تشهير مجانى
فهمي هويدي
كاتب عربي
نيسان ـ نشر في 2015-07-08 الساعة 04:31
من إبداعات مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد ما نصت عليه المادة ٣٣ التى تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من نشر بيانات عن العمليات الإرهابية تخالف ما أصدرته الجهات الرسمية.
وهى مادة تبعث على القلق والخوف من جوانب عدة.
فهى تعيد إلى الأذهان نموذج «وزارة الحقيقة» التى تصدرها جورج أورويل مؤلف الرواية الشهيرة (١٩٨٤)، التى عبر بها عن كآبة الأوضاع فى بريطانيا إذا كتب النصر للنازيين فى الحرب العالمية الثانية.
ذلك ان المادة المذكورة اعتبرت ان البيان الرسمى وحده عنوان الحقيقة، ليس ذلك فحسب، وإنما نصت على معاقبة من ينشر أية بيانات أخرى مغايرة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين. وهو ما لم يتخيله الكاتب البريطانى فى روايته.
شىء من ذلك القبيل حدث فى روسيا التى صدر فيها قانون يحظر تقديم أى رؤية تاريخية مغايرة للأحداث والوقائع كما وردت فى سجلاتها الرسمية.
وهو ما كشف النقاب عنه حين صادرت وزارة الثقافة شريطا سينمائيا أعدته إحدى شركات الإنتاج عن قيام الزعيم السوفييتى جوزيف ستالين بتهجير قرية شيشانية سكانها ٢٥٠ ألفا من المسلمين، إلى سيبيريا أثناء الحرب العالمية الثانية.
واستندت وزارة الثقافة فى قرار المصادرة إلى القانون سابق الذكر حيث احتجت بأن قصة القرية التى تم تهجيرها لا وجود لها فى أرشيف الجهاز الأمنى.
وحين احتج منتجو الفيلم على المصادرة فإن إعلام السلطة اتهمهم بالخيانة وموالاة الدول الغربية المخاصمة لروسيا والمتآمرة عليها.
مشروع القانون المصرى الجديد خالف الدستور الذى ألغى الحبس فى قضايا النشر، إلى جانب انه يلغى صناعة الخبر وينصب المتحدث الرسمى محررا أول لكل وسائل الإعلام فى البلد.
والذى لا يقل سوءا عن ذلك ان موقفه فى هذه الجزئية من سمات الدول سيئة السمعة التى تصر على احتكار الحقائق وغسيل أدمغة الناس. غير عابئة بالثورة التى حدثت فى عالم الاتصالات وجعلت التحكم فى العقول والمدارك فكرة بالية تجاوزها الزمن.
من المصادفات انه فى اليوم الذى نشر فيه نص مشروع القانون عقد وزير الخارجية المصرى اجتماعا مع المراسلين الأجانب بالقاهرة، انتقد فيه نشر وسائل الإعلام الأجنبية إحصاءات وبيانات غير دقيقة عن الأحداث الجارية، ووجه إليهم تلقينا عرضا من خلاله الموقف المصرى وحقيقة الصراع الدائر وتجليات الإرهاب فى البلاد.
وبعد اللقاء سمعت من أحدهم قوله ان وزير الخارجية تصور أنه يخاطب مراسلى الصحف المصرية، ونسى أن سامعيه يمثلون صحفا وقنوات تليفزيونية أجنبية تصدر فى مناخ مغاير للحاصل فى مصر.
فى حين نقل وزير الخارجية عتابه وتوجيهاته للصحفيين والمراسلين الأجانب، فإن وزارته وزعت عليهم تعميما توجيهيها آخر حدد لهم المصطلحات التى يتعين استبعادها فى وصف العناصر المشتبكة مع السلطة فى مصر، وتلك التى يفضل استخدامها فى تقاريرهم ورسائلهم الإخبارية.
وعلى طريقة قل ولا تقل، فإن البيان ذكر انه فى وصف المشاركين فى العمليات الإرهابية ينبغى ألا تستخدم مصطلحات مثل الإسلاميين أو الجماعات الإسلامية أو الجهاديين أو الأمراء أو العلماء أو الأصوليين أو الدولة الإسلامية.
أما المصطلحات المرشحة للاستخدام فهى: الإرهابيون ــ المتطرفون ــ المجرمون ــ القتلة ــ السفاحون ــ المتعصبون ــ الجلادون ــ المتوحشون ــ الجزارون... إلخ.
أدرى أن ثمة تقليدا متبعا فى وسائل الإعلام المحترمة، يتم من خلال توافق مجلس التحرير بالمؤسسة على المصطلحات واجبة الاستعمال لوصف الأحداث أو النشطاء فى ضوء أعرافها وموقفها السياسى.
إلا أنه من غير المألوف ان ترشح جهة حكومية فى إحدى الدول مصطلحات بذاتها لتستخدمها وسائل الإعلام فى دول أخرى.
لذلك فإن التعميم قوبل بدرجات متفاوتة من الاستهجان والنفور لأنه بدا مؤشرا على الرغبة فى توجيه الصحف الأجنبية وليس المصرية فقط.
ليست معروفة الجهات التى تقف وراء هذه التصرفات التى تشوه صورة النظام القائم وتخصم من رصيده فى العالم الخارجى.
لذلك فليس مستغربا ان تتبنى أغلب وسائل الإعلام العالمية موقفا سلبيا إزاء النظام الذى بات سجله مؤسفا فى المجالات الحقوقية والحريات العامة.
وهو ما تلمسه السفارات المصرية بوضوح ويستشعره كل ذى صلة بالدبلوماسيين الأجانب.
وقصة الصحفى الإسبانى ريكاردو كونزاليس مراسل صحيفة «البايبس» الشهيرة بالقاهرة لها دلالتها فى هذا السياق.
ذلك ان سلطات بلاده أبلغته بأن أمنه بات فى خطر فغادر المدينة على الفور، وبعد عودته إلى بلاده تحدث عن معاناة المراسلين الأجانب وتعسف السلطات المصرية معهم، حتى أصبحوا يعملون فى ظروف «رديئة جدا»، كما قال لموقع دويتش فيله الألمانى.
من المفارقات ان بعض الأصوات فى مصر دأبت على اتهام وسائل الإعلام الأجنبية الناقدة للنظام بأنها مخترقة أو ممولة من جانب الإخوان، ناسين أن ممارسات الداخل التى ذكرت بعضها توفر على الراغبين فى التشهيرجهودهم وأموالهم، حيث تحقق لهم ما يريدون بالمجان.
وإذا استمرت مثل هذه السياسات فلا أستبعد ان يبعث بعض الخصوم ببرقية إلى السلطات المختصة بالقاهرة يعبرون فيها عن امتنانهم قائلين:
نشكركم على حسن تعاونكم!.