اتصل بنا
 

إكسير الخلود بخصمٍ خاص: حين يتحوّل الجهل إلى سلعة راقية

نيسان ـ نشر في 2025-06-26 الساعة 09:56

نيسان ـ هل أخبروك أنك تستطيع أن تعود شاباً جميلاً و رياضياً وعاشقاً فقط بكبسولة تُبتلع مع قليل من الماء (وملابسك القديمة)؟ لا تمارس الرياضة و لا تأكل صحيًّا و لا تزُر طبيبًا فقط انقر هنا واشترِ "سرّ الخلود" المغلف بالبلاستيك المعقّم.
* من مختبرات العجائب إلى عقول التائهين:
في كل يومٍ ينبت إعلان جديد كما تنبت الفطريات على جدار الحقيقة. يقول لك أحدهم:
> ودّع التجاعيد... واستقبل ملامحك في العشرينات!
بينما يُقسم آخر أن هذا العقار المكتشف في كهوف الهند القديمة قادر على تنظيم نبضات القلب و تحسين العلاقات الجنسية وإزالة الكرش واستعادة أول حب في حياتك ،مع صورة مزيفة.
أمّا الأعشاب فقد عادت لتنتصر. خلاصة شوك الناقة البرّي التي تُعيد لك البصر وعصارة أوراق شجرة الحياء التي تعيد لك الحياء... أو تزيله حسب الطلب!
** طبخة الوهم: من المؤثر إلى الدكتور المزيف
بعض الإعلانات تبدأ هكذا:
أنا دكتور في الطب الطبيعي، خريج جامعة لم تسمع بها من قبل رأيت كيف تخفي شركات الأدوية علاج السرطان فقررت أن أكشف لكم الحقيقة!
ثم يطلّ عليك بوجهٍ مغسولٍ بماء الفوتوشوب يخبرك أن الشاي المضيء كفيل بتنظيف شرايينك، وأن خلاياك ستبتسم من جديد.
ما بين مؤثر يصوّر في مطبخه ودكتور غامض بخلفية مزيفة لجامعة وممثل شبه منسي يقول:
> كنت على وشك الانهيار ثم استخدمت بخاخ الأمل... الآن أركض خلف أحفادي وأنا أغني!
نحن أمام مشهد مسرحي من نوع جديد: سيرك الدواء الشعبي المُعلّب.
* المؤامرة الكبرى: شركات الأدوية تخاف من عشبة جدتي؟
الرواية الرسمية في هذه العروض غالبًا ما تقول:
شركات الأدوية العملاقة تتكتّم على هذا العلاج لأنه سيوفّر عليك مليارات الدولارات!
فجأة تتحوّل خلطات العطار في الأزقة إلى خطر يهدد شركات فايزر ونوفارتس. ويصبح زيت الحبة السوداء عدوًا للعلوم الطبية المتقدمة. ومع هذا لا أحد يُجري تجربة سريرية واحدة… فقط "تجربة عمي الحاج علي في جرش" تكفي.
** قائمة الوعود: من الصحة إلى الزواج الثاني وحتى الرابع!
إليك بعض الوعود المذهلة التي قد تصادفها:
-كبسولة لتطويل الرموش ورفع المعنويات!
-شراب يعالج الزهايمر ويُرجع لك ذكريات الصف السادس!
-زيت يدهن على الجبهة فيُوَسِّع نظرتك للعالم!
-بخّاخ فموي يساعدك في إقناع زوجتك بالزوجة الثانية!"
-مستحضر لإزالة الغباء العاطفي المتراكم في علاقاتك السابقة!
إنها ثورة... ثورة في العبث العقلي.
*** حين يصبح الجهلُ رفاهيةً والنقدُ تهمةً
أسوأ ما في الأمر أن من يُحاول التفكّر في هذه الظاهرة يُتهم بأنه متواطئ مع المافيا الدوائية. وأن الشك في منتج يُباع عبر واتساب فيه ماء قمر ومغناطيس هو نقص في الوعي الروحي!
لقد انقلب المنطق. وصار الجهل المصفّى في زجاجة أجمل من الحقيقة المُرّة في تقريرٍ طبي.
وختاما :نحن لا نبحث عن الصحة بل عن المعجزة.
نرفض الأطباء ونؤمن بمؤثر تغذوي فاشل.
نضحك على من يدخن ويأخذ حبوب إزالة السموم ونصفق لمن يأكل عشر وجبات سريعة ثم يشرب شاي التوازن الداخلي.
في عالمٍ كهذا لا عجب أن يموت المنطق مختنقاً بعبوة مكمل غذائي!

نيسان ـ نشر في 2025-06-26 الساعة 09:56


رأي: د. وليد العريض

الكلمات الأكثر بحثاً