أميركا بين معتدلي إيران ومتشَدِّديها
سركيس نعوم
كاتب لبناني
نيسان ـ نشر في 2015-07-01 الساعة 01:07
عن إيران تحدّث المسؤول الرفيع جداً نفسه في "إدارة" مهمة داخل الإدارة الأميركية يتابع الشرق الأوسط بكل قضاياه، قال: "أولاً هناك ومن زمان ميل عند الإيرانيين للانفتاح على أميركا. ولذلك كانت التظاهرات الشعبية في شوارع طهران المرحِّبة بالإتفاق – الإطار بين إيران والمجموعة الدولية 5+1. وهذا أمر جيد. لكنها قد لا تعبِّر إلاّ عن سكان المدن ولا تشمل سكان الريف. قرأتُ بعض ما ورد في الخطابات والمواقف التي ألقاها مسؤولون إيرانيون تعليقاً على "الإتفاق" ومنهم وزير الخارجية ظريف ورئيس الجمهورية روحاني. ولم ألاحظ أي تناقض فيها، كما حاول البعض أن يستنتج، يمكن أن يهدِّد المفاوضات عند استئنافها.
وهذا جواب عن سؤالك المتعلِّق بهذا الموضوع. وقد أكَّد هؤلاء نصوص الإتفاق كما هي. والرئيس الأميركي باراك أوباما نقل التلفزيون الإيراني خطابه. وأكّد كل هؤلاء أن لا تناقض بين التصريحات الإيرانية والأميركية ونصوص الإتفاق. لكن طبيعي أن يركِّز كل فريق ومنهم إيران في أثناء الكلام عنه على القضايا التي تهمه أكثر من غيره والتي تطمئن جمهوره وتقنعه بعدم تخلِّيه عن ثوابته أو مبادئه. أما المتشددون فإن في واشنطن رأيين في ما يتعلق بهم. واحد يقول إن المعتدلين سينجحون في فرض أنفسهم و"سيمشي" الإتفاق. أما الرأي الآخر فيقول إن المتشددين لن يقبلوا الإتفاق وسيمارسون ضغوطاً على المرشد آية الله علي خامنئي لرفضه. وخامنئي كان أساساً مع آية الله الخميني مؤسس النظام الإسلامي في إيران.
وهو صار خليفته بقرار منه. ومن الحجج التي قد يستعملها هؤلاء أن الإتفاق سينهي هذا النظام. ما رأيك أنت؟". أجبتُ: طبعاً هناك متشددون في إيران.
لكن فيها أيضاً معتدلون وكلهم من أبناء النظام. والفريقان تبنيا من زمان دعوة "الموت لأميركا" وقالاها هتافاً في الإجتماعات الشعبية والخطابات. إلاّ أن الظروف تغيَّرت. فالعقوبات الدولية والأميركية والأوروبية التي فرضت عليها لم يكن من شأنها إسقاط النظام الإيراني.
وقادته يعرفون ذلك. لكنها ألحقت بالنظام أضراراً مهمة. وذلك دفعه، إلى أسباب أخرى، إلى التفاوض بعد طول رفض. فإنتاج النفط انخفض إلى النصف. وسعره انخفض إلى النصف. فصار المدخول المالي منه الربع. فضلاً عن أن إيران تحتاج إلى تحديث بناها التحتية المتنوعة. على كل دعني أروي لك حادثتين تعطيانك فكرة عن إيران الإسلامية. الأولى تفيد أن إيران دولة جدية بنت مؤسسات مدنية وعسكرية، وحققت نوعاً من الإكتفاء الذاتي ونجحت جزئياً في حل مشكلة الإسكان رغم حرب صدام والحصار والعقوبات. نظامها غير ديموقراطي. لكن داخله مورست ديموقراطية منقوصة.
علماً أن هذه الممارسة لم تغيِّر كثيراً من طبائع النظام وممارساته السلطوية. فالرئيس الأسبق الدكتور محمد خاتمي انتخب رئيساً لولايتين رغم إرادة المرشد وصاحب الكلمة الأولى خامنئي الذي امتنع عن تزوير النتيجة رغم قدرته على ذلك.
لكنه لم يمكّنه من النجاح في الإنجاز. وروحاني انتخب رئيساً رغم أنه لم يكن مرشح خامنئي أيضاً، وهو من أبناء النظام أكثر من خاتمي. أما الرئيس نجاد فقد اندلعت احتجاجات شعبية ضده بعد انتخابه لولاية ثانية بحجة تزوير فوزه. وأحد المرشحين الخاسرين ضده موسوي، كان محترماً داخل النظام ومن "حزب الله" اللبناني. طبعاً قمعت السلطة الاحتجاجات بالقوة ولكن من دون دم كثير. وساد يومها تفكير بالسماح بتأليف فريقين إسلاميين يعملان من داخل النظام واحد معتدل وواحد محافظ أو متشدد.
لكن التطورات بعد ذلك ألغت هذه الفكرة. علماً أن الممارسة السياسية حتى الآن في إيران تشير إلى وجود ثنائية غير رسمية قوامها مجموعة الاعتدال ومجموعة التشدُّد.
أما الحادثة الثانية، أضفتُ: فكانت بعد انتخاب روحاني. إذ توجه إلى القائد الأعلى خامنئي قائلاً: أنا جزء من النظام وبرنامجي هو تحقيق انفتاح من الداخل على الخارج ومنه أميركا والتفاوض على الملف النووي. أنا أطلب بركتك وموافقتك. وأتعهّد أن أطلعك على كل تطور أولاً بأول، فإذا وجدت ما يثير القلق على إيران الدولة والوطن والنظام وطلبت مني التوقف فإنني سأتوقف.
وفي أثناء التفاوض أدلى خامنئي بأكثر من موقف غطى فيه روحاني عندما كان المتشددون يهجمون عليه. الإيرانيون كانوا يقولون الموت لأميركا. تغيّرت الظروف. يجب الإفادة من ذلك وتوسيع التفاوض مع إيران ليشمل الإقليميات. بماذا ردّ؟