اتصل بنا
 

إضراب الزبالين الأخير

صحافي وكاتب

نيسان ـ نشر في 2018-05-29 الساعة 22:29

نيسان ـ

شعوب عدة تنتظر تحقق مثل هذا الحدث التاريخي، غير أن الروائي الأرجنتيني برناردو كوردون تخيّله في قصة قصيرة له بعنوان 'إضراب الزبالين الأخير' ترجمها صالح علماني ضمن مختارات من قصص أمريكا اللاتينية صدرت منذ سنوات.
أحد رجال الأعمال المستغلين للسلطة لم يطق الانتظار وراء مقود سيارته الفارهة، ريثما تنهي شاحنة جمع القمامة، التي تصطف أمامه، أعمالها بتنظيف شارع في العاصمة الأرجنتينية.
أطل الثري من نافذة سيارته مطلقاً شتيمته: 'يا زبالة عليكم التوقف إلى جانب الطريق!' في وجه عمّال النظافة الذين يتوقعون عدم نيلهم مكافأة بمناسبة حلول العيد، كما جرت العادة.
ردة الفعل الأولى تمثلت بنثر أوساخ جمعها أحد العمّال، الذين تلقوا الشتيمة، داخل السيارة، وحينها تحوّلت الشتائم إلى تهديدات بالاعتقال ثم أطلق النار على العامل ليُردى قتيلاً، ما أدى إلى تدافع رفاق العمل واقتلعوا خصمهم من سيارته، وألقوه في جهاز كبس القمامة ليلتهم جثته.
استنفرت الشرطة، وبدأت مطاردة الزبالين، الذين تداعوا من كل الأنحاء ليلتقوا في موقع تجميع النفايات، ويعلنوا من هناك إضرابهم عن العمل.
السلطة - بتثاقلها المعهود - اعتقدت أن الإضراب سيتحلل تلقائياً، لكن الأمور تعقدّت أكثر مع انتشار أكوام الفضلات، وعمت الروائح الكريهة، وأدى حرق النفايات، بناء على نصيحة مسؤول غبي، إلى تشكل غمامة دخان غطّت الأحياء جميعها
ولما حاولت الجهات المختصة الاستعانة بالجيش لتنظيف المنطقة تم رفض الطلب، لأنه سيجلب المهانة للجنود، ويضرب هيبتهم، وكذلك لم يتمكن الجيش من ضرب معقل الزبالين بسبب الأدخنة المتصاعدة في الجو.
القمامة توّلد كل يوم مزيداً من القمامة، حتى أخذت جبال النفايات تنهار، ومُنع الصحافيون من تغطية الأحداث، في محاولة يائسة، لتأجيل انهيار النظام الذي تسبب في الكارثة.
وفي هذه الأثناء، قام كبار المسؤولين، والأغنياء، وضباط الأمن، وغيرهم من رؤوس النظام بالهرب خارج البلاد، وفي حركة سوريالية تدّخل كاتب القصة فجعل المادة الجوهرية للكون تتدفق، وتقضي على قافلة الهاربين.
بثقة وراحة بال، خرج الزبالون لينظفوا بلدهم، ويمسحوا آثار النظام السابق، منطلقين إلى تأسيس مدينة جديدة خالية من محتكري السلطة والزبالة.

نيسان ـ نشر في 2018-05-29 الساعة 22:29


رأي: محمود منير صحافي وكاتب

الكلمات الأكثر بحثاً