اتصل بنا
 

فيصل الفايز .. وريث تحالفات السلطة والعشيرة

نيسان ـ نشر في 2018-04-08 الساعة 14:31

x
نيسان ـ

محمد قبيلات...ضمن حالة التوتر التي تمليها أجواء الترقب والقلق المشفوعين باللايقين والتشكك بآليات وأدوات العمل السياسي المستخدمة تقليديا، اضطر رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز إلى إصدار بيان، قبل أقل من سنة، نفى فيه تصريحات، ضد النمط العشائري السائد في البلاد، نسبتها إليه مواقع إلكترونية بعد محاضرة ألقاها في مركز الشفافية الأردني، وتحدث فيها عن الهموم والمشاكل التي تواجه الإدارة السياسية الأردنية.
لكن ما بدا واضحا من حديث الفايز في حينه، بقضه وقضيضه، أن قصته الأساسية نفي تهم تداولها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وُجهت إليه شخصيا ببيع أراض لمؤسسة الضمان الاجتماعي بعشرات الملايين من الدنانير، لم ينفِ الرجل القصة، لكنه بررها بأنها عملية بيع طبيعية تربحت منها المؤسسة حسب قيمة الأرض السوقية للأسعار المتداولة حاليا.
عرّج الفايز على هذه القصة ليشرح جانبا من استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي الخطأ، التي لا تراعي الدقة، وتتجاوز حدود النقد السياسي المباح إلى التجريح الشخصي، وفي الوقت ذاته، تحدث عن الدولة الحديثة، دولة المؤسسات والقوانين، ودور العشائر في بنائها، ونُسب إليه، حينها، أنه تحدث عن الدور السلبي للعشيرة المضاد للإصلاح والتقدم، وأن القبيلة صارت، بحكم الواقع، البديل للحزب السياسي، كونها وحدة اجتماعية قوية مدعومة بانتماء أبنائها الذين يستشعرون حمايتها لهم.
فيصل عاكف مثقال الفايز ابن قبيلة بني صخر الأردنية، التي تمتد مضاربها وواجهاتها العشائرية تاريخيا من وسط المملكة، أي شرق جنوب العاصمة عمان، وتصل إلى الحدود المشتركة مع المملكة العربية السعودية، وهو حفيد مثقال الفايز، شيخ مشايخ قبيلة بني صخر، الذي كانت له لمسات مهمة وكبيرة في مراحل تأسيس الدولة الأردنية مطالع القرن الماضي.


