الأغنام أغلى ما نملك
نيسان ـ نشر في 2018/02/13 الساعة 00:00
لا أحد يعلم، بالضبط، سبب إصابة الأغنام الأردنية بجنون العظمة، فهناك روايتان متناقضتان: الأولى واقعية والثانية خيالية، غير أنهما تصبان في نهاية واحدة، قوامها أن تلك الأغنام أصيبت بهذا الجنون، ولم يعد أحدٌ قادرا على السيطرة عليها، بعد أن أصبحت تتبختر في الشوارع كالطواويس، من دون أن يجرؤ أي مواطنٍ على مسّ شعرةٍ واحدةٍ من صوفها.
عمومًا، تعزو الرواية الأولى (الواقعية) سبب جنون عظمة الأغنام إلى تصريحاتٍ صدرت عن مسؤول رفيع سابق، خلال لقاء له على قناة فضائية، سرد فيها ذكرياته، وأثار استنكارًا واسعًا حين خانه التعبير، وهو يحاول أن يقارب بين علاقة الشعب بالحاكم، فشبّه الطرف الأول بالأغنام، والثاني بالراعي الحريص على أغنامه، ومن منطلق هذا الحرص، فالراعي دائم التنقل والسعي بقطيع أغنامه، بحثًا لها عن المراعي الخصبة، كما يلجأ إلى تشنيف آذانها بمعزوفاتٍ من نايه، ليطربها ويدللها.
والحال أن هذا المسؤول لم يجانب الحقيقة، في مقاربته؛ لأنّ ثمة مركبات مزمنةً في شخصية المسؤولين العرب، على اختلاف مستوياتهم، تجعلهم ينظرون إلى الشعوب، دومًا، بوصفهم قطعان ماشيةٍ ينبغي أن تكون قابلة للاقتياد والانقياد، من دون أدنى 'ثغاء اعتراض' واحد، خصوصًا، حيال القرارات المصيرية التي تمسّ مصائرهم، ومن ثم فإن المستغرب أن 'يستغرب' المشاهدون مثل هذه المقاربة، وهم يعرفون جيدًا حقيقة نظرة مسؤوليهم إليهم، مع فارق أن 'الرعاة' العرب لا يستخدمون النايات، بل يعزفون على جلود 'قطعانهم' بالسوط والهراوة، ويقودونهم، من مذبحٍ إلى آخر، ويلتهمون لحومهم وأعمارهم إما على مهل، أو بوحشيةٍ، حسب نظام الحكم القائم.
عمومًا، تستمر الرواية 'الواقعية'، لتقول إن الأغنام الأردنية، ما إن سمعت تلك التصريحات، حتى أصيبت بـ'الانتفاش'؛ إذ شعرت، للمرة الأولى في حياتها، أنها موضع تقدير وتبجيل عظيميْن، بدليل أن اسمها ورد على لسان مسؤولٍ سابق، كما أن وضعها في موضع المقارنة مع الشعب ذاته ضاعف من زهوها، وجعلها تطالب بإعادة دراسة نظرية داروين حول 'أصل الأنواع'، هي التي كانت تظن أنها مجرّد كائنات 'هامشية' لا تصلح إلا للحشر في حظائر مزوية، ورأت أنها الأحق بما تظنها 'امتيازاتٍ' حرمت منها سابقًا.
أما الرواية 'الخيالية' بشأن جنون العظمة الذي أصاب تلك الأغنام، فتتردّد على لسان أكثر من راوٍ واحد، ومفادها بأن السبب يعود إلى موجات الغلاء المتلاحقة التي ضربت البلد، إثر القرارات الحكومية، أخيرا، برفع سائر الأسعار، بما فيها أسعار اللحوم بمختلف أنواعها، فضلًا عن أسعار أعلاف الماشية، فيما رجّح مختصون أن 'تنقرض' المواشي المحلية قريبًا، لأن المربّين لن يعودوا قادرين على إطعامها من جهة، وإن أطعموها لن يستطيعوا بيعها لارتفاع سعرها على المواطن الذي سيعيد ترتيب أولوياته المعيشية من أساسها، عقب هذه الارتفاعات التي قصمت ظهره، فيحذف اللحوم من قائمة مشترياته.
وتستمر الرواية 'الخيالية' في سردها، لتقول إن الأغنام الأردنية، بعد أن أحست أنها أصبحت 'عزيزة المنال' إلى هذا الحد على قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعب المغلوب على يد حكومته، فقد قادها الغرور إلى أقصى حدود الانتفاش، وأصبحت تتبختر بالشوارع بخيلاء، متحدّيةً أي مواطن أن يجرؤ على مسّ صوفها، وراحت تردّد أغنيةً قديمة لأم كلثوم، مطالبة أن يتم اعتمادها أغنية وطنية للتكفير عن خطايا المسؤولين بحقها: 'أبوس القدم .. وابدي الندم على غلطتي في حق الغنم'.
بيد أن الدرجة العظمى من جنون العظمة حدثت، حين رأت تلك الأغنام شعارًا قديمًا ما يزال يرفع في الشوارع، قوامه 'الإنسان أغلى ما نملك'، فثارت غضبًا، وراحت تطالب بإعادة تصنيف ترتيبها ضمن مراتب المجتمع، لتصبح على رأس التصنيف، كونها أصبحت 'الأغلى ثمنًا'، فضلًا عن أنها غدت الأجدر بمديح المسؤولين، وليس 'الإنسان'.
