"على وقع الشارع 1"
محمد جميل خضر
قاص واعلامي اردني
نيسان ـ نشر في 2018-06-03 الساعة 14:58
تضاربت آراء الشارع الأردني في اليومين الماضيين، حول دور النقابات المهنية في الحراك الذي يتصاعد يوماً إثر آخر.
قانونياً يقتصر دور هاتيك النقابات على التعامل مع مطالب منتسبيها المهنية والمعيشية، ومتابعة شؤون حياتهم خلال ساعات العمل وبعدها من خلال مسائل من مثل راتب التقاعد والتأمين الصحي، وصولاً إلى المساعدة بالحصول على (سكنٍ كريم) أو قطعة أرض قد تصلح يوماً لهذا المأوى.
ثم لا يخلو الأمر بعد ذلك من بعض أشكال التكافل الاجتماعي الممكنة، أو تنظيم رحلة عمرة أو حفل إفطار وما إلى ذلك.
تاريخياً تأرجح دورها بين الاقتصار على ما تقدم أعلاه، وبين تجاوزه في قضايا بعينها صعوداً أو هبوطاً.
منطقياً فإن وضع حدود صارمة بين مختلف فعاليات الحياة وأسئلتها اليومية مما عفا عليه الزمان، مع دخول العالم مرحلة إزالة الحواجز بين العلوم والمعارف والمنجز الإنسانيّ سواء كان إبداعاً في حقل من حقول الفن والأدب، أو منجزاً بحثياً أكاديمياً صرفاً، أو خبرة صناعية تجريبية تطبيقية.
إنه على وجه العموم، عصر التداخل في العلوم والمعطيات الميدانية على الأرض، ففي اللوحة التشكيلية شِعرٌ وفيها دراما، وفي القصيدة ألوان وفيها حكاية، وفي الرواية شعر ورسم وموسيقى، وفي الغناء تلمس لتفاصيل صورة، ما يعني أن الفنون تتمازج لتعلو وتنمو ويكون لها على الأرض معنى. وكذا العلوم تتداخل فلا يمكن الوصول إلى نتائج مثمرة على صعيد علم الحفريات، على سبيل المثال، دون الاتكاء على علوم التاريخ والجغرافيا وعلوم الحضارات وصولاً إلى علم النفس والرياضيات والتشريح والجيولوجيا.
أطلتُ هنا لأصل إلى نتيجة مفادها أن النقابيّ ليس برنامج حاسوب، وهو حتماً ليس (روبوتاً) يتحرك بالأزرار ويبكي ويضحك ويتأمل ويغفل وينتبه من خلالها. إنه إنسان من دم ولحم ومشاعر وأحلام وتطلعات، ومسألة (حشره) في مساحة ضيقة من مثل الهموم النقابية المهنية، هي خارج أي منطق ممكن.
وعندما يمور الشارع ويفور ويغلي، فإن هذا الشارع هو بالأساس مجموع المهنيين من مهندسين وأطباء ومحامين وممرضين وصيادلة ومعلمين ومخبريين وصحافيين وفنانين. وفيه إلى ذلك عمال وحرفيون وبائعون مستقرون وجوالون وأصحاب محلات صغيرة وكبيرة واستثمارات صغيرة وكبيرة، وفي الشارع أيضاً وأيضاً، موظفون عامون، وآخرون يعملون في شركات أهلية ومؤسسات خاصة ومصالح فردية. دون أن ننسى العاطلين عن العمل، أولئك الذين قال عنهم محمود درويش إنهم 'يربّون الأمل'.
النقابات المهنية هي بناء على مجمل ما تقدم، حاضنة شرعية لآلام الناس، صادحة بصرخات تطلعاتهم، والتجربة التونسية ليست عنا ببعيدة، عندما تبنى الاتحاد العام للشغل الانفجار الشعبوي الجارف، وحمل روح الحراك هناك، وتابع ويتابع منجزه حتى يومنا هذا.
أمّا صيحة لينين قبل مائة عام حول العمال والفلاحين، فسوف تكون قاصرة إنْ نحن طلبنا من هذين المكونين (على أهميتهما القصوى) أنْ يتقدما وحدهما ليحترقا كي ينيروا الطريق.
لكلٍّ مساحته، وعلى كلِّ واحد منّا مسؤولياته، وليس من المقبول بأي حال من الأحوال، ولا بأي شكل من الأشكال، أن يتراجع النقباء عن سقفهم تحت ضغط المسؤوليات الجسام التي تستلزمها هذه الاستجابة الشعبية العارمة لإعلانهم الإضراب، أو دعوتهم النزول للشارع. عليهم أن لا يتركوا الناس معلّقين، خصوصاً أن الوقت الآن ليس للسجالات القانونية حول حدود دورهم وحقول اختصاصهم.
كما لا يجوز تقديم الصراع الانتحابي في نقابات بعينها على المصالح العليا للأوطان.
لا لركوب الموجة من أي جهة كانت، ولا لتركها نشازاً من جهات أخرى.
القانون الوحيد القادر على تأسيس البوصلات في تلك اللحظة التاريخية الفارقة، هو قانون الشارع، وعلى وقعه يمكن أن تتغير عناوين، وتُبنى شرائع جديدة، وتشريعات مفيدة.
نيسان ـ نشر في 2018-06-03 الساعة 14:58
رأي: محمد جميل خضر قاص واعلامي اردني