دعوة مسؤول روسي للخليج بالصلاة لحمايتهم هل هي في محلها؟

عبدالباري عطوان
نيسان ـ نشر في 2015/06/26 الساعة 00:00
لم ينتظر ايفغيني لوكيانوف نائب امين عام مجلس الامن القومي الروسي طويلا لتأكيد نظريته والاستجابة لدعوته، التي اطلقها يوم امس لدول الخليج العربي، بالصلاة من اجل بقاء الرئيس السوري بشار الاسد، باعتباره الوحيد القادر على ايقاف ودحر “الدولة الاسلامية” ووقف تمددها، فقد اكدت هذه “الدولة” عمليا نبوءته هذه بالدخول الى عين العرب “كوباني” مرة اخرى، واستعادة نصف مدينة الحسكة، ذات الغالبية الكردية.
لوكيانوف لم يحدد عدد “الصلوات” او “الركعات” التي يجب ان يؤديها المسؤولون في دول الخليج تقربا الى الله لبقاء الرئيس السوري، ولكنه اوضح سبب دعوته بقوله في حديث للصحافة المحلية الروسية “اذا ما انهار نظام الاسد فان الهدف التالي لـ”داعش” سيكون المملكة العربية السعودية نفسها وباقي دول الخليج”.
وتابع مضيفا “انهيار نظام دمشق يعني ان الرياض وباقي عواصم دول الخليج ستكون الهدف التالي لداعش خاصة وان الاخيرة تضم خمسة آلاف مقاتل سعودي، سيعودون الى بلادهم بعد انتهاء المواجهات.. ان اولئك لا يجيدون فعل اي شيء سوى القتل”.
ما اراد المسؤول الروسي قوله بشكل موارب ان من يستطيع اجتياح “عين العرب ـ كوباني” السورية بعد خسارتها رغم القصف الجوي الامريكي المكثف، والتسليح النوعي المتقدم للاكراد، يمكن ان يصل الى اي مكان آخر، ويسيطر على المزيد من المدن الاخرى بعد الرمادي وتدمر، ولكن هل يستطيع الرئيس الاسد وقواته ان يكون سدا منيعا في مواجهة تقدم قوات هذه الدولة، مثلما قال؟
***
لا نعتقد ان دعوة الروسي لوكيانوف ستجد اي استجابة لدى معظم قادة دول الخليج، وخاصة في كل من السعودية ودولة قطر، لان هؤلاء باتوا يبنون استرتيجيتهم على اسقاط النظام السوري، ويعطون هذه المهمة الاولوية المطلقة رغم رعبهم من “الدولة الاسلامية”، ولهذا يمولون المعارضة السورية ويسلحونها، وباتوا يعتبرون اسقاط الرئيس الاسد اشفاء لغليل شخصي، وتحقيقا لثأر قبلي الطابع تماما مثلما لم يستمعوا للنصائح العديدة التي انهالت عليهم بعدم التفريط بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي حماهم من ايران وثورتها الاسلامية الخمينية، ويعضون الآن اصابعهم ندما، بعد ان اصبحت ايران تشكل تهديدا وجوديا لهم، وينفقون مئات المليارات على التسليح رعبا منها، رغم ان كل ما كان الرئيس صدام يطلبه منهم هو عشرة مليارات دولار، وكسلفه لتسديد ديونه المتراكمة من جراء حربه ضد ايران لصد خطرها عنهم.
الحرب في سورية لم تعد تستهدف اسقاط النظام السوري، او تكريس ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان، رغم ان بداياتها “السلمية”، قبل خطفها، كانت ترفع هذه الشعارات، فالحرب الآن تستهدف تقسيم سورية، او بالاحرى تفتيتها، وباقي الدول العربية الاخرى، وربما ايران وتركيا ايضا، ولكن في مرحلة لاحقة.
داعموا الحملة لاسقاط النظام السوري بدأت النيران تصل الى اطراف اثوابهم الواحد تلو الآخر، اما تركيا فقد خسر سيدها رجب طيب اردوغان معظم طموحاته الرئاسية العثمانية ومعها سلطاته، والتفويض المفتوح الذي حظي به لمدة 13 عاما، بالنظر الى فقدانه للاغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة.
ومن المفارقة ان احزاب المعارضة التركية الثلاثة التي حصلت مجتمعة على حوالي ستين في المئة من مقاعد البرلمان تختلف على كل شيء فيما بينها باستثناء امر واحد، وهو الاتفاق على حتمية وقف سياسة السيد اردوغان وتدخلاته العسكرية والسياسية في سورية، ولهذا تشترط جميعها تولي حقيبة وزارة الخارجية للدخول في اي حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية، ويبدو انه بدأ يسلم بهذه الحقيقة من خلال مفاوضاته السرية في روما لتحسين العلاقات مع اسرائيل.
