اتصل بنا
 

صِراعُ المفاتيح: هل تُسرقُ القدسُ من بوّابةِ الخليل؟

الوصايةُ الهاشميةُ في مرمى التجريفِ الإداريّ والصمتِ العربيّ

نيسان ـ نشر في 2025-07-16 الساعة 11:18

نيسان ـ في مشهدٍ لا يقلّ خطورة عن تهويد القدس نفسها اقتحمت بلدية الاحتلال ساحة الحرم الإبراهيمي في الخليل بذريعة أعمال صيانة وتنظيف متجاوزة بذلك وزارة الأوقاف الفلسطينية ومتجاهلة الولاية الدينية الأردنية التاريخية على المقدسات.
لم يكن الأمر بريئًا ولا عابرًا، بل جاء ضمن سياقٍ طويل من محاولات تقويض الدور الأردني الثابت في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين تمهيدًا لفرض وقائع جديدة على الأرض تحت غطاء الإدارة المدنية.
ليس هذا الاعتداء الإداري الأول من نوعه، لكنه أخطرها رمزيًا لأنه يُجسّد ما تحاول إسرائيل تمريره تدريجيًا:
انتزاع مفاتيح السيادة الروحية من يد الحارس الحقيقي وإيداعها بيد السلطة المحتلة.
الأردن… الوصي الثابت رغم العواصف
منذ اتفاقية وادي عربة وحتى اليوم، تمسّك الأردن، رسميًا وشعبيًا بوصايته على المقدسات الإسلامية في القدس وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك باعتبارها جزءًا من هويته الوطنية والدينية والتاريخية.
لقد أكد جلالة الملك عبد الله الثاني – مرارًا – أن الوصاية الهاشمية ليست موضع تفاوض ولا مقايضة وأنها أمانة تحملها الدولة الأردنية نيابة عن الأمة جمعاء.
ورغم الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها قوى إقليمية ودولية – وعلى رأسها الإدارة الأمريكية واليمين الإسرائيلي – لإضعاف هذا الدور، لم يتراجع الأردن، بل زاد من وتيرة حضوره في المحافل الدولية دفاعًا عن القدس.
لكنّ هناك من يعمل في الظل… أطراف إقليمية – عربية للأسف – لا تكتفي بالصمت، بل تدفع باتجاه تدويل أو تشريك الوصاية، بدعوى التوافق العربي وهي دعوات ظاهرها التشاور وباطنها التفكيك.
الخليل أولاً والقدس على القائمة
ما جرى في الحرم الإبراهيمي هو نموذج مصغّر لتجربة الاحتلال مع المسجد الأقصى:
تسلّل إداري، تقويض للصلاحيات، فرض وجود يهودي دائم، ثم تقسيم زماني ومكاني وصولًا إلى محاولة إزاحة الدور الأردني كليًا.
فإذا مرّت تجربة الخليل بالصمت أو التبرير أو الاستسلام فسيكون الأقصى هو المرحلة التالية.
لا شيء عشوائي في أجندة الاحتلال كل حجر يُحرّك ضمن خطة متكاملة.
الوصاية لا تُشترى ولا تُسرق
ما لا يعرفه البعض – أو يتغافل عنه – أن الوصاية الهاشمية ليست شعارًا سياسيًا، بل مسؤولية قانونية وتاريخية، اعترفت بها منظمة التعاون الإسلامي والسلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي، وحتى إسرائيل نفسها في لحظاتٍ معينة.
سحب هذه الوصاية أو تقويضها لا يعني فقط طعن الأردن، بل تفكيك آخر خطوط الدفاع العربي عن القدس.
فإذا تخلّى الأردن – لا قدّر الله – عن دوره فمَن سيحمل الراية؟
هل نثق بمن طبّع بالأمس أن يُدافع اليوم؟
صمتٌ عربي أم توزيع أدوار؟
الصمت الرسمي العربي تجاه ما جرى في الحرم الإبراهيمي ليس عابرًا بل يعكس حالًا من اللامبالاة – أو الشراكة الضمنية – في خطة إعادة توزيع السيادة الدينية في فلسطين.
فمن يفتح سفاراته في القدس، ومن يُبرم اتفاقيات أمنية واقتصادية مع الاحتلال، لن يكون حارسًا أمينًا على مساجدها وكنائسها.
إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس فقط الاحتلال الصهيوني، بل الفراغ العربي الأخلاقي الذي تُملأ مساحاته بسيارات صهيونية تسرح وتمرح في ساحات الأنبياء، تحت عيون من باعوا صكّ الكرامة منذ زمن.
الختام: ليست معركة الأردن وحده
القدس ليست قضية أردنية، بل بوصلتنا الكبرى.
والوصاية الهاشمية ليست امتيازًا، بل التزام.
وما يحدث في الخليل ليس معركة محلية، بل جرس إنذار لكلّ من يظن أن المقدسات يمكن إدارتها بنظام المقاول الأجنبي.
البيت العربي اليوم في اختبار:
هل يُحافظ على آخر ما تبقّى من سيادته المعنوية؟
أم يُسلّم المفاتيح على مذبح التطبيع والتآكل؟
والأردن؟
سيبقى رغم الأوجاع ممسكًا بمفتاح القدس
وسيبقى السؤال الأخطر:
هل ستُسرق الوصاية في وضح النهار بينما الجميع يبتسم للكاميرا؟

نيسان ـ نشر في 2025-07-16 الساعة 11:18


رأي: د. وليد العريض

الكلمات الأكثر بحثاً