جمانة يوسف تحاور عصفور الأقصى
نيسان ـ نشر في 2015-04-18
جاءني عصفور من بعيد بعيد، وقف على قبتي، أجال نظرهُ في المكان، ثم أطرق بسؤالٍ يقول: أقصى، أقصى؟
أين أنت من جيوشٍ هزت جبالاً وافتعلت صحراء؟ . أين أنت منهم وغربان حقيرة تحوم حولك، ودماءٌ تطير كالغبار؟
أجبته بتنهيدةٍ مزقت قلبي: أين أنا، أين أنا يا ترى؟ .. ليس لي مكان، كنت ولا زلت أسيرة الاحتلال، أصبحت فريسة تنهشها الغربان .. آه آه من الألم. أغرورقت عيناي لوهلةٍ بالدموع وقلت: إنهم لجنودٌ من بارئكَ منَّ الله عليَّ بهم .. من وطني، حجارةٌ سلاحهم ، تحريري وتكبيرة الله أكبر عَلمهم، متوشحون بكوفية تلمع منها عينان تشع منهما الرهبة .
وااعرباه يا عصفوري .. وااعرباه ، أين هم ؟ إني كلما نظرت في الأعالي لعلّي أرى طائراً عربياً يرفرف اتجاهي ، علي أرى جنداً على خيولٍ كمد البصر ، يخيّم الهدوء علي لحظاتٍ لعلّي أسمع صهيل خيول تحريري ، لعلّي أسمع هتافاً "للقدس عائدون "يفرحني ويبعث فيّ الأمل ، أنادي و أنادي ، لكني لا أجد من يأتيني . سئمت من توالي الانتظار ، ستةٌ و ثمانون خريفاً أصارع و وطني المغتصِب ، عشراتٌ من قبور الشهداء و مئاتٌ من المعتقلين، وكل من على أرضي من المشردين.
تحط علي برقياتٌ يوميةٌ بوعود كاذبة تغص القلب ، أين هم ؟ قل لي سئمت ، فهم من الذين تهمهم فلسطين و يؤلمهم الربيع العربي ، و المضحك أنهم يناجون أقرانهم لشد الأزر و القدوم نحوي، وفي خرائطهم إسرائيل بالخط العريض ، و يحرصون على ألا تخلو خطاباتهم من تحرير وإعادة اعمار فلسطين، إنهم مبدعون في المقابلات التلفزيونية واللقاءات السياسية، ماذا سنفعل وما رأيك، وما جوابهم إلا نأسف على الحال ويبدؤن القيل والقال. أحرقوني ودنسوني وبهيكل مزعوم هدموني، والله لا أصبر على حياتي إلا لمرابطين و مرابطات يدافعون عني و يحموني.
قال العصفور: إنهم عبدة لأموالهم وأنفسهم، فهم ما برحوا أماكنهم يقيمون القصور والأبراج وأنا بأمس الحاجة لدعمي بما ينفقونه، ماذا تنتظرين من أمة هجرت لغتها و قرآنها، هجرت مساجدها ؟ قولي لي ماذا تنتظرين من أمة شغلتها شؤُونها و شهواتها؟ أنكروا المعروف وأمروا بالمنكر، بادرته قائلةً: ما من خيار، لعلّي إذا انتظرتهم رأيتهم لي قادمين، فأنا الأقصى سيشتاقون لرؤيتي، لأرضي، لأحضنهم بين جدراني، ما زال عندي أمل .. ما زلت أحلم بيوم التحرير، يومٌ يَلِفُ حنظلة به وجهه ، وتعود روح أحمد ياسين تطير فَرِحَةً في الأفق، سأنتظرهم لعلّي أرى الحياة مرة أخرى.
أجابني العصفور: ووعد الله يا أقصى لندخلك ونحررك، فاطمئني وأخبريهم، إنا على عهدك باقون وإليك عائدون نبني الوطن من ركام وننشد معك موطني موطني، فانتظري لحظة الانتقام وأشعلي جمر الموت الزؤام، وسيأتي ذلك اليوم الذي تعود لهذا المكان ذاكرته ويعود الأذان ليصدح من زهرة المدائن .. منكِ.


