اتصل بنا
 

الأمير الحسين: أعرف شباب بلدي جيدا، فنحن لن نرضى للأردن أن يقف مكانه.

نيسان ـ نشر في 2018-07-02 الساعة 17:29

x
نيسان ـ

ألقى نائب جلالة الملك، سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، خلال زيارته إلى جامعة الحسين بن طلال بمحافظة معان اليوم الاثنين، كلمة أمام طلبة الجامعة، أعرب فيها سموه عن اعتزازه بوجوده في مدينة معان التي استقبلت طلائع الثورة العربية الكبرى، وشهدت محطات هامة في تاريخ الأردن.

وشدد سموه، في كلمته التي ألقاها بحضور أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، على أن التاريخ يسجل بأن لا همّة تضاهي همّة الأردنيين، وقال سموه مخاطبا الشباب 'حان دوركم لتبنوا؛ ولتزيدوا الأردن عمارا ونماء؛ ولكن بطريقتكم، وبأدوات عصركم، فلكل جيل هوية وآفاق وتحديات'، كما أكد سموه على أن الشباب الأردني هو المكلّف والمهيأ للقفز بالأردن إلى المستقبل، إلى حيث تصنع الفرص بالطموح والابتكار والريادة.

وفيما يلي نص كلمة سموه: بسم الله الرحمن الرحيم.

إخواني وأخواتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعتز بوجودي في مدينة معان، التي استقبلت طلائع الثورة العربية الكبرى، وشهدت محطات هامة في تاريخ أردنِّنا. وأقف احتراما للجهود العظيمة التي ساهمت في بناء وتطوير هذا الصرح العلمي. ولا يفوتني أن أذكر هنا أن 'معان لينا وحقك علينا'.

يسعدني أن ألتقي بكم اليوم. وأعرف حجم التحديات التي بدأت تثقل عليكم، حتى قبل أن تغادروا جامعتكم، وأشعر بخليط الهواجس الذي يتملككم: السعادة والحماسة والرهبة. فها قد حان دوركم لتبنوا؛ لتزيدوا الأردن عمارا ونماء؛ ولكن بطريقتكم، وبأدوات عصركم، فلكل جيل هوية وآفاق وتحديات .

تحديات جيلنا كثيرة. فمن جهة: إقليم مؤجج بحروب دامية، لم نرث سوى تداعياتها على بلدنا، ومن جهة أخرى: مناخ اقتصادي مثقل بالأزمات؛ ولا ننسى البطالة، ذلك التحدي الذي يخيّم على كثير من دول العالم وليس حصراً على الأردن.

لا أزعم أننا نمتلك 'الوصفة السحرية' لحل كل هذه التحديات المعقدة. فأنا أدرك أننا – أنا وأنتم – ما زلنا في بداية مشوارنا. لكنني، أدرك أيضا أننا نعيش في عالم غير ذلك الذي عاشت وتفاعلت معه الأجيال السابقة.

لقد عدتُ مؤخراً من فترة تدريبية قضيتها لدى عدة شركات تعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات، هي الأكبر والأنجح عالمياً. شعرت كيف يتغير العالم من حولنا بسرعة غير مسبوقة، عالم مدفوع بالتطوير المستمر والأفكار، التي ما تكاد أن تتبلور واحدة منها حتى تلحقها عشر غيرها أكثر تطوراً .

عدتُ وفي داخلي يقينان: الأول، أننا نعيش في زمن الاعتماد على النفس؛ فاليوم، لا توجد وظائف حكومية جاهزة لاستيعاب هذا الجيل. الفرص الآن هي من نصيب الروّاد الذين يوجِدونها. المستقبل لا مكان فيه لطوابير الانتظار. الثاني، أن جيلنا هو المكلّف والمهيأ للقفز بالأردن إلى المستقبل، إلى حيث تصنع الفرص بالطموح والابتكار والريادة. وأنا أعرف شباب بلدي جيداً، فنحن لن نرضى للأردن أن يقف مكانه.

جيلنا هو الذي سيغير مجرى الأمور، لكن تحقيق رؤية المستقبل ليست مسؤوليته لوحده. هي مسؤولية مشتركة، مسؤولية القطاع الخاص والعام والمؤسسات الشبابية والمجتمع بأكمله؛ كل له دور ومكان في مسيرة التطوير لأردننا الغالي.

نحن لا نطلب من المجتمع أو المسؤولين أن يخلقوا لنا الفرص، ما نريده هو أن يوفروا البيئة التي تسمح للفرص أن تُخلق؛ بيئةً تستقبل الريادة بأياد رحبة، تحتضن الإبداع بلهفة، وتقدر المواهب. ما نحتاجه هو أن تُترك لنا المساحة لننطلق دون قيود أو محددات، دون كلمات مثل: 'ما رح تزبط'، 'شو بدك بهالشغلة'، 'ما بيصير'، 'دورلك عشغل حقيقي'.

أحياناً، أعند العقبات هي تلك التي نفرضها على أنفسنا: القوالب الفكرية، الأنظمة التقليدية، والأحكام المسبقة التي تكبّل جناحينا وتزعزع إيماننا بأنفسنا. نحن نفتخر بماضينا و بتراثنا، ولآبائنا وأجدادنا فضل كبيرعلينا. لكن إن بقي جيلنا في صراع بين تقاليد وفكر الماضي وبين العصر الراهن بتوجهاته وتقنياته، سنظل نراوح مكاننا. إن لم نتغير ونتطور سنتخلف عن الركب العالمي.

التقاليد والمبادئ الأكثر استدامةً هي التي تتطور وتواكب تغيرات العصر. لذلك، علينا أن نعزز في شبابنا قيم التغيير والتجديد لا الانقياد والتبعية، الانفتاح لا الانغلاق، قيم حرية الاختيار والإبداع لا الاتكالية .هذا ما علمني إياه والدي، سيدنا. وإن لتوجيهات والدي بما لم يقله لي، نفس الأثر والقيمة بما يقوله لي. لم يثقلني يوماً بعبارة 'ما بيصير'، ولم يكبِّل يدي بِـ'لازم'. لم يحدّ من آفاقي، ولم يلزمني. أعطاني مساحةً للتجربة والاختيار. ترددي وعدم يقيني يلاقيه بكلمة 'حاوِل 'أو 'جرِّب'، مدركاً أن قيمة الدروس التي سأكتسبها من الفشل أثمن من النجاح، وأن الخيار مسؤولية. علّمني – زي ما حكى من قبل – إنو عمري ما أقبل بـِ 'تسء' كرد!.

أيها الكرام، دائماً نسمع بأن الأردن فقير بموارده، وكبرنا ونحن نعتز بأن الإنسان هو أغلى ما نملك. ونسمع أن الشباب هم المستقبل. لكننا بحاجة ماسة للإيمان بهم وبهمتهم. فمثلاً شباب الأردن يساهم بأكثر من ثلاثة وعشرين بالمئة من المشاريع الريادية في تكنولوجيا المعلومات في العالم العربي، مع أننا نشكل ثلاثةً بالمئة فقط من سكانه.

التواضع صفة حميدة، إلا عندما يتعلق الأمر بطموحنا لأردننا. فكم من دولة استطاعت إنعاش اقتصادها؛ دول مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية تفوقوا اقتصادياً على دول غنية بالموارد الطبيعية برؤية ثاقبة، وبحفنة من الإيمان وكثير من الهمّة ! والتاريخ يسجل لنا بأن لا همّة تضاهي همّة الأردنيين.

أعزائي الطلبة، في خارج أسوار هذه الجامعة توجد فرصة تنتظر أن تصنعوها؛ أخرجوا من هذا الصرح وفي داخلكم شعلة متقدة وعطشى للعمل في العالم السريع، ولا تدعوا القوالب تحدّكم، ولا تدعوا الحواجز توقفكم، تجاوزوها فالركود هو عدونا الأكبر.

الأردن بانتظار وهج همتكم، وهو ينظر إليكم بعيون ملؤها الفخر والكبرياء. و يرى – كما أبواكم – بأنكم أكبر إنجازاته وامتداده في هذه الدنيا. آمنوا بأنفسكم وبأحلامكم، فكلما ترددتم نصيحتي لكل واحد منكم: تجرَّأ، جرِّب.

بارك الله بكم وبهمتكم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته'.

نيسان ـ نشر في 2018-07-02 الساعة 17:29

الكلمات الأكثر بحثاً