اتصل بنا
 

العصا التي لا تريد أن تتحوّل إلى مزمار

نيسان ـ نشر في 2025-07-07 الساعة 17:27

نيسان ـ في بلادٍ تُطبخ فيها القرارات على نار لا تشتعل، وتُدار فيها المعارك بريموت كنترول خارجي، يصحو "المحارب المتقاعد قسرًا" كل صباح ليتفقد بندقيته، لا لقتال، بل ليتذكّر أنه لا يزال حيًّا رغم أن الجميع يهمس: "لماذا لم يمت بعد؟"
هذا النص لا يهمه ما تقوله البيانات ولا ما يُبثّ عبر البروباغندا الملونة ولا ما يصرخ به أنصاف المحللين في مقاهي السلطة. إنه مجرد محاولة لرسم صورة لمن قرر أن يقف في مفترق الطرق بين أن يكون دمية محترمة أو شوكة مزعجة في حلق التاريخ.
المتن:
في زاويةٍ مهملة من جغرافيا مرتبكة جلس "الحارس القديم" يُحدّق في خارطة تغيرت حدودها دون استئذان يتأمل سلاحه كما يتأمل العاشق صورة حبيبته الراحلة: بكثير من الوفاء... وكثير من الحيرة.
قيل له: "سلّم العصا لتغدو مواطنًا صالحًا، لك مقعد في الصف الأمامي ومصافحة في المناسبات الرسمية!"
فكّر قليلًا، ثم سأل: "ومن سيحميني من الذئاب حين أكون بلا عصا؟"
فجاءه الجواب ملفوفًا في شريط حريري: "سنتفاهم… لاحقًا."
وفي الوقت الذي أخرج فيه الحارس سلاحه ليعيده إلى جرابه كانت الأبواق تعزف لحنًا جديدًا:
"ما دام قد خفّف سلاحه فليخلع درعه أيضاً."
"وما دام قد خلع الدرع، فليخلع جلده… على مهل."
الجيران وقد خلعوا بدورهم أقنعة الحياد راحوا يتبادلون النكات عن "الحارس الطيب الذي ظنّ أن الابتسامات تحمي من الرصاص" بينما كان العدو يُشحذ أنيابه خلف الستار، ويحضّر خريطة جديدة بدون هذا الحارس.
في المقابل ارتفعت أصوات بعض وجهاء القرية، مقترحة أن يُحوّل السلاح إلى متحف، والمقاوم إلى مرشد سياحي، أما صدى الضربات من خارج السور، فتم تجاهله باعتباره "مؤثرات صوتية".
ومع كل شمسٍ جديدة كان يُطلب من الحارس المزيد من التنازلات بينما تُقابل مرونته بابتسامة باردة تقول له: "أحسنت، لكنك لم تنتهِ بعد."
أما صديق الأمس في العاصمة المجاورة، فقد تحوّل إلى متفرجٍ ذكي يكتفي برفع حاجبه الأيسر عندما يشتد القصف، قبل أن يُدلي بتصريحٍ يقول فيه: "نحن مع السلام، ولكن… بشروط العاصفة."
ولأن الرياح لا تهدأ في هذه البلاد، صار الحارس يتدرّب على الخطابة بدل الدفاع، يعلّق خوذته على الحائط ويكتب مقترحات حول "استراتيجية الهدوء البنّاء" بينما يعرف في قرارة نفسه أن العاصفة لا تُدار بالخطب وأن الذي يخلع سلاحه في الغابة، لا يُلام حين تلتهمه الذئاب.
ولما اكتشف أهل الحي أن السلاح لم يعد يدوّي سألوا: "أين الوعود؟ أين الخبز؟ أين الكهرباء؟ أين الربيع؟"
قيل لهم: "اصبروا قليلاً… فالحارس منشغل الآن بالتفاوض حول نوع الخوذة التي سيضعها في المتحف."
ورغم هذا كله لم يستطع أن يسلّم العصا. لم يستطع. لأن في أعماقه ظلّ طفل صغير يعرف أن الذئب لا يفهم إلا صوت الحديد، وأن المزمار مهما لُوِّن لا يُربك وحشًا جائعًا..

نيسان ـ نشر في 2025-07-07 الساعة 17:27


رأي: د. وليد العريض

الكلمات الأكثر بحثاً