اتصل بنا
 

ترامب يعمق عزلة بلاده

كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

نيسان ـ نشر في 2018-07-14 الساعة 18:06

نيسان ـ

لو أنهم كلفوني بالتحقيق في ملف الإنتخابات الرئاسية الأمريكية - التي جاءت بترامب المتمسح بالمسيحية الصهيونية 'الإنجليكانية' وبالجمهوريين ،لمعرفة كيفية نجاحه فيها ،والوقوف على ما يشاع أنه دور للرئيس الروسي بوتين أتقنه ،بتزوير الإنتخابات وقرصنة أصوات الديمقراطيين إليكترونيا وتجييرها لصالح ترامب وحرمان هيلاري كلينتون منها- لما قمت بفتح أي ملف يتعلق بالإنتخابات والتحقيق فيه ،شرغم أن المحقق ميللر وجه اليوم إتهاما ل 12 ضابطا إستخباريا روسيا بهذا الخصوص.
وكنت فقط سأهتم بمراقبة تصرفاته رئيسا في البيت الأبيض حصر مهمته في فقط في كيفية عزل بلاده عن العالم ،وتعميق خلافاتها مع الجميع ،وتحويل حلفائها إلى أعداء والقائمة تطول والشواهد كثيرة ،ناهيك عن جهله بألف باء السياسة والرئاسة على حد سواء،وإفتقاره للكياسة في تعامله مع الآخرين ،وتعمده إظهار نفسه أمام الاخرين كبلطجي سمسار وبائع عقارات يبحث عن القومسيون.
ما يربطه بأمريكا التي هي بلده انه يدير أموره الخاصة من داخل البيت الأبيض وهو مقر رؤساء أمريكا على مر الزمن ،ولكنه لم يظهر يوما حرصه على مصالح بلاده ،وكان يتقصد الإساءة إلى الجميع ،والظهور بمظهر المكلّف بإحداث شرخ بين أمريكا والعالم ووجه الإهانات للجميع بمن فيهم الأفارقة وهو يزورهم أي انه لم يراعي تقاليد الزيارات والضيافة،وخلق حالة داخلية تدفع الأمريكيين إلى المطالبة بالإنفصال الذي بدأته ولاية كاليفورنيا من خلال حملة 'نعم كاليفورنيا'.
كافة تصرفات ترامب تدل على أنه يتصرف بتوجيهات خارجية، تهدف لخلق الخلافات وتصعيدها بين أمريكا وحلفائها وأصدقائها السابقين، وحتى بعض أعدائها الذين بدلا من محاورتهم ،قطع الطريق معهم وأعلن عداءه السافر لهم وهو يعلم أن بلاده قررت عدم خوض أي حروب بعد ما تكبدته من خسائر جسيمة في أفغانستان والعراق.
كان ترامب في غاية الصراحة والوضوح في نهجه الجديد، وهو انه راعي بقر يتقن فن الحلب وتجفيف الضروع ،وقال في حملته الإنتخابية عام 2016 ،أن الدول الغنية الضعيفة يتوجب عليها مضاعة فاتورة الحماية في حال رغبت البقاء ضمن مظلة الحماية الأمريكية ،وكان يقصد بطبيعة الحال كوريا الجنوبية واليابان ،ودول الخليج العربية ،وعلى الفور ظهر 'العدو' الكوري الشمالي في شبه الجزيرة الكورية ،و'العدو'الإيراني ' في منطقة الخليج،وبالفعل فإن ترامب أتقن فن الحلب ،رغم أن كوريا الجنوبية لم تشف غليله كما حصل في المنطقة العربية .
لقد تطوع البعض من المراهقين سياسيا في الخليج بتقديم ضروعهم لترامب كي يحلبها دون مراعاة لظروف الحلب أو توقيته ،إلى درجة أن ترامب مارس الحلب الجائر،مقابل أن يقف معهم ضد إيران، وقد فعل بإنسحابه من الإتفاق النووي الإيراني'5+1'،ووضع المنطقة في كف عفريت، خاصة بعد أن طلب منه التضييق على إيران بفرض عقوبات إقتصادية عليها ومنعها من تصدير نفطها،وها هي تهدد بإغلاق مضيق هرمز في وجه ناقلات النفط العالمية في حال تم منعها فعلا من تصدير نفطها.
