اتصل بنا
 

عندما يسأل ملك الأردن: 'لوين رايحين؟'... 'صدمة' لعقل الدولة والمجتمع وتشخيص صريح

نيسان ـ نشر في 2018-10-03 الساعة 01:02

x
نيسان ـ «القدس العربي» : بدت ملاحظة استفهامية سياسية تشكل علامة فارقة في المشهد الوطني الأردني: الملك عبد الله الثاني شخصياً وامام نخبة من الكتاب والإعلاميين يسال: «إحنا لوين رايحين»؟
الاستفهام الاستنكاري هنا حقق أغراضه في إحداث صدمة سريعة لعقل المجتمع والدولة معاً وان كان يتعلق حصرياً بمظاهر الانفلات الأمني المجتمعي وليس بالملفات السياسية والمعقدة الشائكة في المنطقة.
ألقى المرجع الملكي سؤاله الاستفهامي الحرج هذه المرة بعد استعراض تفصيلي لبعض الأحداث التي وقعت مؤخراً مثل قتل طفل في حضن أمه وتحطيم مدرسة وطرد رئيس جامعة.
الأهم هو ان الجملة الملكية اعقبت سؤالاً آخر عبر عنه المراقبون ورموز الإعلام الرسمي بدون تأمل: هل نحن في شريعة الغاب؟
القصر المواطن
طبعاً يفترض كثيرون بأن هذا النمط من الأسئلة حصرياً يطرحه المواطن اليوم خصوصاً وهو الطرف الذي يعاني من مظاهر الاستقواء والتنمر على القانون والتي لا تنتج إلا عن شريحة في المجتمع تحظى بغطاء تحت عنوان التفريط بهيبة القانون من داخل الإطار الرسمي وهو ما لمح له الملك ثلاث مرات على الأقل في أحد أكثر لقاءاته مع الإعلاميين إثارة ومصارحة.
بمعنى آخر التشخيص الملكي اليوم يصل إلى مرحلة متقدمة فهو أولاً يشارك المواطن العادي في طرح تساؤلاته الاستنكارية. وثانياً وقد يكون فعلاً الأهم هو تشخيص يتجاوز سقف تلك المشاركة باتجاه الاقرار بوقائع سلبية تسمح بانفلات هيبة القانون داخل السلطة حيث ان السلطة برموزها وأجهزتها أصلاً هي التي ينبغي وليس المواطن ان تجيب على السؤال المركزي بعنوان «إحنا لوين رايحين»؟
قد تكون من المرات النادرة التي يتشارك فيها المواطن مع القصر في سؤال كبير وصريح من هذا النوع. وبصورة أكثر ندرة هي بكل حال من المرات النادرة التي يلتقط فيها القصر الملكي تلك الاشارات الحائرة في وجدان الناس بعد مؤشرات استرخاء غير مبررة مست وهي تعتدي على القانون بهيبة الدولة نفسها. وعليه فالسؤال مطروح اليوم وفي الذهن الملكي قبل المجتمعي على رموز السلطة وعلى ادوات الحكم والمكلفون بحراسة وإنفاذ القانون وهم في كل حال ليسوا من طبقة المواطنين بل الموظفين في الدولتين تلك العميقة وشقيقتها التي تطفو على السطح.
هل التقطت مجسات المسؤولين في الدولة الرسالة الملكية؟.. سؤال مطروح ومفتوح على الإجابات وثمة شكوك في كفاءة الالتقاط والقدرة المهنية على التجاوب والامتثال بعد واحدة من أكثر جمل النقاش العلني صراحة وجرأة في التشخيص الوطني.
ضمنياً تقر مؤسسة القصر الملكي بالإشكال الذي يتحدث عنه الناس وتلك خطوة متقدمة لوضع الحلول والمعالجات. وضمنياً يعقب هذا الإقرار اللافت تقييمات على مستوى المؤسسات المرجعية اعترفت وبصورة غير مباشرة وخلف الستارة والكواليس بوجود أزمة أدوات في ادارة الدولة كلفتها الوضع الحالي المتردي ونتج عنها المزيد من الاخطاء وتزايد بالتالي العنف المجتمعي.
لا يقال في الأردن مثل هذا الكلام علناً لان ثقافة النقد الذاتي لازالت متكلسة والحلقات الوسيطة بين الحكم والادارة والناس خاملة أو لا تعمل بكفاءة في الوقت الذي يقر فيه مسؤولون كبار استمعت «القدس العربي» لبعضهم مباشرة بعدم وجود أدوات ونخب ضمن اكتشاف متأخر لحقيقة طالما تحدث عنها مستقلون ومعارضون ووطنيون. ويبدو ان القرار اتخذ مركزياً بتشخيص الواقع ضمن فلسفة لحظة الحقيقة الأردنية المحلية على الأقل ليس فقط لأن البلاد تواجه ازمة اقتصادية ومالية خانقة جدا .
ولكن ايضا لان الاستدراك حصل على الأرجح تحت عنوان الحاجة للشارع والشعب بعدما تخلى الحلفاء والاصدقاء رسمياً وعملياً وسياسياً عن الأردن وانكشفت قدرات الاستقطاب الإقليمي والدولي. وهو وضع معقد نخبوياً عندما يتعلق الأمر بهيكل الدولة وتكوين أدواتها ونخبها ضمن منطق محاصصة او اتكالية او هواجس لها علاقة بالكفاءة وضمن منطق طالما طرحه كلاسيكيون وحرس قديم يستند إلى فكرة «الولاء يسبق الكفاءة».
وهي فكرة سبق ان تبناها علناً وزير داخلية سابق وأمام الملك عندما كان وزير البلاط الأسبق مروان المعشر يحاول تسويق وثيقة الأجندة الوطنية. واليوم تتغير بعض المعطيات لكن بدون ضمانات واضحة وممسوكة تفيد بأن التغيير حقيقي.
حاجة ملحة
وعلى الأرجح يمكن ربط مجمل الاستفهام والاستنكار الملكي بالحاجة الملحة لأن تنجح تجربة حكومة من نوع مختلف قليلا يقودها رجل وصفه الملك نفسه بأنه « بطيء « ومختلف وعميق هو الدكتور عمر الرزاز الذي تحيط بتحالفاته وصداقاته تساؤلات محيرة تشكك في قدرات حكومته على التقاط اللحظة والمفارقة خصوصاً بعدما انخفضت توقعات الرأي العام والنخب لصالح تأييد حكومته إلى نسبة تزيد عن 30 % حسب الاستطلاع المعلن امس الثلاثاء لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الأم.
التشخيص المشار إليه اعقب ظواهر غريبة في الحالة الداخلية حيث عاصفة جدل أثارتها تغريدة لها علاقة بأوجاع الناس لولي العهد الأسبق حمزة بن الحسين وهي تغريدة أقلقت الأردنيين جميعًا في الواقع قبل ضبط ايقاعها واحتوائها.
وحيث دعوة قضائية لأول مرة ترفع ضد ناشطة الكترونية حظيت بالدعم الرسمي واستفزت جميع الأردنيين لعامين على الأقل وهي تخطب وتهتف باسم الولاء. وحيث شكوى ملكية متكررة من ظاهرة اغتيال الشخصيات والشائعات التي استهدفت حتى الملك نفسه وحيث أصوات من تيار المولاة في البرلمان بدأت تتبني علناً سلسلة من الشائعات.
الاعتقاد في المقابل راسخ بأن التشخيص الملكي المشار إليه وبعد تقدمه بسلسلة من الإجراءات الجريئة والوطنية قد يمهد لخطوتين مقبلتين في غاية الأهمية هما هيكل مختلف وجديد وعاصف على صعيد النخبة ويشمل مجلسي الأعيان والوزراء وجرعات أكثر كثافة في مـسار الإصـلاح الـسياسي.
من يراقب ردود فعل وتفاعلات الأردنيين على منابر التواصل بعد ساعات فقط من التشخيص الملكي الجريء يستنتج مباشرة بأن الشارع اليوم يصفق لسؤال من وزن « لوين رايحين» ويطالب السلطة ومؤسساتها بالإجابة. ويستنتج ايضاً بأن الجميع مضطر لمراقبة الخطوة العاصفة التالية حيث تقدير وحساب مستوى التقاط الأجهزة والنخب والأدوات لمستوى الشفافية الملكية خصوصاً بعدما قال الملك علناً بأن الوقت لا يسمح بالتراخي مجدداً وبأن من يجازفون بالتقصير في واجباتهم سيواجهون مشكلة معه شخصياً.

نيسان ـ نشر في 2018-10-03 الساعة 01:02

الكلمات الأكثر بحثاً