قمة "كيم جونغ أون- ترامب"في الميزان
نيسان ـ نشر في 2018/03/15 الساعة 00:00
بعد أن إعتقدنا جازمين أننا سنصحو ذات يوم قريب على حرب نووية بين أمريكا وكوريا الشمالية - بعد أن 'تنمّر' الرئيس الكوري الشمالي 'كيم جونغ أون'على امريكا وتعمد مرارا وتكرارا إهانة الرئيس ترامب ،وصرح أكثر من مرة مهددا بشطب أمريكا عن الخارطة ،وهذه بطبيعة الحال سابقة خطيرة لم تصدر حتى عن قيادة الإتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة ،ودلل الرئيس أون على جديته بعرض إصدارات جديدة متطورة من الصواريخ الباليستية النووية - صحونا على خبر صادم ببرودة القطبين يفيد أن قمة ستعقد بين رئيسي كوريا الشمالية وامريكا في شهر مايو/أيار المقبل.
كانت الهزة أكبر مما تستوعبه العقول المحسوسة ،إذ كيف لرئيس شاب يوصف بأنه ديكتاتور يحكم بلدا صغيرا لا إمكانيات فيه ،و'يتضور'أهله جوعا كما كانوا يقولون لنا ،يقدم على التهديد العلني بشطب أكبر دولة في العالم ،ولم يجرؤ رئيسها حتى على الثأر لكرامته وكرامة بلده المشهورة بالغزو والحروب والإجتياحات لدول ما وراء البحار بحجج مفبركة ،وتقوم بقلب الحكام الذين لا يتفقون مع نهجها الرأسمالي، خاصة وانه تعرض لترامب نفسه ووصفه بالهرم والعجوز والخرف ،ولكن ترامب أذهل الجميع بتساؤله مؤخرا :لماذا يهينني 'أون' ويصفني بالعجوز وأنا الذي أسعى لصداقته؟علما ان ترامب وصف ذات يوم الرئيس الكوري الشمالي بأنه رامي الصواريخ الصغير!!!
قصة لا يحتملها عقل مدرك ولا يستوعبها منطق،والسؤال الملح لماذا تساهل ترامب مع 'خصمه اللدود'رئيس كوريا الشمالية الذي هدد علانية بشطب امريكا عن الخارطة وهذا ما لم يصدر كما أسلفنا عن قيادة الإتحاد السوفييتي إبان مجده وفي ظل الحرب الباردة؟الإجابة واضحة وهي أن ترامب الذي يمتلك مفاتيح الحقيبة النووية وبإمكانه بكبسة زر واحدة شطب كوريا الشمالية من الوجود في ثوان معدودات ،لم يفعلها ولم يأمر كونه صاحب البيت الأبيض بأي إجراءات تصعيدية ضد كوريا الشمالية ورئيسها ،وهذا بحد ذاته دليل على أن الأمور تخفي وراءها الكثير.
قبل الغوص في تفاصيل ما لدينا من تحليل يستند إلى المنطق والعقل ،نذكر بأن ترامب تلقى صفعة قوية من الرئيس الكوري الجنوبي السيد 'مون جاي إن' الحليف للولايات المتحدة بحكم معاهدة الحماية ما بين امريكا وكوريا الجنوبية بعد حرب الكوريتين التي وقعت ما بين 1950-1953 وذهب ضحيتها خمسة ملايين إنسان ،وتعد أشهر الحروب التي شهدتها فترة الحرب الباردة ،إذ خاطب ترامب بالقول وهو في ضيافته 'فخامة الرئيس إن قرار الحرب على كوريا الشمالية ينبع من هنا ..من سيئول وهو بيدي وليس من واشنطن !!!وأيم الله أن موقف الرئيس الكوري الجنوبي يوزن بالبلاتين وليس بالذهب ،لأنه دلل على أمور كثيرة أهمها أن الحماية الأمريكية لكوريا الجنوبية لم تلغ قرارها السياسي والسيادي.
التحليل المنطقي والسليم أن إنفجار الأزمة الكورية الشمالية –الأمريكية عند تسلم ترامب زمام الأمور في البيت الأبيض- وقيل أن ذلك لم يتم لولا مساعدة المخابرات الروسية له من خلال قرصنة أصوات الديمقراطيين وتحويلها لصناديق ترامب – يحمل الجواب الشافي على كل التساؤلات المشروعة التي تطحن في الذهن ،خاصة وان رد ترامب عى ما فعله الرئيس الكوري الشمالي كان بطعم الثلج وبرودته.
ما أعنيه أن هناك إتفاقا ما مكتوبا او غير مكتوب أو عبر طرف ثالث يرتبط بعلاقات وطيدة مع الطرفين ، إشترك في اللعبة خدمة لترامب غير المحبوب في بلاده ولا في البيت الأبيض، كي يركز وجوده رئيسا لأمريكا من خلال تحسين الأوضاع الإقتصادية ،وهذا لن يتم إلا بإفتعال أزمات عالمية تكون أمريكا طرفا فيها ،ليقوم ترامب بالحلب على طريقته ،وكان صريحا في حملته الإنتخابية عندما صرح أكثر من مرة ،أن على اليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربية الغنية أن تضاعف من فاتورة الحماية الأمريكية لها في حال رغبت بإستمرار المظلة المريكية ،وكان هذا التهديد ساخنا إلى درجة الغليان ،فالرئيس الكوري الشمالي أطلق صواريخا بإتجاه اليابان التي تستظل بظل المظلة الأمريكية لحمايتها ، وفق معاهدة الإستسلام التي وقعها الإمبراطور اليابان هيرو هيتو بعد إنتهاء العدوا الغربي الوحشي عليها بقيادة امريكا التي ألقت قنابل نووية على مدينتي هيروشيما وناغزاكي اليابانيتين ،أما في الخليج فقد تم التلويح ب'الخطر'الإيراني ضد دول الخليج العربية .
كما أن ما قامت به كوريا الشمالية أدخل الرعب أيضا في قلوب الكوريين الجنوبيين ، الذين إستجابوا مع اليابانيين للإبتزاز الأمريكي ودفعوا المليارات بطرق عديدة منها شراء أسلحة ومعدات متطورة كما فعلت اليابان،وهذا ما حصل مع دول الخليج العربية وخاصة تلك التي تحاصر قطر حيث حلب ترامب عربونا من الرياض قيمته 465 مليار دولار، ناهيك عن الهدايا له ولأسرته والنقوط وحفلة رقصة السيف ،ما جعل من ترامب الذي أعطى موافقته وصهره مكبير مستشاريه اليهودي كوشنير الضوء الأخضر لحصار قطر تمهيدا لغزوها ،لكن الديبلوماسية القطرية قلبت الطاولة وردت السحر على الساحر، بفضحها لدول الحصار وتغيير إتجاه البوصلة الأمريكية إلى الطريق السليم ، وهذا هو كوشنير وزوجته إبنة ترامب خارج البيت الأبيض مذمومين مطرودين بعد أن كانا سيدا البيت الأبيض ،وقريبا سنجد ترامب - الذي جاء بصفقة القرن التي تشطب القضية الفلسطينية والأردن الرسمي ، وإعترف بأن القدس المحتلة عاصمة لمستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية النووية – نفسه خارج البيت الأبيض بالطريقة التي يحددها صناع القرار هناك،وعندها سنجد كل المراهقين السياسيين الترامبيين الذين حلبهم ترامب يتساقطون واحدا تلو الآخر.
إن دل ما آل إليه النزاع الكوري الشمالي –الأمريكي الترامبي على شيء ،فإنما يدل على أن الستار أسدل على المسرحية الهزلية التي شهدناها منذ مجيء ترامب إلى الحكم ،ولن ينجح ترامب في تبريراته للقاء الرئيس الكوري الشمالي لأن ماحدث كان لعبة محسوبة ،جنى ترامب من ورائها مئات مليارات الدولارات من السفهاء الأغبياء الذين لا يرون أبعد من أنوفهم.
نيسان ـ نشر في 2018/03/15 الساعة 00:00