قبل يومين مارس ترامب السفاح في علاقات بلاده مع حلفائه الأوروبيين ،عازفا على وتر مظلة الحماية الأمريكية لأوروبا،وتفجر الخلاف مجددا في إجتماع النيتو الأخير حيث هاجم اوروبا مجتمعة وهدد بسحب القوات الأمريكية من الحلف ما لم تضاعف أوروبا مساهماتها فيه .
وفي نفس الوقت شن ترامب هجوما غير مسبوق على المانيا لأنها وقعت على إتفاق مع روسيا لإقامة خط الغاز المعروف بإسم' تورد ستريم'،واصفا الإتفاق بأنه غير ملائم،ملقيا باللوم على ألمانيا التي ستدفع المليارات والمليارات من الدولارات لروسيا ،مذكرا بطريقة فجة أن امريكا هي التي تحمي كلا من المانيا وفرنسا على حد سواء .
قبل ذلك مارس ترامب لعبة تفجير القنابل عندما إختلق خلافا إقتصاديا سيؤدي إلى حرب إقتصادية على الصين،من خلال فرضه رسوما إضافية على المستوردات الأمريكية من الصين تقدر ب 200 مليار دولار ،وسط رفض ومعارضة الصين بطبيعة الحال، والتي لو طالبت بسحب إستثماراتها في امريكا لعرّضتها للإنهيار، لكنها لن تفعل لنها غير قادرة على ان تكون القوة العظمى البديلة لأمريكا في حكم العالم.
حرائق ترامب السياسية طالت العلاقات الأمريكية الملتهبة أصلا مع كل من كوبا وفنزويلا والمكسيك ،وقام خلال زيارته بالأمس إلى بريطانيا بصب الزيت على النار لإحراج رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي التي تعاني مشكلات حادة جراء إنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي،من خلال تصريحات خلت من اللباقة الدبلوماسية.
تعامل ترامب مع حلفاء وأصدقاء أمريكا بطريقة الإبتزاز وأنهم زبائن محتملين للحلب لا حلفاء او شركاء مصير،وحولهم إلى أعداء وخصوم يضافون إلى طابور اعدائه الطويل الذي تشكل منذ اليوم الأول لتربعه على سدة الحكم في البيت الأبيض من أفريقيا إلى اوروبا إلى شبه الجزيرة الكورية إلى الخليج والشرق الأوسط وفي امريكا نفسها ،إلى درجة ان سقوطه المدوي القريب سوف يرهق أعداءه وينهكهم عندما يحتفلون بسقوطه.
أثبت الرئيس الروسي مرارا وتكرارا أن ترامب هو صنيعته ،ولذلك حرك ضده في البداية كلعبة مكشوفة رئيس كوريا الشمالية الذي كان يخرج علينا كل يوم بصاروخ باليستي جديد ،وهدد بشطب امريكا على الخارطة وهذه سابقة غير مسبوقة ،ناهيك عن شتمه لترامب ووصفه بالعجوز الخرف،لكن الرئيس بوتين اكمل لعبته بإتجاه معاكس ،خدمة لصنيعته وحول الرئيس الكوري الشمالي من أسد هصور إلى حمل وديع ،قبل الإجتماع مع ترامب ووافق على تفكيك برنامج بلاده النووي ،وكان ذلك يصب في مصلحة ترامب ليقال أنه أنجز ما لم ينجزه أحد من أسلافه بأن إلتقى الرئيس الكوري الشمالي ودجّنه.
لم يسلم حتى الأردن من أذى ترامب مع انه يصنف نفسه على انه صديق لأمريكا ،وها هو ترامب يتحالف مع أعضاء صفقة القرن الصيونية ،ويهدد الأردن الرسمي ويضغط عليه لقبول صفقة القرن والتنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات العربية في القدس المحتلة،ويؤيد حصاره ماليا للضغط عليه وضربه في مقتل.
وبنظرة سريعة إلى اداء ترامب يجد أنه يعمل وكيلا لتنفيذ أجندات كل من بعض دول الخليج العربية ومستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية النووية والرئيس الروسي بطبيعة الحال ،وسوف تخسر أمريكا كثيرا في كل يوم يقضيه ترامب في البيت الأبيض .

نيسان ـ نشر في 2018-07-14 الساعة 18:06


رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

الكلمات الأكثر بحثاً