محاربة السلفية وتشجيع الدروشة ورعاية الروشنة تفاقم الدعشنة
أسامة شحادة
كاتب مختص في شؤون الحركات الاسلامية
نيسان ـ نشر في 2015-07-01 الساعة 23:46
من الواضح جداً أن هناك سياسة عامة في المنطقة ترتكز على محاربة السلفية والتي تعني التمسك بأحكام ومفاهيم القرآن الكريم والسنة الصحيحة وفق ما علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام، ويبدو ذلك من القرارات الرسمية في عدد من الدول بمنع ومصادرة كتب رموز الدعوة السلفية كشيخ الإسلام ابن تيمية من السابقين والعلامة ابن باز وابن عثيمين والألباني والحويني والشيخ محمد حسان وحسين يعقوب من المعاصرين.
كما تبدو هذه السياسة العامة في الهجمة الإعلامية على مصادر السنة النبوية الكبرى كالإمام البخاري من قبل إعلاميين تافهين ومأجورين، ثم يقوم القضاء بحمايتهم وتبرئتهم!!
ويرافق هذا تشويه لصورة السلفية عمداً من قبل جهات سياسية وإعلامية بالمساواة والمماهاة بين السلفية والتطرف المتمثل في القاعدة وداعش، رغم معرفتهم بالبون الشاسع بين الطرفين والعداء المستحكم في واقعهم.
ويتزامن هذا مع دعوات واضحة وصريحة محلية وعالمية لاعتماد الدروشة والتصوف كبديل عن السلفية التي تتبنى إسلاماً لا يقبل بالشهوات والمفاهيم العلمانية من التحلل والإباحية والربا والفساد السياسي والمالي والتبعية السياسية والعسكرية والاقتصادية، حيث وجدوا في الطرق الصوفية قبولا للخرافات والاكتفاء بالطقوس المبتدعة وتسامحا مع أطماعهم، فأصبح سفراء أمريكا ضيوفا على موالد الصوفية!
وهم لا يقصدون بدعم الصوفية دعم المعاني الصحيحة شرعاً، من الإخلاص والزهد وكثرة الطاعة والبعد عن الرياء والسمعة، بل الصوفية التي يريدونها هي صوفية الرقص والغناء والانحلال!
ويماثلها دعوات انتهازية للقوى العلمانية لمحاربة الإسلام والسلفية بحجة محاربة التطرف والإرهاب وداعش، تطالب بتغيير المناهج المدرسية وعلمنتها، وفسح المجال للشباب والشابات للانخراط في النشاطات الحداثية المتحررة من قيود الدين والأخلاق والعادات، وتحجيم الحضور الديني في المجتمعات المسلمة، وإقصائها عن السياسة والشأن العام، في الوقت الذي تطالب فيه بإشراك الأقليات في الحكم والسياسة، بل وتطالب بالحقوق السياسية للمجموعات الهامشية والشاذة كالشواذ!
والدعوات لاعتماد الدروشة كممثل للإسلام في وجه السلفية كان قد بدأ بها الشيخ الصوفي اللبناني هاشم قباني من منبر الكونجرس الأمريكي منذ عام 1999م! ثم انتبهت لهذا العرض مراكز البحوث والدراسات الأمريكية فأوصت بدعم الدروشة والتصوف كما يلي:
مركز نيكسون في تقريره "فهم الصوفية ودورها المرتقب في السياسة الأمريكية" (2003م)، ومؤسسة راند في تقريرها "إسلام حضاري ديمقراطي" (2004م)، وتقريرها "بناء شبكات معتدلة" (2007م)، ومؤسسة التراث الأمريكية في تقريرها "التحدي الأمريكي في قمة شنغهاي" (2006م)، ومعهد الدراسات الاستراتيجية في تقريره "الصوفية في شمال نيجيريا" (2010م)، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقريره "مكافحة التطرف القائم على العنف" (2011م)، وغيرها من الدراسات والتقارير.
ويبدو أنه قد جاء وقت تنفيذ هذه التوصيات، فرأينا ظهور عدد من المؤسسات الصوفية التي تمزج الدروشة بالسياسة وتنافس الجماعات الإسلامية حتى في المجال السياسي الذي كانت تعترض على مشاركة الإسلاميين فيه.
فظهرت مؤسسة طابة بقيادة علي الجفري اليمني في 2005م من أبو ظبي، ثم ظهر المركز العالمي للتجديد والترشيد بزعامة عبدالله بن بيه الموريتاني في 2007م من لندن، ثم جاء تأسيس المنظمة الصوفية العالمية في 2013م من باريس، ثم عقد منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في 2014 بأبو ظبي، وأوصى بإنشاء مجلس حكماء المسلمين، الذي ظهر في نفس العام من أبو ظبي، وتنازع على زعامته عبد الله بن بيه وأحمد الطيب شيخ الأزهر، وقامت تركيا بعقد مؤتمر دولي قبل يومين من ظهور مجلس حكماء أبو ظبي بعنوان "مبادرة علماء العالم الإسلامي إلى تبني السلم والاعتدال" شارك فيه ممثلون من 32 دولة، وذلك لرفضها الهيمنة المصرية - الإماراتية على الدراويش والتصوف!
وانعكست نشاطات هذه المؤسسات على إقصاء أو تهميش الاتجاهات الإسلامية غير الصوفية من المؤسسات الدينية الرسمية ووسائل الإعلام الرسمية، وظهور القيادات الصوفية في المحافل السياسية المحلية والعالمية كممثلين عن الإسلام، على غرار محاضرات علي جمعة وعلي الجفري في قيادة الجيش المصري، وزيارة عبد الله بن بيه للبيت الأبيض ولقائه بمساعدي الرئيس الأمريكي أوباما، الذي استشهد بكلام لبن بيه في أحد خطاباته!
ومن توصيات مركز البحوث الغربية بدعم الدروشة والتصوف، جاءت توصية خاصة بدعم جماعة الأحباش في تقرير مؤسسة راند "بناء شبكات معتدلة"، ويلاحظ اليوم تزايد نشاطات الأحباش بما يفوق حجمهم وقدراتهم، دون أن يعرف مصدر دعمهم المالي أو السياسي، ورغم ارتباطهم الوثيق بنظام بشار الأسد والتحالف مع حزب الله الشيعي، إلا أن كثيرا من القنوات الإعلامية مفتوحة لهم، ويواصلون بث فكرهم القائم على تكفير المخالفين على منابر المساجد والقنوات الفضائية وفي كتبهم ونشراتهم التي توزع في الشوارع!
الخلاصة: سيكون هناك نتائج سيئة لهذه السياسات تصب في صالح تفاقم الدعشنة بين الشباب والمجتمعات.
فمحاربة أحكام الإسلام ومفاهيمه المستقاة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة على فهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، سواء بتشجيع الدروشة والخرافات والموالد الصوفية والحضرات التي يشتكي منها حتى عقلاء التصوف واللجوء للأموات بدلاً من الأخذ بالأسباب الصحيحة وتطويع الإسلام لرغبات وسياسات الساسة هنا وهناك وشرعنة كثير من الآثام من اختلاط الرجال بالنساء وتناول المسكرات والتفريط بالواجبات والفرائض الشرعية، أو برعاية الروشنة كالمهرجانات الغنائية أو مهرجانات (يلا نفطر سوا) فضلاً عن إشاعة الرقص و(الفياعة) باسم الحداثة، سيتولد منها حالة عامة في المجتمع من الجهل الديني والتخلف القيمي والأخلاقي، مما يجعل الساحة مناسبة لتفاقم التطرف والإرهاب.
فهذه البيئة المنحلة دينياً وأخلاقياً والجاهلة بأحكام الشرع والمنقادة لأهواء العلمانيين في الداخل والخارج، ستكون نموذجا مثاليا لوصم المتطرفين لمثل هذه المجتمعات بالجاهلية والكفر والردة عن الإسلام من جهة، وبيئة خصبة لاستقطاب الشباب للتطرف والعنف والإرهاب كما تكرر هذا في تحول كثير من الشباب بدون مقدمات من حالات اللهو والعبث والصياعة إلى حالة التطرف والإرهاب، ومن آخر هذه الحالات الشاب التونسي سيف الدين رزقي، الذي نفذ عملية قتل للسياح في مدينة سوسة بتونس يوم 26/6/2015.
وعندها سيكون هذا العلاج المزعوم هو أكبر مساعد على استفحال التطرف والإرهاب، لأنهم منعوا الإسلام الصحيح الصافي والعلم السليم من التفاعل مع المجتمع ومعالجة عيوبه وأمراضه.