اتصل بنا
 

جبل طارق كيف انتقل من السيادة الإسبانية إلى البريطانية ؟

نيسان ـ نشر في 2018-07-26 الساعة 23:01

x
نيسان ـ

تبدو السيادة البريطانية على جبل طارق أمراً غريباً؛ إذ إن المنطقة تقع على البر الإسباني من شبه الجزيرة الإيبيرية في مواجهة الساحل المغربي، فكيف سيطر عليها الإنكليز، الذين لا تقع بلادهم على المتوسط، بل تبعد بآلاف الأميال عن جبل طارق. جذور هذا الوضع الفريد، تعود لقصة طويلة، تُلخص انحدار إسبانيا من إمبراطورية عالمية، وأقوى دولة أوروبية إلى حالة يمكن ينطبق عليها وصف رجل أوروبا المريض. فعقب وفاة «تشارلز» الثاني، ملك إسبانيا، عام 1701م، دون وريث شرعي يخلفه في حكم البلاد ومستعمراتها، حدث ما يُعرف بأزمة الخلافة الإسبانية، فاجتمع ملوك وأمراء الممالك الأوروبية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا، وخطَّطوا لتقسيم ممتلكات إسبانيا فيما بينهم، والاستيلاء على مستعمراتها. وفي ظلِّ خليط من الفوضى ومعاهدات التقسيم، سارعت بريطانيا بالاستيلاء على منطقة «جبل طارق» عام 1704م، وفي خضمّ التمزق والصراع على الحكم الإسباني، وافقت الممالك الإسبانية على اتفاقية «أوتريخت» عام 1713م، بالتنازل النهائي عن شبه الجزيرة لصالح التاج الملكي البريطاني.
لكن الإسبان لم يستسلموا لفكرة التنازل عنها
سعى الإسبان لاستعادة أرضهم من خلال عدة محاولات، باءت جميعها بالفشل، كان أشهرها الحصار الإسباني الصارم، بمعاونة الفرنسيين، لمدينة جبل طارق، عام 1779م، والذي استمرَّ مدة أربع سنوات كاملة. ولكن استطاعت القوات البريطانية الصمود أمام الحصار، وإنهاءه لصالح التاج الملكي البريطاني، الذي واصل التمسك باستماتة بمضيق جبل طارق، خاصة بعد افتتاح قناة السويس في مصر عام 1869م، إذ كان المضيق هو الطريق الوحيد للمستعمرات البريطانية في غرب إفريقيا، ومن الضروري تأمينه، وبقوة. وفي 1950، جدَّد حاكم إسبانيا الدكتاتور فرانكو مطالبات بلاده بالسيادة على جبل طارق، وحظر الحركة بين جبل طارق وإسبانيا. ثم صوت سكان جبل طارق بأغلبية ساحقة للبقاء تحت السيادة البريطانية، في استفتاء عام 1967، مما أدى إلى إقرار دستور جبل طارق في عام 1969. ورداً على ذلك، أغلقت إسبانيا الحدود تماماً مع جبل طارق، وقامت بقطع جميع وصلات الاتصالات، ثم أعيد فتح الحدود مع إسبانيا جزئياً في عام 1982، وأعيد فتحها بالكامل في عام 1985، قبل انضمام إسبانيا إلى الجماعة الأوروبية.
وفي استفتاء أجري عام 2002، رفض جبل طارق بأغلبية ساحقة (98%) اقتراحاً بتقاسم السيادة، قيل إن إسبانيا وبريطانيا قد توصلتا إليه، والتزمت لندن برغبات السكان، وظلَّت السيادة على جبل طارق تمثل مشكلة بين الدولتين.
فهل يعني ذلك أن جبل طارق جزء من بريطانيا؟
يتبع نظام الحكم في جبل طارق حالياً رسمياً السيادة البريطانية، وتعتبر بالنسبة لبريطانيا إقليماً يقع ما وراء البحار، أي أنها لا تعتبر جزءاً من المملكة المتحدة، ولكن تتبع التاج الملكي والحكم البريطاني، وسكانها يعتبرون مواطنين بريطانيين. وبموجب دستور المنطقة، تكاد جبل طارق تكمل الحكم الذاتي الداخلي من خلال برلمان منتخب، ولكن رأس الدولة هي الملكة إليزابيث الثانية، التي يمثلها حاكم جبل طارق. ويتولى الحاكم المسائل اليومية بناء على مشورة برلمان جبل طارق، ولكنه مسؤول أمام الحكومة البريطانية فيما يتعلق بالدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي والحكم الصالح العام. وتتم التعيينات القضائية والتعيينات الأخرى نيابة عن الملك، بالتشاور مع رئيس الحكومة المنتخبة. وينوب في حكم الملكة عليها حالياً الحاكم «إدوارد دافيس»، ورئيس وزراء المنطقة «فابيان بيكاردو»، ولا يتعدى عدد سكان المدينة الصغيرة التي تقع أسفل صخرة جبل طارق الشهيرة 35 ألف نسمة، بحسب آخر الإحصائيات لعام 2018م. ويتم التعامل فيها بعملة الجنيه الجبرلتاري، الذي يساوي الجنيه الإسترليني البريطاني في قيمته. أما لغتها الرسمية فهي الإنكليزية، إلى جانب الإسبانية، واللغة المحلية الخاصة بجبل طارق التي تسمى «لانتو» Llanto، وهي خليط من الإنكليزية والإسبانية والبرتغالية والمالطية وحتى الإيطالية. ولكن لماذا يرفض السكان العودة للسيادة الإسبانية؟ لمنطقة جبل طارق ثقافتها الفريدة عن إسبانيا، ولهجتها الخاصة (Llanto)، التي يطلق عليها البعض Spanglish. وهذه اللهجة بها بعض الكلمات العربية، كما أن كثرة الكلمات الليغورية (لهجة إيطالية)، تظهر تأثير الهجرة الكبيرة التي جاءت لجبل طارق من مدينة جنوا الإيطالية طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي الهجرة التي يظهر تأثيرها أيضاً على الهندسة المعمارية الفريدة لجبل طارق. ويوجد في جبل طارق أقدم مجتمع يهودي في شبه الجزيرة الإيبيرية، إذ تم طرد اليهود من إسبانيا والبرتغال في عام 1490، ولكن بعد مئات السنين عادوا، وانتقلوا إلى جبل طارق عندما سقطت في يد البريطانيين.
وبالطبع، فإن منطقة جبل طارق مليئة بالبريطانيين، إذ يحتل ذوو الأصول البريطانية المرتبة الأولى من حيث العدد، إذ يشكلون نحو 27% من السكان، ثم الإسبان 24% (بما فيهم الكتالونيون) فالإيطاليون 19%، والبرتغاليون 11%، ثم المالطيون 8% واليهود 3%. وهناك سبب آخر اقتصادي وراء رغبة السكان في البقاء تحت السيادة البريطانية، حسب صحيفة The Telegraph البريطانية، إذ يزدهر اقتصاد المنطقة، لأن الوضع السياسي الفريد لشبه الجزيرة يسمح لها بتطبيق نظام منخفض الضرائب. والوضع الاقتصادي أفضل من إسبانيا، فالبطالة تقترب من 40% في إقليم أندلوسيا الإسباني، المحيط بها، مقابل 1% فقط في جبل طارق. وإذا لم تمنح «جبل طارق» هذا المستوى من الاستقلالية في حال عودتها لإسبانيا، فسيتدهور اقتصاد المنطقة، وفقاً للصحيفة. ولكن منح مدريد مثل هذه الاستقلالية لجبل طارق من شأنه إثارة مطالبات مماثلة من الأقاليم الإسبانية الأخرى، خاصة تلك التي توجد بها نزعات انفصالية أصلاً، كالباسك وكتالونيا.
بعيداً عن الجدل السياسي.. جبل طارق تحوي أشياء رائعة فلديها أغرب مطار في العالم
تعد مدينة جبل طارق واحدةً من أكثر الوجهات السياحية جذباً في جنوب أوروبا، وخاصة شواطئها المتميزة، ذات الطقس شبه المداري، ومشاهد التكوينات الصخرية الموازية لها على طول الساحل، التي تعد من أشهرها «صخرة الجبل»، البالغ ارتفاعها حوالي 426 متراً، بالإضافة لوجود واحد من أكبر مساجد جنوب أوروبا بها، وهو مسجد «إبراهيم الإبراهيم» في مدينة جبل طارق، الذي افتتح عام 1995م.

نيسان ـ نشر في 2018-07-26 الساعة 23:01

الكلمات الأكثر بحثاً