محمد رحل على عجل
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2018-05-02 الساعة 10:50
لو نطقت شوارع المخيم، لعرّفت الفتى بأنه الأسمر صاحب الابتسامة التي لا تفارقه، رغم الشقاء الذي بدا على سمرة الوجه، والتجاعيد الظاهرة على الحاجبين ورموش العينين الكثيفتين.
لم يعد ذلك الفتى، الذي فقدناه على عجل بالأمس إلا أحد الناجين من دوامة الحياة التي عركته وعاركها حتى الرمق الأخير، فنالت منه كما نالت من الكثير من أقرانه الذين لم يجدوا متسعا من الوقت ليفرحوا بانجازاتهم المتواضعة.
كان المخيم عنوان 'محمد' وبيته وسكنه وأنسه وراحته، فكل شيء هناك يذكره بقضيته الأولى، وبالشقاء الذي صاحب رحلة الهجرة الأولى والثانية. هناك كرت المؤن، وأوراق اللجوء، ومدارس 'الأونروا' التي تعلم فيها انه لاجئ.. وأطفال لم يعرفوا عن فلسطين إلا من خلال شاشات التلفزيون أو من أفواه 'الختيارية'، وبعض مدعي السياسة ومكرري الأخبار.
كان نادي الوحدات أهم الأخبار التي يبحث عنها في تفاصيل القنوات الرياضية، هذا كل ما عرف من متعة الحياة. ولم ينل منها الكثير.
لم يكن محمد أو 'النغش' هذا كان لقبه يعرف كثيرا عن مرض السرطان الخبيث الذي صاحبه لست سنوات مضت، فعاركه بكل ما استطاع من قوة، ولكنه استسلم في نهاية المطاف الى قدره، تاركا وراءه أربعة أطفال في عمر الزهور.
صاحبه كثيرون وتركه آخرون، وبكى عليه كثيرون ولزم الصمت والوجوم على موته آخرون وتوجع لأجله عديدون.. عرفوا عنه أنه 'النغش' الذي يخوض في تفاصيل أشياء كثيرة، عندما يعجز الجميع عن إصلاح أي شيء كانت العبارة التي تتردد باستمرار على لسانهم 'ما الكم إلا 'النغش' هو من يستطيع حل المشكلة.
يحضر صندوق العدة المليء بأشياء تعرفها ولا تعرفها، يشمر عن ساعديه النحيلتين، يبدأ العمل دون توقف.. وما أن يشرع بالتصليح حتى يبدأ بإطلاق الدعابة قالبا مزاج الجميع الى مرح.
لم يخذل أحدا التجأ إليه، ولم يبخل على أحد في المشورة، أو في المساعدة حتى وإن كانت على حساب جسده الهزيل أو على حساب وقته المرهون بساعات دوام محدد في الميناء العقبة.
عندما بدأ الاستقرار يدخل الى حياته، عاجله مرض السرطان فأخذ من عمره ما اخذ، ولكنه كان مستسلما لقضاء الله وقدره، تاركا وراءه ذكرى طيبة.
نيسان ـ نشر في 2018-05-02 الساعة 10:50
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني