اتصل بنا
 

مصر بين العصيان المدني للاخوان والتمرّد المسلّح لداعش

كاتب تونسي

نيسان ـ نشر في 2015-07-07

نيسان ـ

عند عودتى من زيارة مصر سنة 2012 كتبت :"مصر لا يمكن حكمها الاّ من طرف الاخوان او العسكر او العسكر بالأخوان او الأخوان بالعسكر".

وكتبت أيضا : "من يسيطر على القاهرة والأسكندريّة يسيطر على مصر" .

استنتاجاتى جاءت بعد زيارة القاهرة والإسكندرية والإسماعليّة والشيخ زويد والعريش وصولا الى رفح ومنها الى عزّة .

كانت حينها "الثورة المضادة" فى أوجّ قوتها نتيجة عجز الاخوان عن السيطرة على الشارع والادارة ومفاصل الدولة .

بعد نكسة 1967 كتب الصينيّ"ماو تسيتونغ" الى الرئيس جمال عبد الناصر ينصحه فيها باستخدام مهرّبي سيناء فى حرب عصابات لاستنزاف العدوّ الصّهيوني .

كان لبدو سيناء دور كبير فى حرب الاستنزاف التى خاضتها مصر ضدّ "إسرائيل" بين سنوات 1967 و1973 ... ساهم البدو حينها فى جمع المعلومات عن العدوّ وفى العمليات الميدانيّة التى فيها المعلن عنها وفيها ما بقي الى الآن طي الكتمان .

بذكاء وحذر وعين مغمضة وعين مفتوحة كانت المخابرات المصريّة سنوات حكم مبارك تتابع تهريب بدو سيناء للسلاح ومواد اخرى الى قطاع غزّة ... سلاح قادم من السودان وليبيا وايران .

للتّاريخ وفى عهد الرئيس حسنى مبارك ورغم "معاهدة السلام" كان الجيش المصريّ يعتمد "الجيش الاسرائليّ كعدوّ اصطلاحي سواءا فى الدّروس النظريّة أو فى المناورات الميدانيّة ... جيش مصر كان من الجيوش العربيّة القليلة التى كانت تعتمد "اسرائيل" كعدوّ اصطلاحيّ .

الرّئيس مبارك وضع يده على رقبة حماس دون ان يخنقها والرئيس السّيسي أراد خنق حماس دون النجاح فى وضع يده على رقبتها.

المعارك بين كتائب القذّافى والثّوار بليبيا سنة 2011 أظهرت أهميّة سلاح جديد دخل المعركة لاول مرّة فى التاريخ وهو السّيارات الرّباعيّة الدّفع التى تتميّز بالسرعة والمرونة وسهولة الاستعمال وتعدّده ... هذه السيارة نقلت الجماعات المسلّحة من المشاة الراجلة الى المشاة المحمولة ... المهرّبون يدخلون بسياراتهم الى معركة لم يكونوا يتصوّرون فاعليتها فى مواجهة الجيوش التّقليديّة .

ان كان "الهاون" هو مدفعية الفقراء فإن السيارة الرباعية الدّفع هي دبّابة الفقراء .

بحكم معرفتهم بجغرافية شبه الجزيرة وكذاك تأقلمهم مع مناخها القاسى احترف بدو سيناء التّهريب بين مصر وغزة والسعودية والاردن محتلّين مربّعا جغرافيّا استراتيجيا متحكّما فى أمن المنطقة .

الزائر لسيناء يلاحظ تهميش الدولة لهذا المجتمع القبلى شأنها شأن اغلب الدول العربية بشكل جعل الولاء القبلى فى الصحراء هو الاساس على حساب الولاء للدولة المركز .

أول ما وصل الرئيس السيسى الى السلطة حاول خنق حماس دون تمكّنه من وضع يده على رقبتها وذلك إرضاءا لقوى خارجيّة على حساب مصلحة مصر وجيشها ... كان قرار غلق الانفاق والمعبر وحرمان مهرّبى سيناء من الاشتغال فى التهريب بداية شرارة الازمة فى المنطقة ... واخيرا كان قرار ترحيل البدو من رفح وهدم مئات المنازل هناك القطرة التى افاضت الكأس وجعلت القبائل تتمرّد ويعلن عدد هام من شبابها الولاء لتنظيم الدولة الاسلامية داعش .

