اتصل بنا
 

"السبيل" الضمير الغائب

كاتب وصحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2018-06-10 الساعة 13:32

نيسان ـ

قد تكون هذه الكلمات آخر ما ندونه في الصفحات المطبوعة الورقية 'السبيل' التي عاشت عشر سنوات وهي تناضل كرفيقاتها من الصحف للبقاء في شارع الصحافة، ولكنها استسلمت في النهاية للانكسار المشرف.

وإذا كانت هذه النهاية مؤلمة للزملاء الذين عاشوا التجربة بكل تناقضاتها (مرها، حلاوتها، قساوتها، وسهولتها، وعزيمتها، ضعفها، قوتها، إرادتها، جمالها، حتى بشاعتها)، عند ذلك لم يبق لهم إلا أن ينقلوا التجربة من خلال أبواب أخرى نتمنى أن تكون بحجم الحلم الذي حاولوا رسمه بأقلامهم خلال تلك السنوات.

الجميع يدرك المجهود الكبير الذي بذلتها إدارة الصحيفة لإبقاء المطبوعة الورقية صامدة أمام الكم الهائل من المعيقات، ولكنها اضطرت مجبره على التوقف وإفساح المجال للوسائل الأخرى لتقول ما حاولت 'السبيل' التعبير عنه من خلال الضمير الغائب. أو من خلال الصوت الآخر المفقود والمهمش تماما أمام طغيان الإعلام الرسمي والموالي ولمثلهم من إعلام التدخل السريع.

هذا الإعلام الذي يرفع شعارات من طراز الحقيقة والموضوعية والحياد والتنوير ولكنه يتحول في لمح البصر إلى النقيض ويقصف بكل عنف عيون وأذان المستمعين والمشاهدين.

وعليه فإن شارع الإعلام الذي لم يبال كثيرا بأزمة الصحف الورقية 'الأقل انتشارا' بحسب 'القانون المجحف' فقد كان مشغولا بالحريات ونسي تماما أن من يطالبون بحريتهم لم يعودوا بحاجة إليها بعد أن أطلقت عليهم رصاصة الرحمة وخروجهم من المشهد.

فقد كانت الرسالة التي تمثلها 'السبيل' بمثابة الحائط الأوطأ، والفائض الذي يضحى به عند طرح أي مشروع لدعم الإعلام، لأن هذا الإعلام بمعناه الحقيقي كان خارج المدار، أو هو فاكهة يمكن الاستغناء عنها إذا شح الرغيف، أو إذا تجاوز التعبير.

صحيح أن الحرية التي يبحث عنها الجميع لها علاقة مباشرة بأهم الأشياء في حياتنا مثل الإبداع والهوية والفضيلة والخوف والسعادة والفن، وهي حجر الزاوية، ومن خلالها تتحرك الحياة، ونتحرك معها. ولكن أين الفائدة ما دامت المطالب بالحرية فقد حياته 'فهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها'.

وعليه فإن على المدافعين عن الإعلام أن يترجلوا قليلا، احتراما للجنازة التي قتلت بسلاح آخر لا علاقة لها بالحريات، قتلت بسلاح لقمة العيش، وهو السلاح الأكثر هوانا من فقدان حرية التعبير ومن ممارستها.

حين يكون الزمان ليس زماننـا، والأشياء من حولنا لم تعد تشبهنا، حين نشعر بأن كلماتنا لا تصل، وأن مدن أحلامنا ما عادت تتسع، هنا، يكون الرحيل بصمت'، هو أجمل هدية نقدمها لأنفسنا، كي نختصر بها مسافات.

نيسان ـ نشر في 2018-06-10 الساعة 13:32


رأي: محمد المحيسن كاتب وصحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً