إدلب والخلاصات الصعبة... سيناريوهات وتبعات
علي أحمد الرحامنة
كاتب صحافي وأكاديمي في جامعة الشرق الأوسط
نيسان ـ نشر في 2018-10-06 الساعة 11:18
نيسان ـ تتجه الأنظار إلى إدلب، باهتمام وترقّب لم نشهده ربما في محطّات كبرى سابقة، مثل محطات حلب وحمص والغوطة وجنوب سوريا وغيرها كثير. فإدلب تكاد تكون الحلقة الختامية أو قبل الختامية، عسكريا، في مسلسل الأزمة السورية الكبرى، الذي يقارب عمره سنوات ثمانٍ عجاف.
وزاد في الاهتمام، بعد القمة الروسية-التركية-الإيرانية في طهران، قمة سوتشي التي تلتها مباشرة، والتي توصّل فيها الرئيسان؛ الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لاتفاق في منتصف أيلول الماضي، وُصِف بأنه جنّب شمال غرب سوريا، ومحافظة إدلب خصوصا، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين من المدنيين السوريين، معارك دامية كان ولا يزال من الممكن أن يقع ضحيتها، لو دارت، أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب موجات جديدة كبيرة من النزوح والتهجير والمعاناة. ويتواجد في تلك المناطق عدد من مقاتلي الجماعات المسلحة، وهو عدد غير محدد بدقة. فهم بالألوف حسب بعض التقديرات، وبعشرات عديدة من الألوف حسب تقديرات أخرى، خاصة وأن تلك المنطقة تحولت إلى مجمع لقوافل "الباصات الخضر" التي كانت تقل المسلحين، رافضي التسويات والمصالحات، من مناطق مختلفة من سوريا، وأسرهم.
انتهت القمة الروسية-التركية إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وبانسحاب مقاتلي المعارضة "المتطرفين" بحلول منتصف شهر تشرين الأول الحالي. وهذه المنطقة ستكون بعمق 15-20 كلم على طول خط التماس بين قوات الجيش العربي السوري والقوى المسلحة "الإرهابية" والمصنفة "معتدلة"، والتي يقدّر بعض الخبراء طولها بنحو (250) كيلومترا، على أن تتولى القوات الروسية والتركية مراقبتها، حيث ستجريان دوريات بالتنسيق فيما بينهما. والاتفاق يسري على محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي. واستنادا إلى الاتفاق، يتوجب على التنظيمات المصنفة في قائمة الإرهاب؛ "داعش" ومن معها، وهيئة تحرير الشام (التي كان اسمها جبهة النصرة، وقبل ذلك اسم المصدر الأصلي، أي "القاعدة"، وهي الأقوى عسكريا في المنطقة) مع من ينضوي تحت لوائهما، يتوجب عليها الخروج بشكل كلي من المنطقة العازلة.
ومن المعنيين أساسا بتنفيذ الاتفاق، إلى جانب هيئة تحرير الشام و"داعش"، "الجبهة الوطنية للتحرير" (جبهة تحرير سوريا) التي تضم أبرز الفصائل المسلحة المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وهي خلاصة المعارضة السورية المصنفة "معتدلة". وهناك قوى متفرقة أخرى تنضوي تحت لواء أحد هذه الأطر الثلاثة الأعم للتنظيمات المسلحة. أما القوات السورية، فهي، حسب ما توافر من معلومات عن الاتفاق، ستبقى في مواقعها على الطرف المقابل لخطوط التماس، وليست مجبرة على سحب أي قطعة من معداتها العسكرية أو تقليص أعداد عناصرها.
وفي الوقت نفسه، ينفي عمر حذيفة، القيادي الشرعي في فصيل "فيلق الشام" المنضوي تحت لواء الجبهة الوطنية للتحرير، "المعتدلة"، أن تسلم فصائل المعارضة سلاحها الثقيل حسب اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، ويقول "إن لا أحد طلب من المعارضة تسليم السلاح!"، ولكن مع إقرار ضمني بأن السلاح الثقيل سيكون خارج المنطقة العازلة، والإشارة الصريحة إلى أن الجنود الأتراك سيدخلون المنطقة العازلة بسلاحهم الثقيل وعتادهم العسكري الكامل، فيما تعلن المعارضة المسلحة المعتدلة رفضها أي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة المرتقبة.
وما أكثر الأمثلة على هذه الضوضاء في المواقف والتصريحات، وعلى تناقض ما يُقال عما يجري على الأرض، وعلى غيرها من مكوّنات الضباب العسكري والسياسي في مشهد إدلب وجوارها. وكل ذلك دفع بمراقبين عديدين إلى تقدير مفاده أن ما يحصل في إدلب يعقّد عملية الحل، وان الخلاف العميق بين الجماعات المسلحة فيها قد يؤدي إلى صراع دموي جديد بينها.
وفي خلاصة مواقف القوى المصنفة "معتدلة" من المنطقة "العازلة"، يأتي القبول الخجول، غير الصريح، أو العملي من جانب حلفاء تركيا الأقربين في المنطقة، وهم من الجيش الحر وسواه من القوى العاملة بإمرة تركيا، بمسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي عبّرت عن ثقتها، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة، القاعدة)، في أن "خصومها" من الجهاديين (المصنفين إرهابيين) سيلتزمون بشرط مغادرة المنطقة منزوعة السلاح.
وفي الواقع يصعب تصور أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ستقف في مواجهة تركيا "الصديقة" صراحة أو ضمنا، رغم تصنيف تركيا لها، دون رغبة تركية حقيقية في ذلك، بأنها منظمة إرهابية، قبل أسابيع. ولم تعلن هيئة تحرير الشام (النصرة، القاعدة) موقفها الحاسم والنهائي بعد من الاتفاق، وسيلعب موقفها دورا حاسما في نجاحه أو فشله، أو ربما ستشهد بعض الانشقاقات. ولعل من المهم التمعن فيما قاله مسؤول كبير من المعارضة السورية حين أكد أن أقوى جماعة جهادية في الشمال الغربي، وهي "هيئة تحرير الشام" بعثت بإشارات سرية إلى الجيش التركي من خلال أطراف ثالثة في الأيام القليلة الماضية لتوصيل رسالة مفادها أنها ستلتزم بالاتفاق، ولكن هذا لا ينفي وجود قوى داخل النصرة تعارض بصلابة تنفيذ اتفاق المنطقة العازلة، بما يفتح الباب لاقتتال دموي محتمل.
وبالنسبة لـِ "داعش"، فالصراع المسلح والدامي مع بقاياها في سوريا محسوم، رغم محاولات أطراف عديدة استثمار فلولها للتنغيص على الحكومة السورية وحلفائها، كما يحدث على سبيل المثال في جوار التنف، وفي معارك تلول الصفا في البادية السورية المجاورة للسويداء في جنوب سوريا.
وفي حالة "المعتدلين"، يُقال إنهم بدأوا بالفعل بتنفيذ الاتفاق، بالتنسيق الكامل مع تركيا، بل إن المرصد السوري المعارض أعلن إن جماعة "فيلق الشام" بدأت بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، إلا أن الجماعة نفت ذلك رغم تأكيد المرصد ذلك مرة أخرى فيما بعد، لكن سرعان ما تم نفي الخبر من جانب "الجبهة الوطنية للتحرير"
وزاد في الاهتمام، بعد القمة الروسية-التركية-الإيرانية في طهران، قمة سوتشي التي تلتها مباشرة، والتي توصّل فيها الرئيسان؛ الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، لاتفاق في منتصف أيلول الماضي، وُصِف بأنه جنّب شمال غرب سوريا، ومحافظة إدلب خصوصا، التي يقطنها قرابة ثلاثة ملايين من المدنيين السوريين، معارك دامية كان ولا يزال من الممكن أن يقع ضحيتها، لو دارت، أعداد كبيرة من المدنيين، إلى جانب موجات جديدة كبيرة من النزوح والتهجير والمعاناة. ويتواجد في تلك المناطق عدد من مقاتلي الجماعات المسلحة، وهو عدد غير محدد بدقة. فهم بالألوف حسب بعض التقديرات، وبعشرات عديدة من الألوف حسب تقديرات أخرى، خاصة وأن تلك المنطقة تحولت إلى مجمع لقوافل "الباصات الخضر" التي كانت تقل المسلحين، رافضي التسويات والمصالحات، من مناطق مختلفة من سوريا، وأسرهم.
انتهت القمة الروسية-التركية إلى اتفاق يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وبانسحاب مقاتلي المعارضة "المتطرفين" بحلول منتصف شهر تشرين الأول الحالي. وهذه المنطقة ستكون بعمق 15-20 كلم على طول خط التماس بين قوات الجيش العربي السوري والقوى المسلحة "الإرهابية" والمصنفة "معتدلة"، والتي يقدّر بعض الخبراء طولها بنحو (250) كيلومترا، على أن تتولى القوات الروسية والتركية مراقبتها، حيث ستجريان دوريات بالتنسيق فيما بينهما. والاتفاق يسري على محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي. واستنادا إلى الاتفاق، يتوجب على التنظيمات المصنفة في قائمة الإرهاب؛ "داعش" ومن معها، وهيئة تحرير الشام (التي كان اسمها جبهة النصرة، وقبل ذلك اسم المصدر الأصلي، أي "القاعدة"، وهي الأقوى عسكريا في المنطقة) مع من ينضوي تحت لوائهما، يتوجب عليها الخروج بشكل كلي من المنطقة العازلة.