مهنة الجد
والقصة تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أن مثقال وأجداده كانوا على الدوام رجال سلطة، فقد تحالف أجداده على مر التاريخ مع السلطات العثمانية، بحكم مرور طريق الحجيج من أراضيهم، فكانوا يقومون على رعاية وحماية قوافل الحج القادمة من سورية وتركيا وأواسط آسيا، ما جعل مصالح الأسرة ترتبط بالحكم العثماني، وهذا ما يفسر مقاومة الجد مثقال للاستعمار البريطاني، ووقوفه إلى جانب الأتراك.
حتى أنه يقال إن الشيخ مثقال الفايز أسر ضابطا من الجيش الإنجليزي في عام 1920، ولم يطلق سراحه إلا بوساطة قام بها الأمير عبد الله ابن الحسين الذي كان لا يزال في الحجاز، ولم يأتِ إلى الأردن بعد، حيث تم التواصل بين الفايز الجد والأمير عبد الله قبيل مجيئه إلى الأردن، ونشأ ما يشبه التحالف بينهما في مواجهة السعوديين المتحالفين مع الوهابية حينها، فاجتمعت المصالح بينهما قبل وصول الأمير إلى الأردن، لأن قبائل بني صخر صدت، مع القبائل الأردنية، عدة هجمات على البادية الأردنية، قام بها أنصار وأتباع محمد بن عبد الوهاب.
شغل فيصل الفايز مناصب عديدة في الدولة، فقد شكل الحكومة رقم 65 في سلسلة الحكومات الأردنية، وجاء هو في الترتيب 35 بين الرؤساء الذين شكلوا الحكومات الأردنية، وهو أول رئيس للوزراء من عائلته، فلم يسبق أن شكل والده حكومة، وكذلك لم يفعل الجد برغم أنه كان الرجل الأول في الدولة الأردنية الوليدة.
لذلك، لم يتفاجأ الشارع الأردني بمواقف فيصل الفايز المؤيدة والداعمة للنظام، فهو سليل أسرة تعتبر نفسها من أركان النظام ومؤسسيه، بل إن بعض الكتاب أطلقوا على جده لقب صانع الملوك، وفي البحث في تاريخ وأداء فيصل الفايز، نجد أنه ظل على الدوام المدافع المتشدد عن النظام، وفي مواقف مختلفة، حيث تصدى للبيان الذي أصدره متقاعدون عسكريون قبيل الربيع العربي عام 2010 انتقدوا فيه آداء الحكومات، ووقف ضد مطالب الحراكات الشعبية بدعوى أنها ستقوض استقرار البلاد.
التفسير لهذا الموقف؛ لا نستطيع إلا أن نستنبطه من تاريخ العائلة، حيث اشتغلت بالسياسة مبكرا، وقد مُنِح الجد مثقال لقب باشا من السلطات العثمانية، ومن بعد وقف مثقال الفايز مع الأمير عبد الله في تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، كذلك كانت مواقف عاكف الفايز حيث يقال أنه هو من أبلغ الملك الراحل الحسين بن طلال بمعلومة، يقال أنها وصلته من أحد أقاربه الجنود، عن تحضيرات الضباط الأحرار للانقلاب على الملك عام 1956، وحرّك المئات من أقاربه المسلحين إلى عمان لحماية القصر، وظلت علاقته بالقصر قوية حتى بعد عام 1970، برغم الموقف الأقرب إلى الحياد السلبي، الذي تبناه عاكف الفايز من الصراع الذي وقع بين الدولة الأردنية والمنظمات الفلسطينية، وربما يعود ذلك للعلاقة الخاصة التي كانت تربطه بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحسب رواية د. محمد المناصير، فقد عهد الملك الراحل الحسين إلى عاكف الفايز، بصفته شخصية قريبة من المنظمات الفلسطينية، بتأليف وزارة جديدة، في شهر أيلول من عام 1970، بعد أن أعلنت المنظمات مدينة اربد مدينة محررة، إلا أن الفايز اعتذر عن القيام بتلك المهمة.
وانسجاما مع الإرث السياسي التقليدي للعائلة، الذي يمكن وصفه بالبرغماتي، ظل فيصل الفايز يحاول إحداث بعض الاختراقات بالتواصل مع أطياف المجتمع كافة، لكنه لم يصل إلى درجة التفكير بتأسيس أو الانضمام إلى حزب سياسي، بخلاف والده ألذي شارك في خمسينيات القرن الماضي بتأسيس حزب الجبهة الوطنية مع سليمان النابلسي.
فبرغم كونه من أعمدة النظام البيروقراطية، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن لفيصل الفايز هوى ليبراليا لا يتجاوز حدود الولاء المطلق، بل إنه يسعى في كل مناسبة لتأكيد هذا الدور الملتزم، مع التركيز على الوحدة الوطنية القائمة على العدل والمساواة بين مكونات المجتمع الأردني، وتربطه علاقات خاصة بالأردنيين من أصول فلسطينية.
علاقة العائلة التاريخية بفلسطين
هذه العلاقات المكللة بالاحترام تمتد إلى تاريخ طويل، فقد وقف جده مثقال إلى جانب الثوار الفلسطينيين ابتداء من عام 1936، وقدم لهم الدعم، وخبأ المطلوبين الذين لجأوا إليه منهم، وحسب الباحث الإسرائيلي في جامعة تل أبيب يواف ألون يعتبر هذا الموقف من المواقف النادرة التي اختلف فيها الشيخ مثقال الفايز مع الأمير عبد الله بن الحسين، وربما كان مضطرا لذلك بسبب خلافه التاريخي مع الانجليز، وثانيا لاعتبارات تحسين صورته لدى القبائل الأردنية، التي اهتزت بسبب اتصالاته مع المنظمة اليهودية في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وهي اتصالات حمّلها بعض من الباحثين أكثر مما تحتمل، فهي لا تتجاوز حدود التعاملات مع مراكز يهودية تجارية ومالية كانت في فلسطين قبل قيام الكيان اليهودي، وظلت ضمن سقوف تعاملات بعض العائلات الفلسطينية مع تلك المراكز، وكانت قبل نشوء المقاومة الفلسطينية لهذا الكيان، غايتها، في الأغلب، الحصول على القروض الشخصية للشيخ مثقال الفايز أو القروض للدولة الأردنية الوليدة.
يذكر أن خزينة الإمارة كانت في أغلب الأوقات خاوية على عروشها، ما اضطر الشيخ مثقال لترتيب قروض من محال الصرافة الفلسطينية في القدس، وكانت تعود ملكيتها لعائلات فلسطينية، مثل عبد الهادي والعلمي وشومان، والشاهد أن هذه المكاتب حاولت في سنة من السنوات أن ترفع سعر الفائدة على القروض الممنوحة للإمارة، وعندما أعلم الأمير عبد الله مثقال بالقصة، طلب الشيخ من الأمير أن يستدعي مالكي هذه الشركات إلى القصر في عمّان، وهذا ما حدث بالفعل، حيث جرى الحديث بين الشيخ مثقال وأعضاء الوفد مباشرة، بحضور الأمير ومن دون تدخل منه.
تحدث يومها الشيخ مثقال بصراحة مدعومة بقوة السلطة مع الوفد، فقال لهم إننا نعلم أن النقود الموجودة لديكم هي ودائع لليهود، وقد أبلغونا أنهم يرغبون بالتعامل المباشر معنا، لكنا فضلنا التعامل معكم، وبالفعل استطاع أن يثني هذه الشركات عن رفع الفائدة، ومن الجدير ذكره أن مصدر تمويل خزينة الإمارة الوحيد كان عبارة عن معونة بريطانية لا تكفي دفع رواتب ونفقات الإمارة المالية لعدة أشهر من السنة، ما يضطرها للاقتراض حتى موعد وصول المنحة الجديدة.
التدرج في السلم الوظيفي
برغم ملكية العائلة لمساحات واسعة، خصوصا بعد ما منحه الأمير عبد الله للشيخ مثقال من مساحات من الأراضي لقاء دعمه له، إلا أن العائلة لا تصنف بالاقطاعية، بل إنها لم تغادر حالة الزعامة القبَلية، لأن هذه الأراضي لا تصلح للزراعة إلا بعض الأقماح والأعلاف المعتمدة على الأمطار الشحيحة في أغلب الأحيان، كون هذه الأراضي تمتد على سيف الصحراء أو تتوغل فيها.
لذلك عانت العائلة من شح دائم في النقد اضطرها للاقتراض الدائم بضمان حيازاتها العقارية غير المنتجة، وجعلها لصيقة للدولة ومضطرة للعمل في دوائرها، وهذا ما حصل مع المرحوم عاكف الفايز والد فيصل، الذي بدأ عمله في تشريفات الديوان الملكي وأصبح بعدها وزيرا أكثر من مرة، كما تسلم رئاسة مجلس النواب والمجلس الاستشاري الأردني.
أما فيصل الفايز، فقد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة كارديف، المملكة المتحدة (عام 1978)، وعُيّن بعدها قنصلا في السفارة الأردنية في بلجيكا بين عامي 1979-1983، وحصل خلال هذه الفترة على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة بوستن في بروكسل.
بعد انتهاء عمله الديبلوماسي في بروكسل عمل في الدوائر السياسية والقانونية والاقتصادية والمراسم في وزارة الخارجية، حتى عام 1986، وهو العام الذي انتقل فيه من وزارة الخارجية إلى الديوان الملكي، حيث تدرج في العديد من المواقع الإدارية في الديوان؛ فتسلم منصب نائب رئيس التشريفات الملكية، ومن ثم رئيساً للتشريفات الملكية، حتى استلم حقيبة البلاط الملكي الهاشمي الوزارية حتى عام 2003، ومن ثم شكل الحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2003، واستمرت 18 شهرا وشهدت تعديلين، من 32 وزيرا، بينهم ثلاث سيدات.
وبعد استقالة حكومته عُين الفايز في ربيع عام 2005 رئيسا للديوان الملكي، ومن بعد هذه الوظيفة عُيّن عضوا في مجلس الأعيان.
انتخب عضوا في مجلس النواب السادس عشر ومن ثم رئيسا للمجلس عام 2010، ثم جرى تعيينه عينا في مجلس الأعيان لأربع مرات، ثم أخيرا رئيسا لمجلس الأعيان، ليصبح الرئيس رقم 11 للمجلس.

نيسان ـ نشر في 2018-04-08 الساعة 14:31

الكلمات الأكثر بحثاً