الفتنة، حينما ألبستموها بدلة رسمية
الدكتور عمر كامل السواعدة
كاتب وخبير قانوني
نيسان ـ نشر في 2025-04-22 الساعة 21:53
نيسان ـ بعد شيطنة الوطنيين باختراع "الفتنجيين"، وصلنا الى "حكومة الفتنة"، لم يكن المشهد بحاجة إلى عدسة مكبرة كي نرى كيف صنعوا الفوضى ثم صرخوا: أنقذونا من الدولة! قالوا إنهم مع الملك، ثم سلّحوا صمتهم بالصواريخ، ولبّسوا الوطنية ثوبًا مستعارًا، يقطر ازدواجية وادعاء. خرجوا يهتفون "عاشت فلسطين"، ثم تراجعوا ليقولوا: "الموت للوطنجيين". قالوا لا للتوطين، ثم طعنوا الأردن في خاصرته، واتهموا جيشه وأجهزته وقيادته، بينما يوزعون البيعة كما توزَّع الغنائم بين العصابات.
لقد ارتدت الجماعة ثوب المظلومية، وتخفّت خلف الدموع المصطنعة، لكنها لم تخرج لتقول: نحن أبرياء من السلاح. بل قالت فقط: لم تكن النية لاستخدامه هنا! أي خيانة أفدح من أن تُمارَس الفتنة، ثم يُلقى بها على أكتاف الحكومة؟ الوطن لا يُحكم من الشارع، ولا يُباع في اجتماعات الغرف المغلقة. واليوم، حين تذرف الجماعة دموع الوطنية بعد أن ضبطها الأمن بصواريخ ومسيّرات، تتساءل البلاد: هل ما زال فيهم من يعرف معنى الولاء؟ أم أن الاستدارة نحو تمجيد لاءات الملك لم تكن إلا لافتة انتخابية في فم التنظيم؟
من يتحدث اليوم عن "الذهاب إلى الجحيم" نسي، أو أراد أن يتناسى، أن الوطنيين الذين تتهمهم الجماعة ليلًا ونهارًا بالفتنة هم من وقفوا في وجه كوهين، لا من نافقوه في الرواية. هم من ردّوا على دعوات التهجير المعلنة، لا من استخدموها مطيّة للبقاء السياسي. هم من هتفوا "الأردن لا نخونه ولا نطعنه"، لا من نزعوا البيعة من الهاشمي، ووزعوها على المجهول باسم الدين، أو المقاومة، أو المظلومية المصطنعة.
حين تصرخ الجماعة بأن الحكومة أثارت الفتنة، نتساءل: أي فتنة أعظم من أن يكون أعضاء في صفوفكم متهمين بصناعة صواريخ ومسيّرات لا تستهدف المحتل، بل الداخل الأردني؟ أي فتنة أعظم من أن يصدر عنكم بيان لا ينفي وجود الأسلحة، بل يناور حول نية استخدامها؟ أهذه براءة؟ أم إقرار مموّه لا يُنقذ صاحبه من السقوط؟ ثم أي وطنية تلك التي تنكر ثلاثية: الجيش، العرش، والسيادة، وتقدّم عليها صوت الجماعة ورغبة التنظيم؟
الوطنيون لم يكونوا يومًا في دائرة الاتهام، بل كانوا دائمًا في الخندق الأول. هم من رفعوا علم الأردن حين أنزله التنظيم، وهم من هتفوا باسم الملك حين تركتموه يقاتل وحده. الوطنيون هم من واجهوا كوهين حين كانت الجماعة تردد روايته. وهم من رفضوا روايتكم حول الجسر البري والجوي.
الذي يحرّض اليوم على الوطنيين هو من وزع "الكنافة" حين انتهكت السيادة، وهو من أسس لاختراق شوارعنا بالفوضى المستوردة. هو من سعى لتجريد الأردني من وطنيته، هو من صهين رجل الأمن، ليركّب رأس تيار لا يرى في الوطن إلا صندوق اقتراع أو مادة للابتزاز السياسي.
