بصمة القائد عبد الله التل
أسعد العزوني
كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية
نيسان ـ نشر في 2018-04-29 الساعة 10:33
ساتحدث عن أحد أبرز أبناء الأردن البارين بوطنهم وأمتهم وما أكثرهم ،وهو القائد العسكري قائد الكتيبة السادسة في معارك القدس عام 1948، الراحل عبد الله التل الذي قاد معرك القدس ولم يستسلم لتعليمات الضابط الإنجليزي الأعلى كلوب باشا 'ابو حنيك'.
لن أعود إلى ما هو مكتوب في ثنايا صفحات العم غوغل لأعرض الخواص والقيمة المضافة لبطلنا عبد الله التل ،ولكنني سأعرض هذه الخواص من روح إقدامه وما تركه للأجيال المقبلة ، حتى لا ينعدم الأمل أو يموت في نفوسها،بل لتبقى ذكراه خالدة في نفوس الجميع ،وإيمانا بأن الظلام وإن طال سينحره الفجر الساطع بنوره ،ويبدد ظلمته الحالكة ،ولذلك أقول واثقا أننا على موعد قريب مع النصر إن شاء الله ،ومع النهضة والوحدة ،حتى لو إدلهم الخطب وطال أمد العتمة لوجود المراهقة السياسية الناجمة عن التيه اليهودي في صحراء جزيرة العرب، الذين عثر عليهم المندوب السامي البريطاني هناك السير بيرسي كوكس بعد إصدرا وثيقة كامبل السرية المنبثقة عن مؤتمر كامبل الذي عقد بين عامي 1905-1907.
إتفق السير كوكس مع هؤلاء على تنفيذ ما جاء في وثيقة كامبل وفي المقدمة قيام مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية النووية ،وتجهيل العرب وتعميق فرقتهم وتبديد ثروتهم على الغرب المتصهين ومستدمرة إسرائيل ،مقابل توفير الحماية لهم من الشعوب التي سيحكمونها ،وقد ساعدهم كوكس على التخلص من حكام الجزيرة الأصليين ونصبهم قادة غرباء عليها.
ضرب لنا التل مثلا وغامر بنفسه ،لتحيا الأمة من بعده على أمل النصر وأثبت أن الإمكانيات ليست سببا رئيسيا في تحقيق النصر إن وجدت أو إلحاق الهزيمة إن لم توجد ،بل إن الأمر جله يعتمد على العزيمة والإصرار والتصميم على المواجهة ،لأن هذا السلاح هو الذي يحدد مصير المعركة ويحسمها ،ونحن في حال إمتلكنا القرار السياسي فإننا حتما سنحقق النصر.
قاد البطل عبد الله التل معارك المواجهة فوق اطهر أرض ودفاعا عن أغلى المقدسات وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ،وحقق فخرا عجزت عن تحقيقه جيوش جاءت ظاهريا لتحرير فلسطين ،لكن مهمتها الأصلية كانت تمكين الصهاينة من إحتلال الجزء الساحلي من فلسطين في المرحلة الأولى،ومعروف أن إمكانيات الجيش الأردني كانت معدومة ناهيك عن وجود قيادة إنجليزية له ،ولكن عبد الله التل ذلك الأردني العروبي قلب المعادلة ،وحول الضعف إلى قوة والهزيمة إلى نصر والإحباط إلى أمل ،بتصميمه على وضع بصمته المميزة مع انه يعرف جيدا تبعات ذلك ،وعواقب من يسبح ضد التيار.
وربما إطلع التل على المخطط المعد سلفا في مؤتمر كامبل السري وعلى وثيقة العار، التي وقعها عبد العزيز إبن مردخاي عام 1915 للسير كوكس بأنه لا يمانع من إعطاء فلسطين لليهود 'المساكين'، أو من تراه بريطانيا التي لن يحيد عنها حتى تصبح القيامة كما ورد في النص،وهذا حفيده المراهق السياسي 'مبس' يكمل المسيرة الخيانية ويثّبت مستدمرة إسرائيل إلى حين بطبيعة الحال ،ويعلن أن لهم الحق في فلسطين وأنه يحق لهم العودة إلى خيبر والمدينة المنورة لأنهما أراضي اجدادهم ،وقد عادوا فعلا.
كان التل شفافا وصريحا مع ضباطه وجنوده وأطلعهم على الحقيقة وخيّرهم إما الإنسحاب والعيش بمذلة أبدية أو الإقدام معه والتخليد في التاريخ ،فإختاروا بطبيعة الحال الخيار الثاني وكان لسان حالهم يقول :إما النصر او الشهادة ،فإرتقى منهم إلى السماوات العلى شهيدا من إرتقى ،وتحقق النصر المؤزر على أيدي الجميع.
خاطب عبد الله التل الضباط وضباط الصف والجنود بالقول :أيها الضباط وضباط الصف والجنود في الكتيبة السادسة ،إن مصير العالم العربي يتوقف على ثباتكم وصبركم وإنكم ستحافظون على سمعة الجندي العربي الذي إن هاجم لا يهاب الموت ،وإن دافع لا يتراجع حتى النهاية ،هيا نحمي أعراض العرب .
الصمود يصنع النصر ،نعم وهذه حقيقة لا ينكرها أحد ،وقد صمد التل مع ضباطه وجنوده ،وكان في مقدمتهم ،فثبتوا مع قائدهم وحققوا النصر ،ورغم أن نصرهم آنذاك لم يكتمل بالتحرير بسبب الظروف الخارجة عن إرادة القائد التل ،إلا ان ما حققه التل وكتيبته المفخرة ،كان مفخرة حتى بالنسبة للأعداء الذين لم يتوقعوا ذلك ،وهذا ما جعلهم يحترمونه رغم انه أوجعهم كثيرا .
تمكن القائد التل وجنوده من الأشاوس من محاصرة الحامية الصهيونية التي كانت ترابط في القدس القديمة ،ولم يستسلم التل للظروف ولم يرضخ للضغوط ،بل أصر على تحقيق هدفه وإذلال الصهانية وإلحاق الهزيمة بهم ،وإلباسهم ثوب العار والشنار إلى الأبد، ولم تثنه الظروف أو ترغمه الإمكانيات على التنازل بل أصر على إستسلام الحامية الصهيوينة إستسلاما موثقا بشهادة وحضور الأمم المتحدة .
رضخ قائد الهاجناه رئيس الحامية الصهيونية موشيه روزنيك للإستسلام ووقع وثيقة الإستسلام الشهيرة يوم الثامن والعشرين من شهر مايو /أيار عام 1948 ،وإمعانا في الإذلال، قدم مسدسة الشخصي للقائد عبد الله التل تعبيرا صريحا وواضخا عن الإستسلام ،بحسب الأعراف العسكرية،ولا أكشف سرا أن الصهاينة يحاولون جاهدين شراء هذا المسدس لمحو عارهم وشطب ملف هزيمتهم.
بعد 44 عاما على رحيله جرى إستذكار صاحب القدس مساء الجمعة الماضية في ديوان آل التل بعروس الشمال إربد ،وبحضور ورعاية السيد غازي الحسيني نجل الشهيد عبد القادر الحسيني ،الذي إستشهد هو الآخر دفاعا عن القدس ،وكان حضور الحسيني لتلك الندوة تغبيرا عن الوحدة الوطنية والمصير المشترك الذي يربط الأردنيين والفلسطينيين ،ويؤكد أن الوحدة الحقيقية هي التي تتجسد على أرض المعركة .
ربما يقال وماذا يعني إستذكار القائد عبد الله التل ،في مرحلة تمكن أبناء التيه اليهودي في صحراء جزيرة العرب، من السيطرة على مقدرات الأمة وشلوا قدراتها بصفقة العار التي يطلقون عليها صفقة القرن التي تهدف لشطب القضية الفلسطينية والتنازل رسميا عن القدس للصهاينة ،وكذلك شطب الأردن الرسمي والضغط عليه بحصاره ماليا ، من أجل إجباره على التنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية في القدس ،وقد أعلن جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عرض عليه 5 مليارات دولار للموافقة على صفقة القرن لكنه رفض .
جوابي على التساؤل حول جدوى إستذكار التل هذه الأيام هو أن مثل هذا الحفل هو رد أردني صريح وشفاف على أصحاب صفقة القرن التي سيطال أثرها الخياني كلا من خيبر والمدينة المنورة .
لم يكن القائد عبد التل أردنيا فحسب بل كان قائدا عربيا أسهم في تحرير الجزائر ،وليس سرا القول أن الثورة الجزائرية إنطلقت من بيته في القاهرة ،وقد تبرع بمسدسه الشخصي ليكون نواة الثورة.
رحم الله التل ورحم كافة الضباط الأردنيين الذين صمدوا في وجه الأعداء وحققوا ملاحم بطولية في باب الواد بالقدس ووادي التفاح في نابلس والزبابدة في جنين والكرامة في الأغوار.
نيسان ـ نشر في 2018-04-29 الساعة 10:33
رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية