شهداء يحملون شهداء
محمد المحيسن
كاتب وصحافي أردني
نيسان ـ نشر في 2018-05-16 الساعة 11:19
اعتلى كرسيه المتحرك وامتشق مقلاعه وبعض الحجارة التي صادفها أمامه، ومضى شمالا حيث الأسلاك الشائكة التي تفصله عن قريته المسروقة بعض الكيلومترات.
الشهيد مبتور القدمين فادي أبو صلاح انتظر ثلاثة أيام كاملة مرابطا مع عشرات الآلاف من الشباب، دون كلل أو ملل، تاركا خلفه خمسة أطفال كبيرهم لم يتجاوز من العمر الثانية عشرة عاما.
قريبون منه قالوا إنه كان ينتظر شيئا مهما، أمرا لا نعرف نحن القابعون خلف المكاتب، أو المقاعد الوثيرة، ولا مناضلو الفيسبوك والتويتر، ولا أولئك كثيرو الثرثرة والمنظرون الثوريون والحالمون بانتصار الطبقة الكادحة برولِيتاريا، أو معتلو المنابر التي تهتف باسم السلطان.
وقالوا أيضا إن الشهيد فادي انتظر قبل ذلك عشر سنوات بعد أن بترت ساقيه في القصف الهمجي على قطاع غزة، ومنذ ذلك الوقت وهو يحلم بإحدى الحسنيين، فنال الشهادة كما يتمنى.
بالأمس سقط أكثر من ستين شهيدا على ثرى فلسطين، هذا الثمن وإن كان باهظا ولكنه بالنسبة لمن شعروا بمرارة الظلم لا يعني سوى الاقتراب أكثر من الحرية، ومن التراب الذي فقدوه ذات يوم بفضل خذلان ذوي القربى. ولكنهم يفضلون الذهاب إلى الله الذي لا يظلم عنده أحد.
هؤلاء الشهداء هم من وصفهم رفيق لهم قبل أن يرتقي إلى ربه شهيدا بأنهم 'كأمجاد القمر حين يبتسم للسماء، ونفير الحياة يمضي كالنسيم، وأمراء الدمِ يقطنون في واحات الزهور الحمراء، يمضون كأحلام الدجى حين النصر، شهداء وقوافلهم قمح الأرض وقناديل القلوبِ وعبير القدس والتاريخ.. يا نصراً أنتم، والمجد يهل حينَ تتكلمون بعطر الدم، والفجر شهادة'.
في غزة الآن وفي القدس قبل ذلك وفي فلسطين في كل الأوقات، من يحمل الشهيد شهيدا، من ينقل الشهيد شهيدا، من يكتب عن الشهيد شهيدا، ومن يرافقه إلى المقبرة شهيدا ومن ينتظر في بيت العزاء شهيدا.
ففلسطين بالنسبة لهؤلاء ليست نهاية الوجع ولكنها بكل تأكيد بداية الحكاية، لمشروع كبير ومتواصل منذ الأزل والمدفوع بنزعة العدوان والاستعلاء، ونقطة انطلاق معركة بين الحق والباطل وبين القتيل وقاتله، وبين المغلوب على أمره والغالب.. هي بكل تأكيد معركة كل المظلومين والمقهورين.
أما الأشقاء العرب ممن وضعوا في آذانهم بعضا من الطين والعجين فلهم أن ينتظروا الأمر من أسيادهم لإلغاء حق الكلام خوفا من أن يتهموا بالإرهاب الذين هم براء منه إلا على ما ملكت إيمانهم.
في هذه اللحظة الحرجة، فإن فلسطين وأهلها لن يقولوا عفا الله عما سلف؛ لأن الله لن يعفو عمن أغمضوا عيونهم، وصموا آذانهم عن استغاثات ذويهم، وهم يذبحون بسكاكين الغدر الباردة، فكيف من أساء للشهداء، واستباح دمهم.
نيسان ـ نشر في 2018-05-16 الساعة 11:19
رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني