اتصل بنا
 

ماذا بعد إنهاء الاحتجاجات في الأردن؟

نيسان ـ نشر في 2018-06-08 الساعة 14:03

نيسان ـ

د. محمد الزغول – باحث أردني في مركز الإمارات للسياسات
يبدو أن هناك حالة 'شبه إجماع وطني' في الأردن على حقّانية ومشروعيّة الاحتجاجات واسعة النطاق التي انطلقت في الأردن لدوافع معظمها اقتصادية متعلقة بكيفية إدارة وتوزيع موارد الدولة المحدودة. وبالطبع كان هناك القليل من الأحمال السياسية أيضاً؛ إذ لا يمكن الفصل تماماً بين المُهمَّيْن. فقد أقرّ رأس الدولة بنفسه بمشروعيّة وحقَّانيّة الاحتجاجات، ودافع عن 'وطنيّة' المشاركين فيها، و'موضوعيّة' مطالبهم وتوقعاتهم.
وللأسف يبدو أن هناك خلط -مقصود أو غير مقصود- على المستوى الإعلامي والشعبي في توصيف ما يحدث، فهناك فوارق شاسعة بين تعبيرات ومصطلحات مثل ثورة شعبية، أو اعتصامات مدنية، أو موجة احتجاجات واسعة، أو مظاهرات. وبحسب مناهج العلوم الاجتماعية والعلوم السياسية، تتوافر الكثير من البيانات والمؤشرات على أن التوصيف الأدقّ لما حدث هو تعبير 'موجة احتجاجات' واسعة النطاق. واستخدم الأردنيون بفطرتهم السياسية اللمّاحة تعبير 'هبّة نيسان' لتوصيف أحداث مشابهة حصلت على خلفيات مشابهة أيضاً في العالم 1988.
وإذا اتفقنا على توصيف ما يجري بأنه 'موجة احتجاجات' مُحِقّة وموضوعية، فإنه ينبغي أولاً الإقرار بالحقيقة القائلة إنه كلّما طالت مدة الاحتجاجات، تهيأت الفرصة والوقت اللازمَيْن لاختراقها أمنياً وسياسياً، وإخراجها عن سياقها الطبيعي، وتوظيفها لخدمة أجندات دول، وتنظيمات، ومراكز قوى، ومؤسسات، محليّة وأجنبية عديدة متحفّزة بطبيعتها للتدخل. كما ينبغي أيضاً الإقرار بأن 'الاحتجاج' ليس آلية صناعة قرار، بل آلية للتأثير في صناعة القرار، وتوجيهه وتصويبه أحياناً عندما يبتعد عن سياق الإرادة الشعبية.
واليوم، يمكن طرح موجبات عديدة لوقف هذه الاحتجاجات بعد أن حققت الغرض المطلوب منها؛ وهو هنا كما أسلفنا التأثير في صناعة القرار وتوجيهه وتصويب المسار. وذلك قبل أن تفقد هذه 'الاحتجاجات' الزخم الاجتماعي والسياسي الذي رافق انطلاقتها. وبطبيعة الحال فإن توقف الاحتجاجات لا يعني توقف المطالبات، لكن انتقالها من شكل إلى آخر. ومنح مهلة زمنية ضرورية لحدوث التأثير المطلوب في آلية صناعة القرار.
وهنا قد يحتج مناصرون لمواصلة الاحتجاجات على أنهم خرجوا لتغيير النهج، لا لتغيير حكومة واستبدالها بأخرى من ذات النخبة السياسية المستهلكة، وبالتالي فإن مبررات الاستمرار لا تزال قائمة. لكن لا بدّ أيضاً من إدراك حقيقة أن النهج سيتغير فقط، إذا شعر النظام السياسي أن المحتجين قادرين على النزول إلى الشارع مرة أخرى إذا تطلب الأمر. وهذا يتطلب وقف الاحتجاجات وهي في أقوى مستويات زخمها الاجتماعي والسياسي. وإلا فقد تدريجياً قوة الدفع الأولى المحركة. إن صدور قرار من 'مجلس النقباء' اليوم قبل غد، أنفع، وأجدى، وأبلغ تأثيراً من توقُف الاحتجاجات نتيجة انقسامات المشاركين، وتناقص أعدادهم ثم تفريقهم بدواعي أمنية، حقيقية كانت أم مفبركة.
من ناحية أخرى، تجدر الإشارة أيضاً، إلى أحد مخاوف المُحتجّين أنفسهم، والذي بدأت مؤشرات عدّة تفيد بإمكانية حدوثه؛ وهو أن الاحتجاجات الشعبية تبدأ عفوية، لكن الأطراف الأكثر تنظيماً تستولي عليها بعد فترة قصيرة، لامتلاكها أدوات التأثير الاجتماعي وشبكات الاتصال والتواصل اللازمة، وهنا ليس من الحرج القول بأن أهم هذه الأطراف، هو تيار الإسلام السياسي الذي إن قُدِّر له السيطرة على الاحتجاجات فإن مسارها سينحرف تماماً من الاقتصادي إلى السياسي، وعندها ستتوافر كافة مبررات المعالجة الأمنية، وكلنا يعرف في أي سياق إقليمي نعيش.
وفي الحالة الأردنية، يمكن القول بلا مواربة بأن استمرار الاحتجاجات اليوم، بعد تحقق الغاية منها، يعني الانتقال من مطلب إصلاح الدولة إلى أجندة إضعافها. وهو أمرٌ لا أشك في أن معظم إن لم نقل كل المحتجين يصرون على تجنُّبه.
ليس خافياً أيضاً أن كل حراك اجتماعي، يغري قيادات جديدة طامحة لركوبه، والوصول من خلاله إلى السلطة أو المشاركة فيها، وهو طموح مشروع من حيث المبدأ، لكن الإشكالية تكمن في أن هؤلاء الطامحين الجُدد، يصبحون بسرعة من أشدّ المعارضين لتوقف الاحتجاجات، حتى بعد تحقيقها لأهدافها.
وهناك مسالة تتعلق بالفئة العمرية التي تقود هذه الموجة من الاحتجاجات؛ إن 'حماس الشباب' مفيد في تحقيق الأهداف، وإيجاد الزخم المطلوب، لكن علينا ألا ننسى أيضاً، أن 'حكمة الكبار' باتت مطلوبة، ومفيدة في حماية ما تمّ تحقيقه؛ فالاندفاع الزائد يجلب الندم.
أما في البعد الإقليمي، والذي لا يستسيغ المحتجون الخوض في مقتضياته، وإن كانوا يدركونها؛ لأنهم يعتقدون بأن النخبة السياسية تتذرع بالظرف الإقليمي لتغطية عجزها وفسادها. فإن التأثير الإيجابي الذي يمكن أن تؤديه 'الاحتجاجات' قد وصل حدّه الأقصى، وقد ينقلب خسراناً وضرراً إذا لم تتوقف الاحتجاجات اليوم قبل الغد.
لقد قرأ الأردنيون باستهجان محاولات توظيف 'احتجاجات' الأردنيين كورقة في المُناكدات السياسية والحملات الإعلامية البَيْنيّة من قبل أشقّاء متخاصمين. أما القوى الإقليمية فلكلٍّ أجندتها، ومشروعها الذي يهدد دولنا واستقرارنا بدعاوى خبرناها جيداً.
إن القول بأن ما يحدث في الأردن، إنما هو ضغوط من بعض الأشقاء، وبعض الأعداء لتمرير ما يُعرَف اسماً فقط، دون أي معرفة بالمضمون بـ 'صفقة القرن'، أو بسبب مصافحة الملك عبدالله الثاني للرئيس الإيراني حسن روحاني في تركيا، يعني ضمنا تجاهل الأسباب الموضوعية التي أخرجت الناس إلى الشارع، ويعني أيضا أن الشباب المحتجين إما مساهمين في (الخيانة) أو مغفلين. والحقيقة أن إعلام دول بعينها، هو من يروج لهذه التفسيرات، وهو ما يقتضي من حكماء الأردن التفكير في أبعاده، والتدبير له.
عماد آبشناس الصحفي الإيراني المخضرم، ورئيس تحرير صحيفة 'إيران ديلي' الحكومية سابقاً، والذي بات كاتباً ثابتاً في موقع الجزيرة القطرية، ومندوب وكالة سبوتنيك الروسية في إيران، قال في تحليل له: إن ما يحدث في الأردن هو بمثابة عقوبة من 'الإخوة العرب' للملك الأردني بسبب لقائه الأخير بالرئ

نيسان ـ نشر في 2018-06-08 الساعة 14:03


رأي: د. محمد الزغول

الكلمات الأكثر بحثاً