شكرا حماس
إحسان الفقيه
كاتبة أردنية
نيسان ـ نشر في 2015-07-08 الساعة 05:03
أما قبل:
(العدوّ يعتبرُنا كلّنا ارهابيين ولو قدِر سيغتال الشعب الفلسطيني كاملا.. فهو يريد أرضا بلا شعب.. فلا يهمُنا أي تصنيف..)..
كُلّما تذكّرت هذه العبارة التي صدع بها الشيخ الشهيد أحمد ياسين ..كلّما زاد عنادي وإصراري على أن لا أكون عونا للعدوّ وأعوان العدوّ في حربهم وتكالُبهم على الجهاد والمُجاهدين المُخلصين (ولو بكلمة) بمعزل عن أي أخطاء وتجاوزات (خشية وقوعي تحت طائلة التصنيف).
رحم الله المجاهد الشهيد عبدالله عزام الذي قال:
(إن المبادئ أثمن من الحياة وإن العقائد أغلى من الأجساد وإنّ القيَم أعظم من الأرواح .)..
أما بعد:
ابتهجتُ والكثيرون من أبناء الأمة للقرار التاريخي الذي اتّخذته حركة المقاومة الإسلامية حماس، بحلّ ووقف نشاط حركة الصابرين الشيعية في قطاع غزة.
وكانت إشكالية تواجد هذه الحركة في غزة وممارسة أنشطتها في ظل حكومة حماس، تتمثل في أنها تُعتبر ذراعًا لإيران في القطاع، وهو ما يعني أن إيران قد وجدت لها موطأ قدم في غزة، وهو ما يمثل بدوره خطورة حقيقية على مسار المقاومة الفلسطينية.
عن حركة الصابرين أتحدث:
هي حركة أسّسها مُنشقّون عن حركة الجهاد الإسلامي بزعامة هشام سالم، ولكن تمّ العمل لها في الخفاء منذ فترة بعيدة.
وانطلقت الحركة تحت اسم "الصابرين نصرا لفلسطين"، ويُطلق عليها اختصارا "حصن".
وثمّة تطابق بين برامج الحركة وبرامج حزب الله، وتتشابه معه في الخطاب، وحتى في العَلَم والشعار، والأهم من ذلك كله، أن الحركة والحزب يدينان بالولاء لإيران عن طريق ولاية الفقيه.
كما أنها تتبنى ذات المواقف الإيرانية تجاه الأزمات القائمة في المنطقة، على سبيل المثال: تنديدها بعاصفة الحزم التي قادتها السعودية، بزعم أنها اعتداء على الشعب اليمني.
وقد بدأت الحركة في الظهور على مطيّة العمل الاجتماعي الخيري، الذي حقق لها انتشارا نوعيا، مع استغلال فقر السكان في ظل الحصار على القطاع.
وظهرت نوايا حركة الصابرين بإنشاء عدد من الجمعيات الخيرية بأموال إيرانية، واستغلت تلك الجمعيات في نشر التشيّع في قطاع غزة، كما أظهرت لافتات الحركة هويتها، حيث ورد اسم الخميني وخامنئي إضافة إلى إشارات إلى الثورة الخمينية عام 1979.
ازدادت خطورة هذه الحركة، عندما أصبحت حركة مسلحة، علما بأنها لم يُعرف عنها أي مقاومة للعدو الصهيوني على أرض فلسطين.
باختصار، كانت هذه الحركة تُمثل اتجاها جديدا لإيران والكيان الصهيوني والمتاجرين بفلسطين، لكي تكون هي البديل للمقاومة الفلسطينية مستقبلا، لتصبح القضية الفلسطينية أسيرة المفاوضات الخاسرة الرخيصة، والتي تباع فيها فلسطين بثمن بخس للصهاينة.
قلت: حماس لم تخن القضية
لطالما قلت وأكرر: حماس هي القوة الوحيدة على وجه الأرض التي تناجز الاحتلال الإسرائيلي، ومن العار أن نُخوِّنها وهي تنوب عن الأمة في أخطر قضاياها المحورية.
فحكومة حماس التي تدير القطاع كانت لها رؤيتها – التي قد نختلف معها بشأنها- في السماح للحركة الشيعية بممارسة أنشطتها داخل القطاع، وتسامحت معها، من أجل الإبقاء على فتح القنوات مع إيران للحصول على الدعم.
وفي هذا لا ألوم إلا حكومات بلادنا الإسلامية والعربية، التي تخلت عن المقاومة في ظل الحصار المفروض على القطاع، فألجأتها للتقارب مع إيران.
كان حلما وتحقق:
كتبتُ في منتصف يونيو المنصرم، عن خطر حركة الصابرين في غزة، وتأثيره على مسار المقاومة الفلسطينية، ومن جُملة ما ذكرت من هذه الأخطار، أن وجود مثل هذه الحركة الموالية لإيران في قطاع غزة الذي تتواجد فيه جماعات سلفية سوف يشعل القطاع، ويتحول اهتمام الفصائل من الصراع مع العدو الصهيوني إلى الالتفات للصراع الداخلي.
كما أنَّ استمرار أنشطة هذه الحركة الشيعية الموالية لإيران من المحتمل أن يدفع التنظيمات الجهادية لدخول القطاع لتكون بديلا عن المقاومة القائمة بعد استشعار النفوذ الإيراني.
والأخطر من ذلك أن الحركة يتم تجهيزها لتكون بديلا عن المقاومة، وفي هذه الحالة سوف تضيع القضية الفلسطينية التي تمنحها المقاومة وقود المسير.
وقد أرسل لي أحد الشرفاء وهو من الشخصيات البارزة في غزة والقريبة من دوائر صناعة القرار، أن ما كتبتُه بهذا الشأن تم تداوله وتعميمه، وكان له أثرٌ في القطاع، وأضاف أن حكومة حماس تتخذ إجراءات لتحجيم حركة الصابرين بشكل كامل.
فأثلجت كلماته صدري، إلا أنه سرعان ما جاء الواقع بعدها مطابقا لما ذكر، حيث أعلنت وسائل الإعلام نبأ قيام حماس بحل حركة الصابرين ومنع أنشطتها.
ولم تكن سعادتي برؤية أثر لجهدي المتواضع في تلك البقعة المُحاصرة التي نُحبّها ونحبّ أهلها، ليضاهي سعادتي بحركة حماس، والتي صحّحت المسار، ولم تخذلنا أو تُخيّب حسن ظننا بها.
الحدث..إشارات ودلالات:
بالرغم من أن حركة حماس أقامت علاقات ثنائية جيدة مع إيران، إلا أنَّها رفضت التماهي مع إيران وتبنّي نفس موقفها من الأزمتين اليمنية والسورية، فلم تتجه الحركة لإدانة عاصفة الحزم في اليمن، ولم تؤيد بشار الأسد في سوريا.
ترتب على موقف حماس، أن شنت الصحف الإيرانية حملة من الهجوم على الحركة بالتزامن مع إعلان المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي عن قيام إيران بقطع الدعم رسميا عن هذا الفصيل المقاوم، وكشف أن السبب هو عدم تبنّي حركة الجهاد مواقف إيران في ذات القضيتين.
*إقدام حماس على هذه الخطوة الجريئة يعني أن العلاقة بين حماس وإيران سوف تدخل مرحلة جديدة تتسم بالفتور، فإيران لا تقدّم الدعم دون الحصول على مقابل.
والقول بأن إيران تسعى لاستغلال دعم المقاومة في الترويج لدورها المحوري المزعوم في الأمة الإسلامية، قد عفا عليه الزمن، بعد أن أشعلت إيران المنطقة بطائفيتها، وأحدثت القلاقل والاضطرابات في البلدان الإسلامية عبر أذنابها تحت راية ولاية الفقيه، فظهر الوجه القبيح لإيران.
كما سقط وَهْم أسطورة العداء للكيان الصهيوأمريكي بعد هذا التقارب الأمريكي الإيراني الذي بدأ يأخذ صورة علنية بعد أن كان يتم في الخفاء، ولم يعد خافيا على ذي بصر، أن إيران لا تعادي سوى العالم السني.
وأكاد أجزم أن القيادة السعودية الجديدة كانت عاملا أساسا في التطورات الأخيرة، وأن حماس قد اتخذت هذه الخطوة، بعد أن احتوتها المملكة التي تدرك بدورها خطر المشروع الإيراني في المنطقة، والذي تفاقم بعد الاتفاقية التي عقدتها إيران وأمريكا بشأن النووي الإيراني، والتي خلت من ضمانات حقيقية لأمن الخليج.
حتما هذه الخطوة سوف ترفع من شعبية حماس، حيث أن السماح لتلك الحركة الشيعية بممارسة أنشطتها داخل القطاع، قد أثار استياء الكثيرين، ما تسبب في إثارة العديد من الشُبهات حول الحركة المُقاومة.
لفتة مُحِب:
لا شك أن العدو الإسرائيلي يُجهّز لحرب أخرى ضد قطاع غزة، وأن أوجب الواجبات على حماس في هذه المرحلة، تكثيف العمل على وحدة الصف واللحمة الداخلية، والالتفاف الشعبي، والذي ظهر بوضوح في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، والذي كان أبرز عوامل انتصار المقاومة.
ولذا ينبغي على حكومة حماس استيعاب الشباب في القطاع من أصحاب الأيديولوجيات والاتجاهات المختلفة، وفتح الحوار مع شباب السلفية الجهادية، لاحتوائهم، وأعلم أن حركة حماس بدأتها بالفعل، لكن ننتظر منها المزيد.
ولا يسعني في ختام كلماتي إلا أن أقول بعد حمد الله تعالى:
شكرا حماس....