شباب التنظيم فى سيناء اعتمد على تكتيك المهرّبين فى مهاجمة 15 عشر نقطة بسيناء فى هذا الاسبوع معتمدا على المفاجأة والتنسيق والمرونة ... هجمات على نقاط تفتيش ومراقبة ونادى للضباط ومراكز أمنية ... هجوم أدّى الى خسائر فادحة للطرفين .

الهجمات النوعيّة جعلت ناتانياهو يتحرّك ويسرع الى تصريح مفاده ان داعش وصلت الى الحدود الجنوبية الغربية لفلسطين المحتلّة وباتت تشكّل خطرا على أمن "إسرائيل" .

داعش تعلن الحرب على حماس فى القطاع وتتمرّد على اتفاقيات وقف اطلاق النار وتنذر الحركة بالاقتلاع من الجذور فى سابقة خطيرة تشهدها غزة ... داعش تعلن الحرب على جيش مصر وتشن ضده عمليات غير مسبوقة جعلت وزير الدفاع المصري يصرّح بأن البلاد فى حالة حرب ... داعش تطلق مجموعة قليلة من الصواريخ على الاراضى المحتله دون خسائر تذكر .

داعش تحارب على أكثر من جبهة وبنفس التّكتيك واعتمادا على اسلحة متشابهة أيضا .

خطأ السيسى الكبير انه فتح اكثر من جبهة داخلية بشكل قد ينهك أبطال أكتوبر الذين يتصدّرون مشهد القوة فى ترتيب الجيوش العربيّة ... حرب على الاخوان وداعش وليبيا واليمن مع علاقات غير مستقرة مع السودان .

لو أظهر السيسى المرونة التى اظهرها مع الايثوبيين والتنازلات التى قدّمها لهم مع خصومه فى الداخل وكذا دول الجوار لكان افضل من فتح اكثر من جبهة على بلد كبير حدودة طويلة ومن المستحيل مراقبتها كلّها .

جيش مصر الذى تربّى وتعلّم بأن "اسرائيل" هى عدوّه الرئيسيّ يتألم نتيجة حرب استنزاف داخلية تشنّ ضدّه تلبية لأجندات خارجية ولتصرّفات مزاجية لقوى داخلية لم تطوّر فكرها بشكل يلائم الوضع العالمى الراهن .

مصر تعانى من اخطاء ارتكبها الاخوان زمن استلامهم للسلطة نتيجة عدم نضجهم السياسيّ وعدم تجاوزهم لعفليّة الجماعة الى مرحلة الحزب وبالتالى مرحلة الدولة .

مصر التى عجز فيها الاخوان على تنظيف الشوارع واخراجها من سيطرة البلطجيّة ... كان ذلك كفيل باقرار فشلهم فى ادارة الدولة .

مصر تعانى الان من اخطاء قادتها وسياسييها الذين يرفضون اي وساطة مع الخصوم ويمضون فى تعنّت قد يدفع ثمنه اقتصاد مصر وشباب مصر وجيش مصر وبالتالى استقرار مصر .

الوضع خطير جدا وقابل لكل الاحتمالات فى اي لحظة ...

الجزائر رفضت محاولات جرّها الى اي مستنقع خارجى فى قرار حكيم يعكس قراءة جيّدة للحالة العامة فى وقت يجرّ فيه جيش مصر لحرب ليست حربه .

مصر التى كان يستحيل حكمها الا من طرف العسكر او الاخوان يبدو ان طرفا ثالثا بدأ يدخل على الخطّ ... تنامي كبير لعقليّة العنف الثورى عند عدد من قواعد الاحزاب الشعبية المصريّة .

مصر التى كان الذى يتحكّم فى القاهرة والاسكندرية يتحكّم فيها يبدو ان سيناء دخلت كطرف ثالث مع اكبر مدينتيها ...

التّنازلات الشجاعة من كل الاطراف ضرورة ملحّة لاخراج البلاد من عنق الزجاجة ... والاشتراك فى الحكم والقرار تفرضها طبيعة مرحلة حساسة من تاريخ مصر وأمّتها .

مصر اكبر من السيسي ... مصر أكبر من مرسي ... مصر أكبر من مبارك ... مصر أكبر من السادات ... مصر أكبر من عبد الناصر .

مصر أكبر من مصر ...

نيسان ـ نشر في 2015-07-07

الكلمات الأكثر بحثاً