اتصل بنا
 

غزة ليست معركة إسرائيل فقط!

نيسان ـ نشر في 2025-09-06 الساعة 10:04

غزة ليست معركة إسرائيل فقط
نيسان ـ
جمال محمد تقي

يقول جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره السابق لشؤون الشرق الأوسط «إن الخطوة الصحيحة الآن بالنسبة لأمريكا، هي أن تطلب من إسرائيل إنهاء المهمة، فقد تأخرت كثيرا، وهذه ليست معركة إسرائيل فقط».
وهو محق، فهي معركة ترامب وبلير وكل المتضررين من تأخر إسرائيل عن احتلال كامل غزة ونزع سلاحها وطي صفحة الإبادة والتجويع، بضربة قاضية، تسفّر المتبقين من أهلها إلى أصقاع العالم، لتصبح أرضها محمية إسرائيلية لمزادات الاستثمارات المنتظرة، التي سترسم صورة أخرى لغزة تذهل المستائين، ليس لإعادة إعمارها وحسب، وإنما لمحو آثار أهلها الأصليين، واستبدالهم بالمستوطنين والمستثمرين والمستخدمين، وجعلها ريفييرا الشرق الاوسط، منتجعات، وساحات للغولف، ومزارع للخيول والأسماك، مع مقرات لشركات استخراج النفط والغاز من مياه غزة الإقليمية، وربما يلتحق إيلون ماسك، بالركب، ويسيل لعابه ليباشر هو الآخر غوايته في إنشاء وادي جديد للسليكون، أو مصنع لإنتاج الغواصات السياحية والسيارات البرمائية والكهربائية، وحتما ستكون هناك تفضيلات وتسهيلات للاستثمار الخليجي السياحي والتجاري، لتأصيل فكرة التطبيع والتعايش العابر للحدود والقيود، والنظر للمستقبل فقط، دون عقد ذنب قومية او دينية أو أخلاقية، فالماضي والحاضر سيتم تجاوزه بالقفز لشرق أوسط جديد خال من كل المنغصات المعيقة، لتزاوج العقل اليهودي بالمال الخليجي، والحاسبة تحسب لصالح حماة الازدهار المقبل، بتفوق إسرائيل الكبرى وبرعاية أمريكا سيدة العالم.
للفلسطيني شبح لا يغادر أرضه حتى لو سلبوها منه، يطارد المستوطنين ويسوقهم للانتحار أو الرحيل، فبحجارة داود قاتل عربات جدعون الأولى، وبعصا موسى سيقلب عربات جدعون الثانية
أما موضوع قناة بن غوريون فحكايتها ليست جديدة ولها وصل بغزة، إذ هي خارج التغطية الإسرائيلية، لا ترجمة لمشروع القناة على أرض الواقع، وبما أن رأس المال جبان، ولا يلقي حمله إلا في حضن آمن، لا تمنحه غزة الفلسطينية، التي تنشد مع الضفة والقدس الخلاص بالتحرير والاستقلال، غزة الإسرائيلية فقط هي القادرة على تحقيق معجزة ترامب، لذلك هو يستعجلها لإنهاء المهمة، فغزة الحالية تشكل عقبة كأداء بالنسبة لإسرائيل وطموحها الاستراتيجي، عليه دخلت إسرائيل بثقلها وبعربات جدعونها الأولى والثانية، لإبادة غزة ومن عليها بالتدمير والتفجير والتجويع والتهجير! إذن هي المؤامرة بعينها وليست مجرد نظرية، وأخوة يوسف شركاء فيها، وهذا محفل ذئاب الإبادة الاقتصادية شريكة هي الأخرى، ومؤسسة غزة الإنسانية، باكورة إنسانيتها، محفل يتربص بفيافي الشرق الأوسط، وافتراس بقايا فلسطين هو بداية لساعة الصفر، صفقة القرن التي وضعها ترامب في فترة رئاسته الأولى، وتأجل تنفيذها حتى إعداد مسرح الجريمة، حيث تستكمل فيه ديكورات المشاهد، والآن جاء ترامب ثانية ليكمل المهمة، سواء حصل هجوم 7 أكتوبر أو لم يحصل، الذرائع كاذبة، وما دام العالم أدوات مهندسة سلفا، ستفعل إسرائيل وأمريكا فعلتها، ولا طائل من صدها أمام من يخلقون الذرائع أو يلفقونها، ولا سبيل إلا بمقاومتها وتعجيزها واستنهاض كل القوى المتضررة من التوحش الأمريكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط والعالم!
دولة للمستوطنين بديلا عن دولة فلسطين!
تتساوق عملية احتلال كامل غزة، وحصد أرواح المدنيين فيها قتلا وتجويعا، والدفع لتهجير أهلها، مع التسارع الاستيطاني في الضفة الغربية، ووضع اللمسات الأخيرة لفرض السيادة الإسرائيلية عليها، فالاستيطان في «يهودا والسامرة» جار منذ احتلال الضفة عام 67 ولم يتوقف حتى بعد اتفاقيات أوسلو، بل تزايد وضمت القدس الشرقية إلى إسرائيل باعتراف أمريكي، وتدريجيا تم تفكيك الجغرافية الفلسطينية ومحاصرة التجمعات الفلسطينية الكبيرة بغابات من المستوطنات حتى الإعلان الحكومي عن خطة المليون مستوطن، والنشاط الاستيطاني أصبح استراتيجية طاغية على جدول أعمال الحكومات المتعاقبة، خاصة حكومة نتنياهو الأخيرة التي أعلنتها صريحة انها ستعمل المستحيل لتقويض مشروع الدولة الفلسطينية، وأنها ستسعى لضم الضفة لإسرائيل، باعتبارها أرضا توراتية، واليوم يطالب صاحب الوزارتين في حكومة نتنياهو، وزير المالية ووزير الإدارة المدنية بوزارة الدفاع بتسلئل سموتريتش، الحكومة باعلان ضم 82 في المئة من أراضي الضفة للسيادة الإسرائيلية، وإبقاء السلطة الفلسطينية مؤقتا لحين توفير بديل لها لإدارة شؤون 18 في المئة من الضفة، وعزز طلبه بتجاوب ترامب وإدارته، معززا بتصريحات السفير مايك هاكابي، الذي أنكر أصلا وجود شعب فلسطيني، وقد هدد سموتريتش السلطة الفلسطينية بالإبادة لو اعترضت، أو رفعت رأسها، واللافت أن التعليق الأمريكي الوحيد حتى الان على مطالبات سموتريتش هذه، جاءت على لسان ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط حيث قال: إن ضم الضفة الغربية لإسرائيل حاليا سيعيق ترتيبات اليوم التالي في غزة والمنسقة مع أطراف عربية! أي لا اعتراض أمريكيا من حيث المبدأ، ولكن الأولوية هي لحسم موضوع غزة وبعدها يجري الترتيب للضم!
أما عن الرد الذي يجده سموتريتش يناسب الاعترافات المتوقعة، من دول وازنة كفرنسا وبريطانيا وكندا واستراليا وبلجيكا وغيرها بدولة فلسطين، فهو ضم شمال غزة فورا لإسرائيل!
لاجئون في أرضهم!
سيبقى مصير الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين في دولة المستوطنين، وتحديدا القدس والضفة الغربية مجهولا، فالسعي الإسرائيلي لتهجيرهم أو إذابتهم ليعيشوا على الهامش، ومن دون حقوق المواطنة الكاملة هو هدف نهائي، وقد أطر سموترتش ثلاثة خيارات أمام من يبقى، الأول العيش ضمن الدولة اليهودية ومن دون تطلعات وطنية، الثاني خيار الهجرة إلى أي مكان خارج فلسطين، والثالث هو القتل لمن يصر على مقاومة مشروع الاحتلال والاستيطان، أما المبيت لأهل غزة فهو ماثل بتطبيقات منقولة بالصوت والصورة عبر الشاشات وبالبث المباشر، حرب ابادة وتجويع وتنكيل دفعا نحو التهجير، لتسلب الأرض وتضم إلى دولة المستوطنين، مع مكافآت سخية للشركاء والمساهمين من المستثمرين والمقاولين والسماسرة العقاريين من متعددي الجنسيات الذين دعموا اقتصاد الإبادة الشاملة في غزة واستثمروا بها.
للفلسطيني شبح لا يغادر أرضه حتى لو سلبوها منه، يطارد المستوطنين ويسوقهم للانتحار أو الرحيل، فبحجارة داوود قاتل عربات جدعون الأولى، وكان فعلها كفعل حجارة الانتفاضة الأولى، وبعصى موسى سيقلب عربات جدعون الثانية رأسا على عقب، كسحر المعجزات التي تقلب السحر على الساحر!
كاتب عراقي

نيسان ـ نشر في 2025-09-06 الساعة 10:04

الكلمات الأكثر بحثاً