نعيد كتابته على جدران الحياة
رمزي الغزوي
رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي، يعمل محاضرا متفرغا في الجامعة الأردنية، وعمل عضو هيئة تدريس في جامعة فيلادلفيا كلية الآداب والفنون قسم الصحافة، وهو كاتب عمود صحفي يومي (مجرات) في جريدة الدستور الأردنية، له ثمانية عشر مؤلفاً إبداعياً في مختلف صنوف الأدب (شعر، وقصة، وأدب أطفال، ونصوص مكان، ومقالات وأدب الرحلات)، يقيم في مدينة عمان، وهو مواليد عجلون 1972، حاصل على ماجستير في الصحافة الإعلام الحديث من معهد الإعلام الأردني/ الجامعة الأردنية ونال الكثير من الجوائز الأدبية والصحفية، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال عن روايته قمر ورد 2014، وجائزة أفضل مقالة صحفية عربية (جائزة محمد طبلية) 2012، وجائزة أفضل كاتب مقال صحفي لعام 2008، وجائزة إربد مدينة الثقافة الأردنية لأدب الأطفال لعام 2007 وجائزة تيسير سبول للقصة القصيرة 2000، كما نال لقب شاعر الطلبة العرب/ بغداد 1994 إبان دراسته للفيزياء في الجامعة المستنصرية (تخرج 1994). وهو متزوج وأب لطفلين وطفلة.
نيسان ـ نشر في 2025-07-18 الساعة 09:36
نيسان ـ ليس في الأفق قصائد، ولا في النشرات بشرى. العالم يدوّي، والمنطقة تُصفّد بالأزمات كأنها اختارت أن تكون مرآة للخذلان. ثم يأتي ذكر الأمل، كزائر غريب يطرق أبوابنا، كأن فينا بقية رغبة للاحتفال. نحن الشعوب التي تمارس خيباتها كطقس يومي، تتقن النهوض ثم السقوط ثم النهوض كي تسقط مجددا. الأمل؟ لم يعد موعودا في الخطب، ولا مذكورا في المناهج، صار شيئا يختبئ تحت وسائد النوم.
في غزة، لا وقت للحلم أبدا. في السودان، يتفتت الوطن على وقع الجوع والضياع. وفي يتسكع الأمل عاطلا عن الأمل. وفي اليمن، لا يُسأل عن حضوره بل يُفتقد كمن غاب منذ زمن ولم يترك عنوانا. لكن ورغم كل ذلك لا ينقرض من حسن الحظ. يطل برأسه من بين الأنقاض، يندسّ في رسمة طفل يدندن أغنية، في صوت أم تطرد القيظ بكفها عن وجه رضيعها. في ابتسامة خجولة لصبية تقف في الغبار. الأمل ليس رفاهية، بل مقاومة ناعمة، غريزة فطرية ترفض الموت، وإن طال اختناقها.
أول أمس أحيت الأمم المتحدة يوم الأمل. فعلت ما تتقنه منذ عقود، أطلقت بيانا منعشا، دعت فيه إلى التعايش، إلى الصفح، إلى مجتمعات أكثر تعاطفا وتألفا. لكن هذه المنطقة المنخورة بالحروب لا تداويها المناسبات البراقة، ولا تليق بها الاحتفالات الرمزية. هنا يا سيدي، تولد الندوب أسرع من الأمنيات، وتُطفأ الشرارة قبل أن تتحول إلى نور.
الأمل لا يأتي من المنصات، ولا يُستورد من الخارج. هو فعل داخلي، قرار عنيد في وجه القبح، مقاومة صامتة لا تحتاج إذنا. ليس رفاهية ننتظرها، بل ضرورة نبنيها. ليس وعدا، بل مسؤولية. كل من حمل خيبة، يعرف أن الأمل لا ينمو من تلقاء نفسه، بل يُزرع رغم الجفاف، ويُسقى رغم التشكيك، ويُحمى من الهشاشة التي تتربص به.
الذين يكتبون الأمل على الجدران لا يفعلون ذلك من باب التجميل، بل من باب النجاة. لأن اختفاءه من الفضاء العام يعني غيابه عن القلب. فلنحمه، لا كي نحتفل به في تموز القادم، بل كي لا نخسر ما تبقى من إنساننا في عالم يتآكل ببطء ويأكلنا.
في غزة، لا وقت للحلم أبدا. في السودان، يتفتت الوطن على وقع الجوع والضياع. وفي يتسكع الأمل عاطلا عن الأمل. وفي اليمن، لا يُسأل عن حضوره بل يُفتقد كمن غاب منذ زمن ولم يترك عنوانا. لكن ورغم كل ذلك لا ينقرض من حسن الحظ. يطل برأسه من بين الأنقاض، يندسّ في رسمة طفل يدندن أغنية، في صوت أم تطرد القيظ بكفها عن وجه رضيعها. في ابتسامة خجولة لصبية تقف في الغبار. الأمل ليس رفاهية، بل مقاومة ناعمة، غريزة فطرية ترفض الموت، وإن طال اختناقها.
أول أمس أحيت الأمم المتحدة يوم الأمل. فعلت ما تتقنه منذ عقود، أطلقت بيانا منعشا، دعت فيه إلى التعايش، إلى الصفح، إلى مجتمعات أكثر تعاطفا وتألفا. لكن هذه المنطقة المنخورة بالحروب لا تداويها المناسبات البراقة، ولا تليق بها الاحتفالات الرمزية. هنا يا سيدي، تولد الندوب أسرع من الأمنيات، وتُطفأ الشرارة قبل أن تتحول إلى نور.
الأمل لا يأتي من المنصات، ولا يُستورد من الخارج. هو فعل داخلي، قرار عنيد في وجه القبح، مقاومة صامتة لا تحتاج إذنا. ليس رفاهية ننتظرها، بل ضرورة نبنيها. ليس وعدا، بل مسؤولية. كل من حمل خيبة، يعرف أن الأمل لا ينمو من تلقاء نفسه، بل يُزرع رغم الجفاف، ويُسقى رغم التشكيك، ويُحمى من الهشاشة التي تتربص به.
الذين يكتبون الأمل على الجدران لا يفعلون ذلك من باب التجميل، بل من باب النجاة. لأن اختفاءه من الفضاء العام يعني غيابه عن القلب. فلنحمه، لا كي نحتفل به في تموز القادم، بل كي لا نخسر ما تبقى من إنساننا في عالم يتآكل ببطء ويأكلنا.
نيسان ـ نشر في 2025-07-18 الساعة 09:36
رأي: رمزي الغزوي رمزي الغزوي أديب وإعلامي أردني عربي، يعمل محاضرا متفرغا في الجامعة الأردنية، وعمل عضو هيئة تدريس في جامعة فيلادلفيا كلية الآداب والفنون قسم الصحافة، وهو كاتب عمود صحفي يومي (مجرات) في جريدة الدستور الأردنية، له ثمانية عشر مؤلفاً إبداعياً في مختلف صنوف الأدب (شعر، وقصة، وأدب أطفال، ونصوص مكان، ومقالات وأدب الرحلات)، يقيم في مدينة عمان، وهو مواليد عجلون 1972، حاصل على ماجستير في الصحافة الإعلام الحديث من معهد الإعلام الأردني/ الجامعة الأردنية ونال الكثير من الجوائز الأدبية والصحفية، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال عن روايته قمر ورد 2014، وجائزة أفضل مقالة صحفية عربية (جائزة محمد طبلية) 2012، وجائزة أفضل كاتب مقال صحفي لعام 2008، وجائزة إربد مدينة الثقافة الأردنية لأدب الأطفال لعام 2007 وجائزة تيسير سبول للقصة القصيرة 2000، كما نال لقب شاعر الطلبة العرب/ بغداد 1994 إبان دراسته للفيزياء في الجامعة المستنصرية (تخرج 1994). وهو متزوج وأب لطفلين وطفلة.