !
ما الذي تغيّر ؟
هل الطعم أم الرائحة أم اللون ؟
هل يرجع الأمر إلى ' فقد أصابع الأمّهات ' و غياب رائحتهن ّ ،
هل تعثـّر القمح وما عاد ينجز طحينا ً واضحا ً ؟
..
اللقمة كانت ' أشهى ' !
كنـّا نتحلّق حول ' طنجرة الطبيخ ' و نضع ما نشتهي منها في صحوننا و نغمـّس بالخبز وبلا ملاعق إلا ّ ما تقتضيه الضرورة .
كان عندنا ما نلتهمه ولا نستحي من رائحته ، كان ' البصل العربيّ الفصيح ' والفجل العربيّ الفصيح .
و كانت ' اللقمة ' سائغة ، بلا ' غصـّات أو اختناقات ' !
..
في الزمن الذي انقضى ، كانت ' مؤونة القلوب ' تكفي لفرح يملأ الدنيا حبورا ً وبهجة !
الآن ، ورغم وفرة ' مؤونة الدكاكين ' و أصناف وبضائع ملوّنة و ووجبات جاهزة و ملاعق و سكاكين وصحون فاخرة ، يجوع القلب ولا تشبع العين .
منذ دهمنا ' الحذر والتوجـّس ' من تناول ' البصل ' ، صرنا بلا رائحة !
و من يفقد الرائحة ، يفقد حاسة ذوقه و يفقد أصابعه و ينسى لون خبزه !
..
نكاية بالصابون والعطر ، سألتهم ما استطعت من ' طعام متيَسـَّر ٍ ' و بصل عربي ّ فصيح !
نيسان ـ نشر في 2018/01/05 الساعة 00:00