واذا صحت التوقعات التي تفيد بأن عبدالله غول الرئيس التركي السابق من ابرز المرشحين لرئاسة الحكومة الائتلافية الجديدة، فان الرجل ينسجم مع هذه السياسة، وكان من اسباب اقصائه من قبل الرئيس اردوغان من منصبه، وابعاده عن اي دور في السلطة لصالح خصمه ومنافسه احمد داوود اوغلو، تصريحاته التي انتقد فيها التدخل التركي لاطاحة النظام السوري علنا، ومنذ البداية، وكأنه يقرأ الغيب، ويملك بلورة سحرية.
تركيا هي المفتاح الرئيسي للملف السوري سلما او حربا، ولولا دورها في تسهيل مرور الاسلحة والمقاتلين الى سورية، لفشلت المحاولات الخليجية في زعزعة النظام وخسارته نصف الاراضي التي يسيطر عليها، وظهور “الدولة الاسلامية” وبلوغها هذا القدر من القوة والعنفوان، واي تغيير في الموقف التركي لا يعني ان النظام السوري سيستعيد هذه الاراضي، ولكن ربما سيكون في وضع افضل، وسيتمكن الجيش السوري من التقاط بعض انفاسه، واستعادة معنوياته التي قيل انها ضعفت بعد اربع سنوات من الحرب الدموية في مواجهة عدة خصوم دفعة واحدة.
من المفارقة ان “الدولة الاسلامية”، التي استولت على نصف العراق ايضا، هي الخطر الاكبر على النظام السوري والدول العربية الخليجية العاملة على اسقاطه معا، وهي ستصل، اي “الدولة”، الى العواصم الخليجية، او معظمها، اذا استمرت على الدرجة نفسها من القوة والتمدد، ولا توجد اي مؤشرات في الوقت الراهن تفيد بعكس ذلك.
الادارة الامريكية التي فقدت الثقة بالجيش العراقي بعد انفاق عشرات المليارات على تدريبه وتسليحه اعتقدت انها وجدت البديل في “البشمرغة”، وقوات الحماية الكردية باعتبارها تملك ما يفتقده الجيش العراقي اي “ارادة القتال”، ولكن “الانتفاضة” الاخيرة لقوات “الدولة الاسلامية” واقتحامها لعين العرب، واستعادة جنوب مدينة الحسكة، وسحقها لقوات الحماية الكردية فيهما، يؤكد ان الرهان الامريكي قد لا يكون في مكانه، والتفاؤل بهزيمة هذه “الدولة” على ايدي الاكراد ربما كان مبالغا فيه، او بالاحرى سابق لاوانه حتى الآن على الاقل، فهذه “الدولة” امر واقع، تفرض وجودها بالقوة والترهيب، وتستمد قوتها من ضعف اعدائها وقلقهم، وافتقادهم للدعم الشعبي، لاسباب عديدة ليس هنا مكان سردها.
***
جميع الاطراف في المنطقة، دولا وحكومات، عربية، وروسية، وكردية، وتركية، وايرانية، تعيش مأزقا كبيرا باستثناء “الدولة الاسلامية”، التي تواصل مفاجآتها بالسيطرة على هذه المدينة او تلك، ولعل مأزق النظام السوري لا يقل خطورة عن مأزق الآخرين انفسهم، وربما يكمن الفارق بأنه كان خاسرا طوال السنوات الاربعة الماضية، واستطاع التعايش نسبيا مع مأزقه، بينما مأزق خصومه اكبر لانهم كانوا يعتقدون، واهمين، انهم سيكسبون اسقاطه في فترة زمنية قصيرة جدا، ودون تحضير البدائل، لان ما يهمهم هو الثأر الشخصي قبل اي شيء آخر.
عندما يرفض الداعية السعودي سلمان العودة توجيه ادانة صريحة لـ”الدولة الاسلامية” ووصمها بالارهاب في مقابلة معه في محطة “روتانا” قبل يومين، خوفا منها، او خوفا عليها، فان هذا يلخص الموقف برمته في المنطقة، ويضيف تأكيدا جديدا لما قاله المسؤول الروسي، مع فارق اساسي، وهو ان الشيخ العودة لن يصلي ركعة واحدة لبقاء النظام السوري، بل سيصلي عشرات وربما مئات الركعات من اجل اسقاطه، لا بد انه يدرك جيدا، وهو العالم مدى التأييد الذي تحظى به “الدولة” وايديولوجيتها الاسلامية “الجهادية” في اوساط الشباب السعودي. رأي اليوم
    نيسان ـ نشر في 2015/06/26 الساعة 00:00