المبادرة الروسية..حلف لأطراف متعبة
نيسان ـ نشر في 2015-07-08 الساعة 12:27
كتب محمد قبيلات
تستطيع الدبلوماسية الروسية أن تحقق حضورا أقوى في المنطقة، وفي العالم، لو تخلّصت من باطنيتها واستقلت قليلا عن الارتهان للرغبات الأمريكة غير المعلنة، وهذا الأمر ليس بالجديد – الارتهان- بل هو ركن أساسي في السياسة الروسية، تورثته من حقبة الحرب الباردة، فهي ظلت كمن يمشي بخطوات وجلة وعينه على على حركات عدو يوازيه في المسير، فيحابيه محافظاً على نفس المسافة بينه وبين الخصم الذي يخاف الاقتراب منه كما يخاف الابتعاد عنه.
المبادرة الروسية ما هي الا مشروع حلف بين متعبين صادرة عن مُبادر يعتريه التعب أيضاً، فكل أطراف هذا الحلف (المفترض) قد نال منهم التعب ما نال، حتى بدت عليهم علامات الوهن وملامح الرغبة بقبول أي طوق نجاة.
السعودية أنهكتها حرب اليمن، التي جاءت كباكورة ثقيلة للنظام المُجَدَد، فرغم ما حشد لها من حزم إلا انها ظلت غير قادرة على الحسم ولا التراجع.
وهنا في الأردن رغم طول مغناة الأمن والأمان، إلا اننا بدأنا نتوجس الخيفة في كل من حولنا، فمرة نريد أن نتوسع ونوسع مملكتنا السعيدة بأمنها وأمانها، وأخرى نريد المساعدة من الجيران للحفاظ علينا.
أما في سوريا والتي هي عنوان هذا التحالف ومقصده، فإن الانهاك قد طال كل الأطراف ليتجمع بأشد حالاته على رأس الشعب المسكين، والذي ضاعت أحلامه بين رغبة نظام يريد أن يبقي السلطة في يده للأبد بأي ثمن، ورغبات معارضات مأجورة تريد أن تصل للسلطة بأية أثمان.
تبقى تركيا كطرف رابع في التحالف العتيد، وهي الخارجة من الانتخابات بتفويض أقل لسلطانها، والمحاطة بكل التحديات التي تواجه " الحلفاء" مضافا إليها مخاطر أن يخرج الأكراد من هذه المعمعة بكيان مستقل يحوز على ولاء الأكراد الأتراك والذين يزيد تعدادهم عن الـ 15 مليون نسمة.
يبقى أمر غريب، وهو أن المبادرة بقدر ما تحوي من عناصر مثيرة لاهتمام اطراف المعادلة الشرق أوسطية، وطبعا وسائل الاعلام، إلا انها تحوي من الغطرسة الكثير، وعلى مستويات عدة، فهي واضحة مع الأمريكان فقط، في حين أنها أول ما تمارس الغطرسة تمارسها على حليف الروس الرئيسي، بشار الأسد وفريقه، وأجوبة المعلم في موسكو تشي بذلك.
كذلك تفعل الشيء ذاته مع السعوديين للحفاظ على الصفقات الموعودة، وبقدر ما على تركيا والاردن بحكم الحاجة اليهما كجيران بحكم الحدود المشتركة مع سوريا.
وبناء على كل هذه المعطيات يبدو جليا أنه ليس من أفق نجاح لهذه المبادرة، ولا تشكل أرضية لحل راسخ وجاد يسعى لدعم وحدة سوريا والحفاظ على مؤسسات الدولة الرئيسة قائمة؛ لتسهيل الانتقال الى مرحلة جديدة يشعر فيها المواطن السوري بالأمن ويستطيع أن يعيد بناء ما هدمته الحرب.
السياسة الروسية ظلت على الدوام تعاني من ازدواجية ما، فعندما كان بريماكوف في عام 2003 يفاوض في العراق من أجل نزع فتيل الحرب، كان وزير الخارجية الروسي في واشنطن ينسق مع الأمريكان عملية الهجوم على العراق، وعندما كانت أمريكا على وشك أن تقصف سوريا في 2012، تراجع الروس خطوة الى الوراء وقالوا: نحن مع النظام السوري لكن ليس لدرجة أن نخوض حرباً ضد الأمريكان، وسرعان ما تلقفوا المقترح الاسرائيلي بنزع الأسلحة الكيماوية ونصحوا النظام السوري بتسليمها.