حاصل الرواية، لخصت الأغنام الأردنية مطلبها الأخير، بضرورة صياغة شعار جديد عنوانه: 'الأغنام أغلى ما نملك'.
عمومًا، تعزو الرواية الأولى (الواقعية) سبب جنون عظمة الأغنام إلى تصريحاتٍ صدرت عن مسؤول رفيع سابق، خلال لقاء له على قناة فضائية، سرد فيها ذكرياته، وأثار استنكارًا واسعًا حين خانه التعبير، وهو يحاول أن يقارب بين علاقة الشعب بالحاكم، فشبّه الطرف الأول بالأغنام، والثاني بالراعي الحريص على أغنامه، ومن منطلق هذا الحرص، فالراعي دائم التنقل والسعي بقطيع أغنامه، بحثًا لها عن المراعي الخصبة، كما يلجأ إلى تشنيف آذانها بمعزوفاتٍ من نايه، ليطربها ويدللها.
والحال أن هذا المسؤول لم يجانب الحقيقة، في مقاربته؛ لأنّ ثمة مركبات مزمنةً في شخصية المسؤولين العرب، على اختلاف مستوياتهم، تجعلهم ينظرون إلى الشعوب، دومًا، بوصفهم قطعان ماشيةٍ ينبغي أن تكون قابلة للاقتياد والانقياد، من دون أدنى 'ثغاء اعتراض' واحد، خصوصًا، حيال القرارات المصيرية التي تمسّ مصائرهم، ومن ثم فإن المستغرب أن 'يستغرب' المشاهدون مثل هذه المقاربة، وهم يعرفون جيدًا حقيقة نظرة مسؤوليهم إليهم، مع فارق أن 'الرعاة' العرب لا يستخدمون النايات، بل يعزفون على جلود 'قطعانهم' بالسوط والهراوة، ويقودونهم، من مذبحٍ إلى آخر، ويلتهمون لحومهم وأعمارهم إما على مهل، أو بوحشيةٍ، حسب نظام الحكم القائم.
عمومًا، تستمر الرواية 'الواقعية'، لتقول إن الأغنام الأردنية، ما إن سمعت تلك التصريحات، حتى أصيبت بـ'الانتفاش'؛ إذ شعرت، للمرة الأولى في حياتها، أنها موضع تقدير وتبجيل عظيميْن، بدليل أن اسمها ورد على لسان مسؤولٍ سابق، كما أن وضعها في موضع المقارنة مع الشعب ذاته ضاعف من زهوها، وجعلها تطالب بإعادة دراسة نظرية داروين حول 'أصل الأنواع'، هي التي كانت تظن أنها مجرّد كائنات 'هامشية' لا تصلح إلا للحشر في حظائر مزوية، ورأت أنها الأحق بما تظنها 'امتيازاتٍ' حرمت منها سابقًا.
أما الرواية 'الخيالية' بشأن جنون العظمة الذي أصاب تلك الأغنام، فتتردّد على لسان أكثر من راوٍ واحد، ومفادها بأن السبب يعود إلى موجات الغلاء المتلاحقة التي ضربت البلد، إثر القرارات الحكومية، أخيرا، برفع سائر الأسعار، بما فيها أسعار اللحوم بمختلف أنواعها، فضلًا عن أسعار أعلاف الماشية، فيما رجّح مختصون أن 'تنقرض' المواشي المحلية قريبًا، لأن المربّين لن يعودوا قادرين على إطعامها من جهة، وإن أطعموها لن يستطيعوا بيعها لارتفاع سعرها على المواطن الذي سيعيد ترتيب أولوياته المعيشية من أساسها، عقب هذه الارتفاعات التي قصمت ظهره، فيحذف اللحوم من قائمة مشترياته.
وتستمر الرواية 'الخيالية' في سردها، لتقول إن الأغنام الأردنية، بعد أن أحست أنها أصبحت 'عزيزة المنال' إلى هذا الحد على قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعب المغلوب على يد حكومته، فقد قادها الغرور إلى أقصى حدود الانتفاش، وأصبحت تتبختر بالشوارع بخيلاء، متحدّيةً أي مواطن أن يجرؤ على مسّ صوفها، وراحت تردّد أغنيةً قديمة لأم كلثوم، مطالبة أن يتم اعتمادها أغنية وطنية للتكفير عن خطايا المسؤولين بحقها: 'أبوس القدم .. وابدي الندم على غلطتي في حق الغنم'.
بيد أن الدرجة العظمى من جنون العظمة حدثت، حين رأت تلك الأغنام شعارًا قديمًا ما يزال يرفع في الشوارع، قوامه 'الإنسان أغلى ما نملك'، فثارت غضبًا، وراحت تطالب بإعادة تصنيف ترتيبها ضمن مراتب المجتمع، لتصبح على رأس التصنيف، كونها أصبحت 'الأغلى ثمنًا'، فضلًا عن أنها غدت الأجدر بمديح المسؤولين، وليس 'الإنسان'.
حاصل الرواية، لخصت الأغنام الأردنية مطلبها الأخير، بضرورة صياغة شعار جديد عنوانه: 'الأغنام أغلى ما نملك'.
نيسان ـ نشر في 2018/02/13 الساعة 00:00