اتصل بنا
 

ترامب يغازل بوتين في هلسنكي

صحفية وكاتبة عربية

نيسان ـ نشر في 2018-07-04 الساعة 11:05

نيسان ـ

تغازل واشنطن موسكو بعد فترة وصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها «الأسوأ فى تاريخ العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة», فبعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عن ضرورة عودة روسيا الى مجموعة «الثمانية الكبار»، وتصريحات وزير خارجيته مايك بومبيو حول يقينه من ان «حضور روسيا كطرف فى النقاشات الجيوسياسية المهمة أمر لا مفر منه»، وتأكيده على ضرورة عودتها دون ارتباط ذلك بإعادة القرم، وإيفاد واشنطن جون بولتون مستشار الرئيس الامريكى لشئون الامن القومى إلى موسكو للقاء بوتين،يشير الى أن العالم على أعتاب «انفراجة فى علاقات القطبين العظيمين، بما قد ينسحب بالتالى على سياسات واشنطن تجاه الكثير من مفردات العلاقات الدولية والاقليمية، وإن تظل هناك تحفظات كثيرة تحول دون الاغراق فى التفاؤل على سبيل المثال حل الأزمة السورية.

القمة الروسية الامريكية المرتقبة التي أعلنت مصادر الكرملين والبيت الابيض أنها سوف تعقد فى هلسنكى فى السادس عشر من يوليو الجاري لن تكون على نمط القمة التي سبقتها في ١٩٨٦ بين سلفيهما رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف, فالظروف تغيرت لم يعد هناك اتحاد سوفياتي، وعلى رغم ذلك أصبح بوتين في موقع أقوى مما كان عليه غورباتشوف في حينه كما أن العلاقة الشخصية بين ترامب وبوتين، وكل ما يدور حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة ترامب ضد هيلاري كلينتون، والشبهات الجارية حالياً حول الموضوع في الولايات المتحدة، يثبت أن قمة ترامب وبوتين لن تكون مثل قمة ريغان غورباتشوف، حيث غادر ريغان غاضباً وكانت نتيجة اللقاء فاشلة .


القمة سوف تتصدرها الى جانب العلاقات الثنائية، الازمات الاقليمية ومنها الاوضاع فى اوكرانيا وفى سوريا والاتفاق حول البرنامج النووى الايراني, واحتمالية ان يسلم ترامب بمصالح روسيا فى سوريا وخروج قواته من هناك، مقابل تنازلات من جانب موسكو فيما يتعلق بالملف الايراني، فى حدود المسائل المتعلقة بوجود فصائل الحرس الثورى فى سوريا والحد من رغبات اقامة قواعد ايرانية هناك، مع تأمين قوى المعارضة السورية, فقد كتبت صحيفة «واشنطن بوست» ان اتفاقا غير معلن جرى التوصل اليه بين روسيا والولايات المتحدة واسرائيل حول الاعتراف ببقاء بشار الاسد رئيسا لسوريا، مقابل ان تضمن روسيا «الحد من النفوذ الايراني» فى سوريا, كما تناقلت الصحف الروسية ما أشارت اليه «واشنطن بوست»، و»نيويورك تايمز»، و»اندبندنت» حول اتفاق ترامب و بوتين فى توطيد علاقاته مع كل بلدان منطقة الشرق الاوسط، بغض النظر عن خلافاتها وتناقضاتها الداخلية, ولكن المشكلة تكمن في التعهدات الروسية فروسيا اليوم حليفة لنظام الأسد، لكنها تعطي أكثر من طرف تعهدات لا تتمكن من التزامها. فمن جهة هي حليفة لإيران في إطار آستانة وتعمل معها على تخفيف التصعيد في سورية، وتعد أنها ستعمل مع إيران لتعزيز الدولة والنظام في سورية، وفي الوقت نفسه تقول للأميركيين والإسرائيليين إنها ستعمل لردع الإيرانيين وإبعادهم عن سورية, وفي شمال سورية تقول روسيا للأكراد اطئنوا لحمايتنا وسنقوم بوساطة بينكم وبين النظام للحصول على اعتراف بسلطتكم الذاتية. وفي الوقت نفسه تطمئن الأتراك أنه لن يكون هناك أكراد في الشمال يشاركون بالمفاوضات.


