اتصل بنا
 

الحياة موقف

نيسان ـ نشر في 2025-09-20 الساعة 14:40

نيسان ـ ماهر الجازي وعبد المطلب القيسي ليسا مجرد سائقين أردنيين غاضبين؛ بل هما اليوم، وفي لحظة تاريخية مشرفة رمزان عظيمان، لحالة وعي أردني وعربي وإنساني. لم يكن ما فعلاه فرديا وشخصيا، بل تجسيدا حرا ورد فعل طبيعي على غطرسة نتنياهو وداعمه الأكبر ترامب، وعلى آلة الإبادة الإسرائيلية–الأميركية التي حصدت عشرات الآلاف من أرواح الأبرياء في غزة. لم يكن المشهد مجرد إطلاق رصاص أو اندفاعة غضب، بل كان إعلانا صريحا بأن الحياة موقف، والحياة دون كرامة لا معنى لها.
حين أطلق ماهر الجازي رصاصته الأولى في أيلول/سبتمبر 2024، بدا وكأنّه يستحضر روح القائد البطل مشهور حديثة الجازي، قائد معركة الكرامة الخالدة، الذي أثبت أن البطولة ليست صدى للتاريخ بل فعلا بطوليا يتجدد كلما استبد الطغيان. وسرعان ما تبع هذا الموقف رفض قيسي عارم، جسّده عبد المطلب القيسي، الرجل الذي بلغ السابعة والخمسين من عمر التجربة والوعي والتضحية. في غضبته تلك وموقفه برزت دلالة عميقة مفادها أن الغضب الشعبي ليس نزوة شباب مندفعين، بل تراكم وعي طويل بأن إسرائيل كيان محتل وطارئ، وأن آلة القتل لا تُقابل بالركوع بل بالمقاومة بأشكالها المختلفة.
ولا بد أن يُقال إن ما سطره الجازي والقيسي هو التعبير الطبيعي عن ردّ الفعل الشعبي الأردني الأبي على قتل سبعين ألف فلسطيني في غزة، في وقت لم يقابله سوى الصمت العربي والإسلامي. والمهم أن نلحظ أن هذا الغضب الشعبي لا يتناقض مع موقف الدولة الأردنية، بل يخدمه ويقويه، إذ هو يرسخ صورة الأردن كدولةً رافضة حرة للاستسلام، ومتمسكة بدورها التاريخي في رفض الصلف والاستبداد، ومع حماية القدس والدفاع عن الحق الفلسطيني. فلا ينبغي لجيش الاحتلال أن يتوهم أن الأردن لقمة سائغة أو ساحة رخوة يمكن ابتلاعها.
لقد أثبتت الأحداث أن تقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، من الموساد إلى والشاباك وغيرها، بدت خائبة في قراءتها لوعي وشجاعة الشارع الأردني؛ فحالة الغليان هذه ليست "لوثة شعبوية" كما يحلو للبعض أن يصفها، بل تراكم معرفي وتجربة تاريخية رسّخت قناعة جماعية بأن إسرائيل إلى زوال، وأن كل محاولة لتطبيع وجودها إنما تصطدم بجدار صلب من الرفض الشعبي. هذه ليست مجرد عاطفة، بل وعي ممتد بأن الاحتلال لا يُمكن أن يستمر بلا ثمن فادح.
لقد قدم الجازي والقيسي رسالة أعمق من حادثتين عابرتين: لقد كشفا أن الشعوب قادرة على إنتاج رموزها في لحظات الأزمة، وأن البطولة لا تحتاج إلى قرار دولي بقدر ما تحتاج إلى لحظة صدق مع الذات. وفي السياق الأردني، فإن هذا الوعي الشعبي، بكل زخمه وغضبه، يعزز مناعة الدولة ولا يضعفها، لأنه يمنحها ظهيرا شعبيا صلبا في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية.
في المحصلة، نحن أمام موقف تتجاوز رمزيته حدود الأشخاص ليصل إلى تعريف جديد لمعنى العيش في هذا الزمن؛ وهو يتجلى في معنى أن تكون حياتك موقفا، وأن تدرك أن الحياة دون كرامة لا معنى لها.

نيسان ـ نشر في 2025-09-20 الساعة 14:40


رأي: جمال القيسي

الكلمات الأكثر بحثاً