هل لدينا طبقات؟
نيسان ـ نشر في 2025-07-15 الساعة 08:05
نيسان ـ ثقافتنا الاردنية ثقافة مسايرة، ولا يعني ان كل ما يقال في العلن والجلسات العامة كلام يعبر عن الواقع بقدر ما هو تعبير عن المسايرة او المجاملة التي هي خاصية اردنية بامتياز.
أينما ذهبت واينما جلست قد تسمع كلمات مثل ما عليك زود، احنا وإياك بخير، او فضلة خيرك، وغيرها من المقولات الجاهزة والتي توحي لك بأننا نعيش مجتمع الطبقة الواحدة وان لا فوارق بين الجار والجار.
صحيح ان هذه اللباقات والمجاملات تخلق اجواء إيجابية جميلة لكنها تتبدد وتذوب دلالاتها بمجرد ان تنفض المجالس، ليعود كل فرد الى طبقته الفعلية.
في علم الاجتماع يشير مفهوم الطبقة الاجتماعية الى مجموعة الاشخاص الذين قد يتساوون في الثروة والمكانة والنسب او التعليم وطريقة الحياة، وقد عرفت المجتمعات والبنى الاجتماعية اشكالا من الطبقات بعضها جامد يصعب اختراقه وبعضها مرنا قابلا للتحول والاحترام.
في حديث صباحي مع احد الاصدقاء انثالت ذاكرته ليروي لي تجاربه المدرسية مع التمايز الطبقي في المدينة المجاورة لعمان. على جمال وصدق كل ما قال الا ان ما استوقفني الوصف الذي قدمه لسلوك طلاب المدرسة وهم يتهيأون للاستراحة التي غالبا ما تكون في منتصف البرنامج الدراسي اليومي او "فرصة العاشرة".
في رواية صاحبنا ان الكافتيريا وسلوك الشراء منها كان اول مظهر من مظاهر التباين بين ابناء الفلاحين والجنود، وابناء ملاك الاراضي والتجار في البلدة.. في تلك الايام كانت كافتيريا المدرسة تقدم نوعين من الساندويشات يتألف النوع الأول من الفلافل والحمص ويقبل على شراءه الطلاب الذين جاءوا من اسر الدخل المحدود المتدني في حين يقبل ابناء التجار وكبار الموظفين وملاك العقارات على ساندويشات يدخل في اعدادها المارتديلا واللبنة وتفاصيل اخرى تجعل منها بعيدة عن متناول الطلبة التي حددت مصارفيهم اليوم بما يكفي للحد الأدنى من متطلبات البقاء والتي لا تتجاوز القرشين والنصف.
من غير سؤال ذكر صاحبنا اسماء كل الزملاء الذين اصطفوا في طابور الحصول على الساندويشات الفاخرة والآخرون الذين تدافعوا ليحصلوا على ساندويشات الفلافل التي غالبا ما يجري إعدادها بقليل من العناية.
لتقريب الصورة للاذهان يرى صديقي الذي يروي تجربته المدرسية قبل نصف قرن ان فكرة التمييز في الخدمة من خلال النوعية والسعر فكرة قديمة يحاول المجتمع ان يكرسها حتى قبل دخول المدرسة وتستمر لتتبدى في نوعية السلع والخدمات وفي الجلوس واللباس والمرافق واشكال المعاملة.
في السكن يجري تنظيم الاراضي السكنية إلى ألف وباء وجيم وبعض الاحياء تحظى بخدمات استثنائية واخرى تبقى مهملة كذلك النقل يمكن ان تتنقل برا في مواصلات عامة او مركبات خصوصية بعضها مكيف والاخر اقل راحة ورفاهية في مجال الرحلات الجوية يسافر الاشخاص على درجات بعضها ممتاز والاخر اعمال او تجاري وبحسب الدرجة يكون السعر وتكون الخدمة
في بلادنا يحاول الناس التعبير عن مراكزهم الاجتماعية ودرجة ثرائهم بوسائل متعددة. تارة بالانفاق اللامدروس وتارة باقتناء السلع والحصول على الخدمات المميزة. ولا يقتصر ذلك على بيئة دون الاخرى ففي الريف كما في المدينة والبادية والمخيم. يوجد استهلاك تفاخري يصل إلى حد البذخ ففي حفلات الزواج والمآتم وسائر المناسبات يطمح الاشخاص ان يقيموا مناسبات بمستوى من الانفاق يليق بمكانتهم ويبيض وجههم.
في حفلات الزواج قد تدفعهم المبالغة الى دعوة أشخاص قد لا يكونوا مهتمين بالحضور للدرجة التي تجد اهل العروسين يطوفون حولهم لشكرهم على الحضور وامتصاص طاقة الضجر التي قد يشعرون بها.
في شوارع مدننا أشاهد كل يوم مئات السيارات الفارهة التي لا اعرف من أين أتى اصحابها بكل المال اللازم لشرائها. كل ما اعرفه ان اقتصادنا وبوضعه الحالي لا يولد معدلات من الثراء تسمح بكل المظاهر التي نراها. صحيح اننا نعيش في اقتصاد عالمي مفتوح يتيح للتجار والسماسرة ومن يعملوا في أسواق المال والخارج ان يحققوا ثراء كهذا. غير ان المدهش ان يحقق من يعمل بوظيفة عامة ما يمكنه من أن يتبارى مع أصحاب البنوك ورؤوس الأموال دون أن يرف له جفن..
أينما ذهبت واينما جلست قد تسمع كلمات مثل ما عليك زود، احنا وإياك بخير، او فضلة خيرك، وغيرها من المقولات الجاهزة والتي توحي لك بأننا نعيش مجتمع الطبقة الواحدة وان لا فوارق بين الجار والجار.
صحيح ان هذه اللباقات والمجاملات تخلق اجواء إيجابية جميلة لكنها تتبدد وتذوب دلالاتها بمجرد ان تنفض المجالس، ليعود كل فرد الى طبقته الفعلية.
في علم الاجتماع يشير مفهوم الطبقة الاجتماعية الى مجموعة الاشخاص الذين قد يتساوون في الثروة والمكانة والنسب او التعليم وطريقة الحياة، وقد عرفت المجتمعات والبنى الاجتماعية اشكالا من الطبقات بعضها جامد يصعب اختراقه وبعضها مرنا قابلا للتحول والاحترام.
في حديث صباحي مع احد الاصدقاء انثالت ذاكرته ليروي لي تجاربه المدرسية مع التمايز الطبقي في المدينة المجاورة لعمان. على جمال وصدق كل ما قال الا ان ما استوقفني الوصف الذي قدمه لسلوك طلاب المدرسة وهم يتهيأون للاستراحة التي غالبا ما تكون في منتصف البرنامج الدراسي اليومي او "فرصة العاشرة".
في رواية صاحبنا ان الكافتيريا وسلوك الشراء منها كان اول مظهر من مظاهر التباين بين ابناء الفلاحين والجنود، وابناء ملاك الاراضي والتجار في البلدة.. في تلك الايام كانت كافتيريا المدرسة تقدم نوعين من الساندويشات يتألف النوع الأول من الفلافل والحمص ويقبل على شراءه الطلاب الذين جاءوا من اسر الدخل المحدود المتدني في حين يقبل ابناء التجار وكبار الموظفين وملاك العقارات على ساندويشات يدخل في اعدادها المارتديلا واللبنة وتفاصيل اخرى تجعل منها بعيدة عن متناول الطلبة التي حددت مصارفيهم اليوم بما يكفي للحد الأدنى من متطلبات البقاء والتي لا تتجاوز القرشين والنصف.
من غير سؤال ذكر صاحبنا اسماء كل الزملاء الذين اصطفوا في طابور الحصول على الساندويشات الفاخرة والآخرون الذين تدافعوا ليحصلوا على ساندويشات الفلافل التي غالبا ما يجري إعدادها بقليل من العناية.
لتقريب الصورة للاذهان يرى صديقي الذي يروي تجربته المدرسية قبل نصف قرن ان فكرة التمييز في الخدمة من خلال النوعية والسعر فكرة قديمة يحاول المجتمع ان يكرسها حتى قبل دخول المدرسة وتستمر لتتبدى في نوعية السلع والخدمات وفي الجلوس واللباس والمرافق واشكال المعاملة.
في السكن يجري تنظيم الاراضي السكنية إلى ألف وباء وجيم وبعض الاحياء تحظى بخدمات استثنائية واخرى تبقى مهملة كذلك النقل يمكن ان تتنقل برا في مواصلات عامة او مركبات خصوصية بعضها مكيف والاخر اقل راحة ورفاهية في مجال الرحلات الجوية يسافر الاشخاص على درجات بعضها ممتاز والاخر اعمال او تجاري وبحسب الدرجة يكون السعر وتكون الخدمة
في بلادنا يحاول الناس التعبير عن مراكزهم الاجتماعية ودرجة ثرائهم بوسائل متعددة. تارة بالانفاق اللامدروس وتارة باقتناء السلع والحصول على الخدمات المميزة. ولا يقتصر ذلك على بيئة دون الاخرى ففي الريف كما في المدينة والبادية والمخيم. يوجد استهلاك تفاخري يصل إلى حد البذخ ففي حفلات الزواج والمآتم وسائر المناسبات يطمح الاشخاص ان يقيموا مناسبات بمستوى من الانفاق يليق بمكانتهم ويبيض وجههم.
في حفلات الزواج قد تدفعهم المبالغة الى دعوة أشخاص قد لا يكونوا مهتمين بالحضور للدرجة التي تجد اهل العروسين يطوفون حولهم لشكرهم على الحضور وامتصاص طاقة الضجر التي قد يشعرون بها.
في شوارع مدننا أشاهد كل يوم مئات السيارات الفارهة التي لا اعرف من أين أتى اصحابها بكل المال اللازم لشرائها. كل ما اعرفه ان اقتصادنا وبوضعه الحالي لا يولد معدلات من الثراء تسمح بكل المظاهر التي نراها. صحيح اننا نعيش في اقتصاد عالمي مفتوح يتيح للتجار والسماسرة ومن يعملوا في أسواق المال والخارج ان يحققوا ثراء كهذا. غير ان المدهش ان يحقق من يعمل بوظيفة عامة ما يمكنه من أن يتبارى مع أصحاب البنوك ورؤوس الأموال دون أن يرف له جفن..
نيسان ـ نشر في 2025-07-15 الساعة 08:05
رأي: د. صبري الربيحات