ومن المعنيين أساسا بتنفيذ الاتفاق، إلى جانب هيئة تحرير الشام و"داعش"، "الجبهة الوطنية للتحرير" (جبهة تحرير سوريا) التي تضم أبرز الفصائل المسلحة المعارضة في محافظة إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وهي خلاصة المعارضة السورية المصنفة "معتدلة". وهناك قوى متفرقة أخرى تنضوي تحت لواء أحد هذه الأطر الثلاثة الأعم للتنظيمات المسلحة. أما القوات السورية، فهي، حسب ما توافر من معلومات عن الاتفاق، ستبقى في مواقعها على الطرف المقابل لخطوط التماس، وليست مجبرة على سحب أي قطعة من معداتها العسكرية أو تقليص أعداد عناصرها.
وفي الوقت نفسه، ينفي عمر حذيفة، القيادي الشرعي في فصيل "فيلق الشام" المنضوي تحت لواء الجبهة الوطنية للتحرير، "المعتدلة"، أن تسلم فصائل المعارضة سلاحها الثقيل حسب اتفاق المنطقة العازلة في إدلب، ويقول "إن لا أحد طلب من المعارضة تسليم السلاح!"، ولكن مع إقرار ضمني بأن السلاح الثقيل سيكون خارج المنطقة العازلة، والإشارة الصريحة إلى أن الجنود الأتراك سيدخلون المنطقة العازلة بسلاحهم الثقيل وعتادهم العسكري الكامل، فيما تعلن المعارضة المسلحة المعتدلة رفضها أي تواجد عسكري روسي في المنطقة العازلة المرتقبة.
وما أكثر الأمثلة على هذه الضوضاء في المواقف والتصريحات، وعلى تناقض ما يُقال عما يجري على الأرض، وعلى غيرها من مكوّنات الضباب العسكري والسياسي في مشهد إدلب وجوارها. وكل ذلك دفع بمراقبين عديدين إلى تقدير مفاده أن ما يحصل في إدلب يعقّد عملية الحل، وان الخلاف العميق بين الجماعات المسلحة فيها قد يؤدي إلى صراع دموي جديد بينها.
وفي خلاصة مواقف القوى المصنفة "معتدلة" من المنطقة "العازلة"، يأتي القبول الخجول، غير الصريح، أو العملي من جانب حلفاء تركيا الأقربين في المنطقة، وهم من الجيش الحر وسواه من القوى العاملة بإمرة تركيا، بمسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، والتي عبّرت عن ثقتها، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة، القاعدة)، في أن "خصومها" من الجهاديين (المصنفين إرهابيين) سيلتزمون بشرط مغادرة المنطقة منزوعة السلاح.
وفي الواقع يصعب تصور أن هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) ستقف في مواجهة تركيا "الصديقة" صراحة أو ضمنا، رغم تصنيف تركيا لها، دون رغبة تركية حقيقية في ذلك، بأنها منظمة إرهابية، قبل أسابيع. ولم تعلن هيئة تحرير الشام (النصرة، القاعدة) موقفها الحاسم والنهائي بعد من الاتفاق، وسيلعب موقفها دورا حاسما في نجاحه أو فشله، أو ربما ستشهد بعض الانشقاقات. ولعل من المهم التمعن فيما قاله مسؤول كبير من المعارضة السورية حين أكد أن أقوى جماعة جهادية في الشمال الغربي، وهي "هيئة تحرير الشام" بعثت بإشارات سرية إلى الجيش التركي من خلال أطراف ثالثة في الأيام القليلة الماضية لتوصيل رسالة مفادها أنها ستلتزم بالاتفاق، ولكن هذا لا ينفي وجود قوى داخل النصرة تعارض بصلابة تنفيذ اتفاق المنطقة العازلة، بما يفتح الباب لاقتتال دموي محتمل.
وبالنسبة لـِ "داعش"، فالصراع المسلح والدامي مع بقاياها في سوريا محسوم، رغم محاولات أطراف عديدة استثمار فلولها للتنغيص على الحكومة السورية وحلفائها، كما يحدث على سبيل المثال في جوار التنف، وفي معارك تلول الصفا في البادية السورية المجاورة للسويداء في جنوب سوريا.
وفي حالة "المعتدلين"، يُقال إنهم بدأوا بالفعل بتنفيذ الاتفاق، بالتنسيق الكامل مع تركيا، بل إن المرصد السوري المعارض أعلن إن جماعة "فيلق الشام" بدأت بالانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، إلا أن الجماعة نفت ذلك رغم تأكيد المرصد ذلك مرة أخرى فيما بعد، لكن سرعان ما تم نفي الخبر من جانب "الجبهة الوطنية للتحرير"
نيسان ـ نشر في 2018-10-06 الساعة 11:18
رأي: علي أحمد الرحامنة كاتب صحافي وأكاديمي في جامعة الشرق الأوسط