اتصل بنا
 

ريت المنايا يا سلامه...

نيسان ـ نشر في 2015-07-07 الساعة 03:21

x
نيسان ـ تفتحت عينا الفتى على "وادي الرميل"، ذلك الوادي الذي طالما حابى الصحراء وحماها من زحف الهضاب ومن نظرتها المتغطرسة المتعالية، فظل يواظب على ما تيّسر من الجريان، كأنه قسطاس يفرز بين برزخين، فلا الصحراء تبغي على الخضار، ولا الهضاب تنظر بعين المتعالي الى جارتها، فوقف الوادي الشحيحة مياهه بينهما على الحد، كأنه حارس يقف ضد البغي والتعدي والتطاول. من هناك، في الزاوية الحادة من سيف الصحراء، وتحديدا في المنعطف شديد الوعورة، انطلق الفتى الى المدائن يحمل وصايا والدته، وزوادته وبعضا من كتب المرحلة الابتدائية. هي الابتدائية، وهي النافذة، وهي المنطلق، وهي العالم الذي تفتح له الآن. وهذا غير المشهدين الذين طالما حاصراه؛ الأول: صحراء ممتدة الى أخر الشرق، دأبت الشمس على الإتيان من خلفها مع كل طالعة نهار، والثاني، هضاب جرداء واجهت الصحراء بما اكتست به من شجيرات الوسبة والشيح والقيسوم، ظلت تبتلع الشمس كل مساء. اقتحم الداخلية متسلحا بما وشحته به الشمس، وباسمه الذي ثبت أن له منه الكثير من النصيب، وقد تجاوز المفازة ويبابها وغبارها وقسوتها، ووصل الى العالم المترف في عمان، ليكتشف أن القصة أكبر من ترسيم الطبيعة وتثبيتها لوادي الرميل كحل دائم بين برزخي الوهم. أتى وكأنه إجابة حلم وشكوى تحققَت للأردنيين، وقد غنّوا له منذ زمن بعيد بحداء هو أقرب للنواح والنحيب "ريت المنايا اللي تيجي يا سلامة تحوم عالانذال دار بدار" ، والصورة واضحة وبهية ومكتملة الآن، فالأمل أن يكون هو من سيوزع المنايا على دور الأنذال ويحفظ لأبناء الوطن حقهم وكرامتهم. فوقف سلامة كما الرميل بين متناقضين، قضايا شائكة متفجرة متصاعدة في معان، أبطالها قساة تجلل الخشونة أيديهم، سمر يتنفسون القهر، وأخذت منهم الصحراء والشمس على حد سواء كل مظاهر النعومة، لكنها لم تغير طيبة قلوبهم، وطبقة سياسية تكونت من مترهلين بالدلال والفساد، بيضاء ناعمة أياديهم، ويتبرجون بالمخمل، لكن بقلوب قاسية وميتة. تسلل الفتى الذي طالما خبر الصحراء وراقبها الى معان، وهو المالك لمهارات الصحراء فانتزع شأفة الشر وفتيل النار. انتزعهما كما ساحر. فصفقت له عوالم المخمل والمدائن. فهل عارها انتباها؟ إنه لا يأبه بذلك، أو نأمل أنه كذلك، فهو أخبر الناس بذياك البريق الذي ترسله عينا البدوي وهو يِسلم نفسه طواعية، وهو أخبر الناس بخبث النواعم قساة القلوب. نأمل ونتأمل أن يستدير عليهم، وينتزع حق الوطن من بين أسنانهم الشرهة، فمعان مضمونة ولا تحتاج غير جولة من الود ومسح حبات العرق عن جبينها، أما هؤلاء فيحتاجون لجولات وجولات، فليس أكثر من اللص يجيد المراوغة.

نيسان ـ نشر في 2015-07-07 الساعة 03:21

الكلمات الأكثر بحثاً