اتصل بنا
 

الرزاز بين طموح المنادين بالمدينة الفاضلة وواقع طواغيت المال العام

خبير التدريب والتطوير

نيسان ـ نشر في 2018-07-31 الساعة 14:34

نيسان ـ

ما اشبه اليوم بالأمس وان اختلفت الازمان والدول والثقافات لمن قرأ الحقب التاريخية التي مرت بها اوروبا بعصور الظلام وواقعنا العربي بشكل عام والاردني بشكل خاص، سيجد ذلك واضحا جليا، لقد وصل الأمر في اوروبا أبان العصور الوسطى الى قيام رجال الدين ببيع الناس صكوك الغفران مقابل مسح ذنوبهم' وشراء قطعة ارض في الجنة، لكن في نفس الوقت أنعم الله عليهم بمجموعة من المفكرين وقادة الفكر امثال ارسطو، سقراط، افلاطون وآخرين، حتى استطاعوا ان يشكلوا حالة من الوعي الجمعي للنهوض، وتحرير الناس من فكر العبودية والاقطاع والوقوف في وجه الظلم والاضطهاد الذي مارسه رجال الدولة والدين انذاك مستغلين حالة الجهل والتجهيل لأفراد الرعية.

كل ذلك حصل ويحصل لهذه الدول وغيرها اليوم؛ بسبب غياب المنظومة القيمية وعلى رأسها القيم الجوهرية العليا مثل العدالة والمساواة التي تبنى على اساسها قواعد الحكم السليم وبها تقوم الدولة المدنية ليسود حكم القانون لا الاشخاص وفي ظلها تتحقق الغايات العليا للإنسان على الصعيد الفردي والجماعي، ما اثار انتباهي مقال للدكتور فارس بريزات، نشر في صحيفة الجوردن تايمز تحت عنوان 'ولي العهد والتقنية واللامساوة،' حيث تطرق الكاتب الى المظالم المجتمعية والفردية؛ المخفي والمعلن منها والشعور المتنامي بعدم المساواة بين المواطنين، وما ينذر عنه من خطر قادم ؛ قد يجب الأخضر واليابس، مشيرا الى ارتفاع النسبة المئوية بعدم وجود المساواة في الأردن' من 13 بالمائة عام 1999 إلى 30 بالمائة عام 2018 مع انخفاض النسبة المئوية للذين أفادوا 'بالمساواة إلى حد كبير' من 20 بالمائة عام 1999 إلى 7 بالمائة عام 2018؛ موضحا أن صناعة الشعور بعدم المساواة اخذت عقودا من الزمن' أي أنه أصبح شعورا متجذرا لدى المواطن ومعتقداته عن السلطة الحاكمة وهذا من المحتمل أن يستغرق عقودا من الزمن لتغيير تلك القناعات الراسخة ، ولحل هذه المشكلة يتطلب استخدام طرق مختلفة عن تلك المستخدمة في إنشائها، مما يتوجب على جميع مخططي السياسات وصانعيها ومنفذوها أن يهتموا بما يمكن أن يكون في المستقبل.

يقف اليوم دولة عمر الرزاز امام كل هذه التحديات التي اصبح لها جذور عميقة وراسخة يصعب على من كان يكون استئصالها دفعة واحدة دون حصول ردات فعل قد تخدم مخططات يحاك لها في بيئة ملتهبة دوليا واقليميا ومحليا.

نعم ان الرجل الذي جاء على اثر هبة شعبية اطاحت بسابقه نتيجة العشوائية والتخبط في اتخاذ القرارات التي من شانها ولدت الضغط على اعصاب المواطن وزيادة في حجم فحوة انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، لا سيما ان الرزاز في كل تعابير وجهه تشير الى جدية الرجل لإعادة القطار إلى السكة من جديد ؛ لكن الرجل يكاد ان يعوم ويجدف في بحر هائج متلاطم الامواج لوحده، خصوصا ان فريقه يكاد يخلو من التناغم المعرفي والمهني والرؤية المشتركة بين الاعضاء والرأس وهذا قد يؤدي الى خلط وعدم وضوح في الرسائل التي يجب ان يتم التعامل معها بحذر شديد والسير قدما اسرع من سير السلحفاه التي لا تخدم الموقف، خصوصا ان هناك شارعا متاملا كثيرا في دولته الذي يكاد أن يكون الرئيس الثاني في تاريخ الاردن بعد الحكومة الوصفية وهذا الشيء لا زال تحت الإختبار ، لكن هناك من يرى في حكومته ان البعض منهم من بقايا الغساسنة والمناذرة مما قد يعمل على الشد العكسي لاداء حكومة غارقة في ملفات ضخمة من الفساد والاسعار والعجز في المديونية على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي يكفيها هم التعامل مع صفقة القرن التي من الممكن قد تغير وجه الزمان في لحظة ما والايام حبلى بالأحداث.

دون ادنى شك ان الرزاز في موقف لا يحسد عليه، رجل ينحدر من عائلة عريقة لا يمكن باي حالة من الاحوال ان يضحي بتاريخها السياسي والفكري، الا انه اليوم يتعامل مع ملفات كبيرة لطواغيت المال العام المتجذرة واحلام الشباب والمناضلين الحالمين بالمدينة الفاضلة التي تقوم على المساواة والعدالة والدولة المدنية بالمعنى الحقيقي ، كل هذا وذاك يحتاج الى انسان عينه لا تعرف النوم واذانه وعقله يمارس مهارة الانصات باحترافية ليمييز تماما بين الغث والسمين، ولديه من الحنكة والدهاء في قلب الطاولة والانتصار للمظلومين وأنا لا أشك بقدرته على ذلك.

الحلول كثيرة ولكن الحكمة تقتضي اختيار الحل الانسب للمرور بسلام ، خصوصا ان الحكومة تحمل هموم وملفات وتراكمات قديمة وتركة ثقيلة، هنا أرى ان امامها خيارين ،الاول : يتمثل باتباع اسلوب الهندرة الادارية في كافة مؤسسات الدولة من حيث اعادة النظر بشكل جذري بكل ما هو قائم ونسف ماهو قديم واعادة البناء من جديد وفق تقنية وتكنولوحيا العصر وتحمل نتائج ادارة التغيير التي ستكون هناك حالة مقاومة شرسة،اما الخيار الثاني يتمثل بانتهاج الاسلوب المباشر الذي قد يلامس ويداعب مشاعر الشارع الملتهب بالتعامل مباشرة مع ملفات الفساد والفاسدين، استشهد هنا بما ورد في مقال البريزات حيث اشار الى نتائج أخر استقصاء لـ NAMASIS ، بإن أكثر من 80 بالمائة يعزو عدم قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الى الفساد واللامبالاة الحكومية ، بينما تعزوها أقلية صغيرة إلى نقص الموارد.

لذا بات من الضروري الاتجاه نحو الخيار الثاني لاستعادة الثقة بين المواطن والحكومة، حيث ان الاغلبية العظمى تبحث عن حلول لمشكلة الفساد التي باتت شبحا يطارد الأردنيين حتى في منامهم، والا سوف نبقى ندور في حلقة مفرغة والاتجاه نحو الأسوأ، ويحبط معها من لديهم بصيص أمل والحماس نحو النهوض للأفضل وبذلك نحقق غاية من يسعى إلى تدمير الثقة على الصعيد الشخصي الذاتي والجمعي.

نيسان ـ نشر في 2018-07-31 الساعة 14:34


رأي: د.. توفيق العجالين خبير التدريب والتطوير

الكلمات الأكثر بحثاً