وحين يتحدث التنظيم عن "جحوش الاستعمار"، فإن السؤال الأهم ليس في الرد على قلة الأدب، بل في فضح خطورة المنطق: هل وصل الأمر إلى حد احتقار الأردني لمجرد اختلاف الرأي؟ هل وصل الهوس إلى اعتبار أن كل من لم ينتمِ إليكم هو جحش، عميل، مرتزق؟ بل هل بات يرى في الوطنيين قرابين تُقدَّم لتطهير الجماعة من تهمٍ التصقت بها لا افتراءً، بل بأدلة، ولوائح، ومحاضر رسمية؟
العتب، والله، ليس على الجماعة وحدها. بل على من أخذ بتقاريرها وتحريضها ضد أبناء الوطن الشرفاء، وعلى من سمعوا روايتها، وصدقوها كما هي. على من تركوا لها الميكروفون، وهي تشوه الجيش والأمن والقيادة والشعب، ثم قبلوا تبريرها للهفوات على أنها "زلات لسان" أو "حماسة موقف". أقول؛ هذا ليس خطابًا عابرًا في جلسة برلمانية، هذا طعنٌ في شرف الدولة. وهذا ليس زلّة، بل منهجية تمتد لعشرات السنين، من الجماعة إلى الحزب إلى المنصة. لكنها الآن صارت مفضوحة، مكشوفة، لا تختبئ وراء مظلومية.
الوطنيون أيها المرتجف لا يخافون من توجيه الاتهام حين يكون الوطن هو المستهدف، وصدر الدولة التي احتضنتكم محل تخوين. ولا بد هنا من وقفة فاصلة، نضع فيها الحقائق في مواضعها دون خجل أو تورية. فالذي خرج في السابع من فبراير التي أرعبتكم، لم يخرج بحسابات حزبية، ولا بدافع التملق السياسي، بل خرج وهو يرفع علم الأردن، ويهتف باسم الملك، ويصدح باللاءات الثلاث: لا للتوطين، لا للتهجير، لا للمساس بالقدس. كانت تلك الوقفة صرخة صادقة من قلب الشارع الأردني، بكل فئاته ومن كل زاوية في هذا الوطن العظيم، تخرج الأرواح قبل الكلمات دفاعًا عن السيادة والهوية والانتماء.
أما مظاهراتكم، فلا تخرج إلا حين تمسّ الجماعة، أو حين يُستدعى الشارع لحماية التنظيم، لا الوطن. شعاراتهم لا تُكتب في الشوارع، بل تُطبع في المكاتب، وتُصاغ بعناية لتخدم التوازن الداخلي للجماعة، لا المصلحة الوطنية العليا. لا علم أردني يُرفع، ولا صورة ملك تُحمَل، بل تُحمل صور أخرى، وهتافات تُجرد الدولة من شرعيتها باسم المظلومية.
الفرق بين السابع من شباط/فبراير ومظاهرات البينغو هو الفرق بين الوطن والتنظيم، بين الصدق والانتهازية، بين من يهتف للأردن وحده، ومن يهتف لأجندة تنتظر إذنًا من الخارج قبل أن ترفع صوتها في الداخل، الوطنيون قالوا جيشنا مقدس وطني، وأجهزتنا الأمنية هي بعض أبنائنا الشرفاء، بينما قلتم " «يا حليف الأمريكان، لا تقلي أمن وأمان، وإنت بتحمي في الكيان»"، هل من فرق؟ الوطنيون أكدوا بيعة الأردني لعرشه بينما قلتم "لا ولاء ولا انتماء"، الوطنيون قالوا يعيش جلالة الملك المعظم وأنتم خاطبتموه بــ "يا عبد الله يابن حسين"، أي هراء هذا الذي يضع من رفع العلم والعرش والجيش والأردن في مقارنة مع من يقر في عقيدته السياسية بأن الوصول الى السلطة فرض عين، اما والله أن استهداف الوطنيين من قبل أبواق الجماعة هو فضيحة تاريخية على من رفعه وأيده.