روسيا تقدم منذ فترة تعهدات بضمانات لأكثر من طرف في سورية من دون الالتزام بها, وأحد أهم البنود في القمة المرتقبة سيكون طلب ترامب إخراج إيران. فكيف يمكن لروسيا إخراج إيران من سورية في ظل علاقة عضوية وثيقة بين نظام بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني؟ خصوصاً أن قاسم سليماني هو الذي ساهم في شكل كبير في طلب التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية، لأن الجيش السوري كاد ينهار من دون هذا التدخل, فايران لن تخرج من سورية بالضغط الروسي لأن تمددها في سورية والعراق ولبنان تم بسبب ضعف السلطات المحلية والفساد المنتشر في هذه الأماكن، وخصوصاً بسبب السياسة الأميركية في عهد أوباما وغياب أي مواجهة عربية لهذا التمدد. فقد يتعهد بوتين بالعمل على إخراج الإيرانيين من دون أن يتمكن من ذلك، مقابل اعتراف ترامب ببقاء القوات الروسية في المنطقة مع احتمال القبول ببقاء بشار الأسد, ففي الواقع ترامب لا يبالي بالوضع الداخلي في سورية ولا يهمه إذا بقي الأسد أو رحل. فهو أصبح مقتنعا بأن الأسد انتصر ولا يزعجه أن يتسلم النظام الجنوب لأن أولوية ترامب هي الانسحاب من الجنوب السوري ومن كل العالم فهو يريد إعادة القوات الأميركية إلى بلدها إضافة إلى أن إسرائيل تفضل بقاء الأسد على وصول نظام إسلامي يهدد مصالحها، ولكنها في الوقت نفسه تريد خروج إيران من سورية , فكيف يحل ترامب هذه المعضلة؟


يرى المراقبون ان قمة هلسنكى لن تسفر سوى عن «مجموعة من اعلانات النوايا «للاستهلاك المحلى والدولي»، وإن كان هناك من يقول انها يمكن ان تصل الى اتفاق حول تشكيل مجموعات عمل سوف يُعْهَد اليها الدراسة والفحص والبحث عن حلول للقضايا الخلافية. وفيما يعيد بعض المراقبون الى الاذهان قمة ترامب مع زعيم كوريا الشمالية، التى حاول الرئيس الامريكى ان يضفى على نتائجها الكثير من «الايجابيات» التى لم ير العالم منها بعد، سوى انها كانت اعلانا عن «نزع فتيل المواجهة والتوتر» بين الرئيسين والبلدين، بمساعدة صينية روسية, ويرى آخرون أن الإتفاق حول عقد القمة المرتقبة، اعتراف ضمنى من الجانبين بالاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة، وإن كانت الظروف الدولية تقول إن الوقت لم يحن بعد للكشف عن المدى الذى يمكن ان يقطعه كل من الجانبين على هذا الطريق، وكذلك عن الموضوعات والقضايا التى يمكن ان تكون محل نقاش وجدل فى هذا الصدد.

عموما، الاتفاق على موعد عقد القمة يبدو وكأنه مغازلة صريحة لبوتين. فقد رفض الرئيس الروسى موعد 15 يوليو الذى عرضه الامريكيون بسبب عدم امكانية ان يظل ترامب بعيدا عن الولايات المتحدة مدة ثلاثة ايام بعد قمة بروكسل وزيارته بريطانيا، وهو ما اضطر الى قبوله نزولا على «اصرار» بوتين على البقاء فى موسكو فى هذا التاريخ الذى يوافق موعد اختتام بطولة العالم لكرة القدم-2018 التى نظمتها روسيا .

نيسان ـ نشر في 2018-07-04 الساعة 11:05


رأي: كرستينا مراد صحفية وكاتبة عربية

الكلمات الأكثر بحثاً