أشياء لا تَموت

نيسان ـ أشياء لا تَموت
كيف للحظةٍ أن تَدوم للأبد ،
كيف للمحةٍ أن تَرسخُ بالجفنِ ،
كيف لخُطوةٍ أن تَقفُ وقفةً أبديّة ، دون حِراك ،
كَيف للأشياء أن تَعلقُ هكذا ،
لما أراها ثابتة ؟
(( لقد مَرّ وقتٌ طويل عليها ، عَشر سنواتٍ مدةٍ كفيلة بأن تُغيّر أيّ شيء بالحياة ، عدا هي ما زالت كما هي ، تَحملُ نفس الحُزن الذي كنتُ أسمعهُ في العُود ، تَحملُ نفس الوَّشة و نفس البَحّة و نفس الصوتُ المَهدود ، هذه الأغنية التي أَخذتني نَحوي ، نحو ( وادي اليِتم ) ، ذاك السُور من الجبال ، و ذاك الطريقّ الوحيدٌ كشجر الصحاري و رمل النهار ، نحو وجه أبي من مرأة السيارة ، و النظرة المُبتَسِمة الذي كان يَرمُقني بها ، كلما بدأت الأغنية أخذَ يُغني مع ( علي الأنسي ) رافعاً صوته عند مقطعي المُفضل و الذي يقول : " أماان يا نازل الوادي أمااااان ، أنا يا أبوي أنااا " ، هذه الأغنية التي كنتُ أسمعها للتو جعلتني أشعُر و كأن كل شيءٍ بَقيّ كما هو ، كما تَركتهُ أخر مرة ، كأنما لا شيء تَغيّر، كأنما لا شيء كَبُر و كأنني لم أكن يوماً سوى لقطةُ واحدة تتكَرر ))
قَد تَمُرُّ أعواماً على كثيرٍ من الأشياء التي تَظن للحظةٍ ما أنك تجاوزتها بأمان ، ثُّم برمشةِ عَين و من دون مقدمات يتلاشى كل ما أصلحتهُ في نفسك ، و تَعود لشخصٍ ما ، لزمانٍ ما ، بأغنيةٍ قَد سَمعتها فالشارع ، بكلمةٍ قَد قيلت مُزاحاً ، برائحةٍ عابرة ، بنبرة صوت شخصٍ لا تعرفهُ ، بلون قميصٍ عُرِضَ على لافتة ، بشيءٍ أصغر مما تتخيل ينقُلك لمكانٍ أخر دون أن يُحركَ فيكَ ساكناً ، ولا مجال للهرب ، ثَمة اشياء لن تجد منفداً منها مهما بحثت ، في هذه الحياة ثمة أشياء تظلُ كما هي ، أشياء لا تموت .