ومن أعجب ما قيل، وما لا يمكن الصمت عنه، أن يقف التنظيم متشدقًا بالولاء للدولة والعرش، ثم يُطلق عبارته الأخطر على الإطلاق: "أتركوا الأمر للشارع ليحكم". وكأن الوطن قد صار ساحة للمزايدات، لا دولة مؤسسات، وكأن الشارع أداة ضغط تُلوَّح بها حين تضيق السُبل داخل القنوات الدستورية. هذه العبارة لا تُقال عفواً، بل تُقصد. هي ليست دعوة للحوار، بل رسالة مشفّرة للشارع أن ينقلب إذا لم يُعجبه حكم القضاء، أو موقف الدولة، أو قرارات المؤسسات. إنها دعوة مبطنة للفوضى، مغلفة بشعارات وطنية جوفاء. فمن يُقسم تحت القبة أن الدولة خط أحمر، لا يعود ليمنح الشارع صك الحكم على الدولة. من يدّعي الوقوف مع الملك، لا يُجيّش الشارع ضد مؤسسات الدولة، ولا يُثير النعرات.
نعم، وبكل أسف، كل المؤشرات تقول أن التحرك الذي استهدف الوطنيين الحقيقيين – لا أولئك الذين يتقنون التهليل في النهار والتأليب في الليل – لم يكن عفويًا ولا بريئًا، بل يحمل في داخله نسقًا مدروسًا لإعادة تشكيل رواية الوطن على مقاس التنظيم، لا على مقاس الدولة، فمنذ لحظة إعلان ضبط خلية تصنيع الأسلحة والمسيّرات، لم يكن الهدف احتواء الضرر أو تطمين الرأي العام، بل جرى حرف البوصلة سريعًا. فبدل أن يُواجه التنظيم تداعيات ما ثبت تورط بعض أعضائه فيه، بدأ التجييش ضد من يرفعون راية الأردن فقط، ضد من لا يختبئون خلف راية حزبية أو مظلة فكرية خارجية، بل يقولون بصوت واحد: أردنيون مع الأردن والملك والجيش.
أكاد أجزم بأن المسرح كان يُجهّز: اتهام الوطنيين بأنهم هم من يقودون الفتنة، أنهم جحوش استعماريون، أنهم أبناء النظام، وكأن الانتماء للدولة صار تهمة. ثم جاءت ذروة المشهد حين قيل: "الشارع سيحكم"، ليبدأ الإعداد النفسي والجماهيري لتقديم أولئك الوطنيين قربانًا، كأنهم هم من هدد الأمن، لا من دافع عنه. إنها ليست صدفة أن تخرج هذه الرواية في هذا التوقيت، ولا صدفة أن يتحدث التنظيم بنفس المنطق الذي لطالما استخدمه الخصوم الإقليميون لتفكيك الدول من داخلها: شيطنة القوى الوطنية لصالح القوى التنظيمية، التي لا تنتمي للوطن بقدر ما تنتمي لفكر أو مشروع عابر للحدود.
فالوطني في هذه المرحلة يُراد له أن يكون "فرق عملة": يدفع الثمن، يتلقى السهام، يُتهم بالعمالة، يُحمّل مسؤولية كل شيء، يحاصر بالتهم والقضايا، ليخرج المتورط الحقيقي من الباب الخلفي، نظيفًا، متهمًا غيره، متقمصًا دور الضحية. وهنا تكمن الخيانة بعينها. التحريض على الوطنيين، لم يكن مجرد انفلات لسان، بل خطة منهجية لإعادة ضبط مشهد الشرعية: من الدولة إلى التنظيم، من الجيش إلى الحشد، من الولاء للملك إلى الولاء للمرشد. والمؤسف أكثر، أن بعض من يفترض أنهم شركاء في الحفاظ على هوية الدولة، قد صدّقوا هذه الرواية، أو سكتوا عنها، أو جلسوا على السياج ينتظرون لمن ستكون الغلبة.
أقولها كما هي: نعم، كنا القربان، لكننا لن نكون "فرق العملة"، نحن أصحاب الأرض، لا العابرون فوقها. ونحن الذين ندفع الثمن دومًا، لكننا لا ننسحب من الميدان... بل نعود إليه كل مرة أقوى، وأصدق، وأنقى.
