هي جولةٌ...

لعلّ في رمزية نبش قبر الطفل الشهيد حمزة الخطيب ودخول المسجد العمري في درعا البلد، ما يكفي، وقد يفيض، أن هذه الجولة انتهت بما آلت إليه.
أولاً لا بد من اعتراف الجميع بانتهاء هذه الجولة. ثانياً يجب التمسك بإيمانٍ قطعيٍّ حاسم يقينيّ أن انتهاء جولة لا يعني اندحار ثورة السوريين، لا يعني أنّ: 'إرحل.. إرحل.. يا بشار' قد عادت بلا معنى ولا صدى ولا منجزاتٍ على الأرض. وفي مقدمة هذه المنجزات، ثالثاً: كسر تابو الخوف الذي كان معشعشاً في وجدان الشعب السوري العظيم. نحتاج، رابعاً، إلى مراجعةٍ شجاعةٍ واعيةٍ علميةٍ نقديةٍ صريحةٍ واضحةٍ لما كان، تمهيداً لما سوف يكون.
الثورة لا تموت.. الحق لا ينتهي بالتقادم. الحرية ليست إكسسواراً يمكن وضعه فوق تابلو السيارة أو الاستغناء عنه. الكرامة غير قابلة للتفاوض. دمُ الشهداءِ دمٌ ليس ماءً ولا كهرباء ولا خيمةً أو حصةً أو حفنةً من دولارات الإغاثة والتعويض والنسيان. (الدمُ ليس مفوضيةً أيها السوريون).
ما خرج الناس من أجله ليس موقفاً طائفياً، ولا مطلباً مناطقياً، ولا حاجة يمكن تحقيقها بتبديل المواقع أو تغيير الولاءات، وعليه، فإن ما خرج الناس من أجله لا يموت ولا ينتهي ولا يخفت. كل ما في الأمر أن الدول فتحت أبوابها للضياع، والناس فقدت بوصلاتها في بحار الغرق، وأن شبابنا الحيّ النابض الغض الباحث عن فرصٍ للبهاء، أغرى ترهل أوروبا وشيخوخة بلادها وناسها.. فاندفعنا دون أن يعد أحدنا حتى الثلاثة وليس العشرة.. وصار أهل البلاد يتواصلون من عواصم وقواسم غير مشتركة، ويتباهون: لك إلّي شو أخبار الألمان؟ لك عن جد السويد أحلى.. طيب خلص أنا بدي السويد ما بدي كندا.. وعن جد والله شو بلجيكا مو زابطة.. شو رأيك تجرب هولندا؟ طيب تعال شو بدك باسطنبول الله يلعن أبو اسنطبول على أبو السلطان.. ويا عمي باريس أحسن من مارسيليا لك عن جد يعني ما بتعرف.. فإذا بالناس (اللي بئيوا) مضحكة للكون.. وإذا بأمراء الحرب باتوا أكثر طغياناً وجهلاً بمرتكزات الثورة وثوابتها وأسباب قيامها. وعليه: فإن سوريي الخارج مطالبون بالعمل الحقيقي المخلص الجاد الدؤوب لتوضيح الثورة واستجلاء أسبابها، وكشف دور إسرائيل في تحطيم مجاديفها.. (إسرائيل بالمناسبة ليست رقماً صعباً لا حلّ له).. على السوريين في عشر دول أوروبية على الأقل، العمل من أجل كرامة وطنهم وناسهم وآهاتهم.. عليهم أن يضغطوا من أجل موقف دولي محترم عادل. عليهم أن يمارسوا ضغوطات في أمريكا.. على قيادات المعارضة أن تتحول من مرتزقة إلى قياداتٍ وطنيةٍ شريفةٍ نظيفةِ اليد والقلب واللسان. على الشعب السوري أن يتواضع داخلياً على الأقل، بعيداً عن النميمة والضرب تحت الحزام وتصغير الآخر حتى لو كان ممن قدم تضحيات.. عليهم أن يقبلوا شروط الديمقراطية ومخرجاتها، فقد مضى عهد الديكتاتوريات.. أو على الأقل.. استطاعوا أن يخلقوا مسافة ممكنة بينهم وبين طغيان الرأي الواحد الهالك..
لقد انتهت معركةٌ من معارك الحرية والكرامة والتخلص من الطاغية الصغير.. لكن الحرب لم تنتهِ. نقطة آخر السطر.