ختاما، وددت لو نصحت الجماعة في لحظة نزاعها الأخير: لقد كان أحرى بكم أن تختاروا لخطاباتكم شخصية تُجيد المايك لا الورق، تُخاطب الناس لا الملفات، وتعيش اللغة لا تكتبها فقط. لأن من انهار أمام الكاميرا، وارتجف صوته عند أول مواجهة، لا يليق به أن يتصدر مشهدًا وطنيًا. الكاميرا لا تجامل، والمايك لا يرحم، وقد فضحا من استند إلى أوراقه أكثر من إيمانه، ومن استعار الحدة ليغطي بها خواء الحضور. لا تضعوا كل تاريخكم في يد من يرتبك أمام الهواء... فيُسقط كل شيء، كما سقط تاريخه الوطني الرائع بحوبة من ألبسهم إفك الفتنة، ثم سقط فيها.
لقد ارتدت الجماعة ثوب المظلومية، وتخفّت خلف الدموع المصطنعة، لكنها لم تخرج لتقول: نحن أبرياء من السلاح. بل قالت فقط: لم تكن النية لاستخدامه هنا! أي خيانة أفدح من أن تُمارَس الفتنة، ثم يُلقى بها على أكتاف الحكومة؟ الوطن لا يُحكم من الشارع، ولا يُباع في اجتماعات الغرف المغلقة. واليوم، حين تذرف الجماعة دموع الوطنية بعد أن ضبطها الأمن بصواريخ ومسيّرات، تتساءل البلاد: هل ما زال فيهم من يعرف معنى الولاء؟ أم أن الاستدارة نحو تمجيد لاءات الملك لم تكن إلا لافتة انتخابية في فم التنظيم؟
من يتحدث اليوم عن "الذهاب إلى الجحيم" نسي، أو أراد أن يتناسى، أن الوطنيين الذين تتهمهم الجماعة ليلًا ونهارًا بالفتنة هم من وقفوا في وجه كوهين، لا من نافقوه في الرواية. هم من ردّوا على دعوات التهجير المعلنة، لا من استخدموها مطيّة للبقاء السياسي. هم من هتفوا "الأردن لا نخونه ولا نطعنه"، لا من نزعوا البيعة من الهاشمي، ووزعوها على المجهول باسم الدين، أو المقاومة، أو المظلومية المصطنعة.
حين تصرخ الجماعة بأن الحكومة أثارت الفتنة، نتساءل: أي فتنة أعظم من أن يكون أعضاء في صفوفكم متهمين بصناعة صواريخ ومسيّرات لا تستهدف المحتل، بل الداخل الأردني؟ أي فتنة أعظم من أن يصدر عنكم بيان لا ينفي وجود الأسلحة، بل يناور حول نية استخدامها؟ أهذه براءة؟ أم إقرار مموّه لا يُنقذ صاحبه من السقوط؟ ثم أي وطنية تلك التي تنكر ثلاثية: الجيش، العرش، والسيادة، وتقدّم عليها صوت الجماعة ورغبة التنظيم؟
الوطنيون لم يكونوا يومًا في دائرة الاتهام، بل كانوا دائمًا في الخندق الأول. هم من رفعوا علم الأردن حين أنزله التنظيم، وهم من هتفوا باسم الملك حين تركتموه يقاتل وحده. الوطنيون هم من واجهوا كوهين حين كانت الجماعة تردد روايته. وهم من رفضوا روايتكم حول الجسر البري والجوي.
الذي يحرّض اليوم على الوطنيين هو من وزع "الكنافة" حين انتهكت السيادة، وهو من أسس لاختراق شوارعنا بالفوضى المستوردة. هو من سعى لتجريد الأردني من وطنيته، هو من صهين رجل الأمن، ليركّب رأس تيار لا يرى في الوطن إلا صندوق اقتراع أو مادة للابتزاز السياسي.
وحين يتحدث التنظيم عن "جحوش الاستعمار"، فإن السؤال الأهم ليس في الرد على قلة الأدب، بل في فضح خطورة المنطق: هل وصل الأمر إلى حد احتقار الأردني لمجرد اختلاف الرأي؟ هل وصل الهوس إلى اعتبار أن كل من لم ينتمِ إليكم هو جحش، عميل، مرتزق؟ بل هل بات يرى في الوطنيين قرابين تُقدَّم لتطهير الجماعة من تهمٍ التصقت بها لا افتراءً، بل بأدلة، ولوائح، ومحاضر رسمية؟
العتب، والله، ليس على الجماعة وحدها. بل على من أخذ بتقاريرها وتحريضها ضد أبناء الوطن الشرفاء، وعلى من سمعوا روايتها، وصدقوها كما هي. على من تركوا لها الميكروفون، وهي تشوه الجيش والأمن والقيادة والشعب، ثم قبلوا تبريرها للهفوات على أنها "زلات لسان" أو "حماسة موقف". أقول؛ هذا ليس خطابًا عابرًا في جلسة برلمانية، هذا طعنٌ في شرف الدولة. وهذا ليس زلّة، بل منهجية تمتد لعشرات السنين، من الجماعة إلى الحزب إلى المنصة. لكنها الآن صارت مفضوحة، مكشوفة، لا تختبئ وراء مظلومية.
الوطنيون أيها المرتجف لا يخافون من توجيه الاتهام حين يكون الوطن هو المستهدف، وصدر الدولة التي احتضنتكم محل تخوين. ولا بد هنا من وقفة فاصلة، نضع فيها الحقائق في مواضعها دون خجل أو تورية. فالذي خرج في السابع من فبراير التي أرعبتكم، لم يخرج بحسابات حزبية، ولا بدافع التملق السياسي، بل خرج وهو يرفع علم الأردن، ويهتف باسم الملك، ويصدح باللاءات الثلاث: لا للتوطين، لا للتهجير، لا للمساس بالقدس. كانت تلك الوقفة صرخة صادقة من قلب الشارع الأردني، بكل فئاته ومن كل زاوية في هذا الوطن العظيم، تخرج الأرواح قبل الكلمات دفاعًا عن السيادة والهوية والانتماء.
أما مظاهراتكم، فلا تخرج إلا حين تمسّ الجماعة، أو حين يُستدعى الشارع لحماية التنظيم، لا الوطن. شعاراتهم لا تُكتب في الشوارع، بل تُطبع في المكاتب، وتُصاغ بعناية لتخدم التوازن الداخلي للجماعة، لا المصلحة الوطنية العليا. لا علم أردني يُرفع، ولا صورة ملك تُحمَل، بل تُحمل صور أخرى، وهتافات تُجرد الدولة من شرعيتها باسم المظلومية.
الفرق بين السابع من شباط/فبراير ومظاهرات البينغو هو الفرق بين الوطن والتنظيم، بين الصدق والانتهازية، بين من يهتف للأردن وحده، ومن يهتف لأجندة تنتظر إذنًا من الخارج قبل أن ترفع صوتها في الداخل، الوطنيون قالوا جيشنا مقدس وطني، وأجهزتنا الأمنية هي بعض أبنائنا الشرفاء، بينما قلتم " «يا حليف الأمريكان، لا تقلي أمن وأمان، وإنت بتحمي في الكيان»"، هل من فرق؟ الوطنيون أكدوا بيعة الأردني لعرشه بينما قلتم "لا ولاء ولا انتماء"، الوطنيون قالوا يعيش جلالة الملك المعظم وأنتم خاطبتموه بــ "يا عبد الله يابن حسين"، أي هراء هذا الذي يضع من رفع العلم والعرش والجيش والأردن في مقارنة مع من يقر في عقيدته السياسية بأن الوصول الى السلطة فرض عين، اما والله أن استهداف الوطنيين من قبل أبواق الجماعة هو فضيحة تاريخية على من رفعه وأيده.
ومن أعجب ما قيل، وما لا يمكن الصمت عنه، أن يقف التنظيم متشدقًا بالولاء للدولة والعرش، ثم يُطلق عبارته الأخطر على الإطلاق: "أتركوا الأمر للشارع ليحكم". وكأن الوطن قد صار ساحة للمزايدات، لا دولة مؤسسات، وكأن الشارع أداة ضغط تُلوَّح بها حين تضيق السُبل داخل القنوات الدستورية. هذه العبارة لا تُقال عفواً، بل تُقصد. هي ليست دعوة للحوار، بل رسالة مشفّرة للشارع أن ينقلب إذا لم يُعجبه حكم القضاء، أو موقف الدولة، أو قرارات المؤسسات. إنها دعوة مبطنة للفوضى، مغلفة بشعارات وطنية جوفاء. فمن يُقسم تحت القبة أن الدولة خط أحمر، لا يعود ليمنح الشارع صك الحكم على الدولة. من يدّعي الوقوف مع الملك، لا يُجيّش الشارع ضد مؤسسات الدولة، ولا يُثير النعرات.
نعم، وبكل أسف، كل المؤشرات تقول أن التحرك الذي استهدف الوطنيين الحقيقيين – لا أولئك الذين يتقنون التهليل في النهار والتأليب في الليل – لم يكن عفويًا ولا بريئًا، بل يحمل في داخله نسقًا مدروسًا لإعادة تشكيل رواية الوطن على مقاس التنظيم، لا على مقاس الدولة، فمنذ لحظة إعلان ضبط خلية تصنيع الأسلحة والمسيّرات، لم يكن الهدف احتواء الضرر أو تطمين الرأي العام، بل جرى حرف البوصلة سريعًا. فبدل أن يُواجه التنظيم تداعيات ما ثبت تورط بعض أعضائه فيه، بدأ التجييش ضد من يرفعون راية الأردن فقط، ضد من لا يختبئون خلف راية حزبية أو مظلة فكرية خارجية، بل يقولون بصوت واحد: أردنيون مع الأردن والملك والجيش.
أكاد أجزم بأن المسرح كان يُجهّز: اتهام الوطنيين بأنهم هم من يقودون الفتنة، أنهم جحوش استعماريون، أنهم أبناء النظام، وكأن الانتماء للدولة صار تهمة. ثم جاءت ذروة المشهد حين قيل: "الشارع سيحكم"، ليبدأ الإعداد النفسي والجماهيري لتقديم أولئك الوطنيين قربانًا، كأنهم هم من هدد الأمن، لا من دافع عنه. إنها ليست صدفة أن تخرج هذه الرواية في هذا التوقيت، ولا صدفة أن يتحدث التنظيم بنفس المنطق الذي لطالما استخدمه الخصوم الإقليميون لتفكيك الدول من داخلها: شيطنة القوى الوطنية لصالح القوى التنظيمية، التي لا تنتمي للوطن بقدر ما تنتمي لفكر أو مشروع عابر للحدود.
فالوطني في هذه المرحلة يُراد له أن يكون "فرق عملة": يدفع الثمن، يتلقى السهام، يُتهم بالعمالة، يُحمّل مسؤولية كل شيء، يحاصر بالتهم والقضايا، ليخرج المتورط الحقيقي من الباب الخلفي، نظيفًا، متهمًا غيره، متقمصًا دور الضحية. وهنا تكمن الخيانة بعينها. التحريض على الوطنيين، لم يكن مجرد انفلات لسان، بل خطة منهجية لإعادة ضبط مشهد الشرعية: من الدولة إلى التنظيم، من الجيش إلى الحشد، من الولاء للملك إلى الولاء للمرشد. والمؤسف أكثر، أن بعض من يفترض أنهم شركاء في الحفاظ على هوية الدولة، قد صدّقوا هذه الرواية، أو سكتوا عنها، أو جلسوا على السياج ينتظرون لمن ستكون الغلبة.
أقولها كما هي: نعم، كنا القربان، لكننا لن نكون "فرق العملة"، نحن أصحاب الأرض، لا العابرون فوقها. ونحن الذين ندفع الثمن دومًا، لكننا لا ننسحب من الميدان... بل نعود إليه كل مرة أقوى، وأصدق، وأنقى.
ختاما، وددت لو نصحت الجماعة في لحظة نزاعها الأخير: لقد كان أحرى بكم أن تختاروا لخطاباتكم شخصية تُجيد المايك لا الورق، تُخاطب الناس لا الملفات، وتعيش اللغة لا تكتبها فقط. لأن من انهار أمام الكاميرا، وارتجف صوته عند أول مواجهة، لا يليق به أن يتصدر مشهدًا وطنيًا. الكاميرا لا تجامل، والمايك لا يرحم، وقد فضحا من استند إلى أوراقه أكثر من إيمانه، ومن استعار الحدة ليغطي بها خواء الحضور. لا تضعوا كل تاريخكم في يد من يرتبك أمام الهواء... فيُسقط كل شيء، كما سقط تاريخه الوطني الرائع بحوبة من ألبسهم إفك الفتنة، ثم سقط فيها.
نيسان ـ نشر في 2025-04-22 الساعة 21:53
رأي: الدكتور عمر كامل السواعدة كاتب وخبير قانوني