اتصل بنا
 

الأردن يستعيد “هدية السلام” رداً على وأد “الدولتين”

كاتبة صحافية

نيسان ـ نشر في 2018-10-26 الساعة 22:48

نيسان ـ احتفل الأردنيون بـ”استعادة الكرامة” و”تحرير أراضيهم” على وقع مفاجأة ملكية للشعب بإنهاء ملحقين في معاهدة السلام مع إسرئيل التي خلقت نظاماً خاصاً سمح لملاك ومستثمرين إسرائيليين بمواصلة استخدام جيبين شمال البلاد وجنوبها، على رغم استعادة السيادة عليها في مثل هذا اليوم قبل 24 سنة.
قرار الملك – المطلوب شعبياً- رسّخ مفهوم ملحقي المعاهدة ببسط السيادة على أراض أردنية؛ ذلك أنها لم “تتحرر” اليوم فقط، كما تفترض وسائل إعلام رسمية وخاصة، ومستخدمو وسائط التواصل الاجتماعي وتصريحات نشطاء ومسؤولين وساسة وقانونيين.
ما حصل كان رغبة بالتوقف عن منح “ترتيبات خاصة” أعطيت لملاك الأرض الواقعة ضمن الجغرافيا الأردنية و/ أو من يستثمرونها عنهم، وضمن المهل والخيارات القانونية الواردة ببنود المعاهدة وملاحقها.
فبموجب نصوص المعاهدة وملحقاتها وخرائطها، استعاد الأردن عام 1994 كامل المساحة الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود من دون التنازل عن “شبر واحد”، بحسب الخطاب الرسمي لدى توقيع الاتفاقية. حينها، عادت السيادة مع إقرار مجلس الأمّة معاهدة السلام – المرفوضه شعبياً- مندون إطلاع الكثير من النواب وقتها على ملاحقها الخمسة والخرائط الملحقة بها.
القرار الملكيالذي باغت الأردنيين، وإن كان قيد البحث خلف الأبواب المغلقة منذ أشهر، بحسب مسؤولين – يحمل في طياته عتباً أردنياً شديداً على حكومة إسرائيل اليمينية لرفضها وقف الاستيطان وتحدّيها الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس الشرقية. كما يحتج على مناوراتها الرامية لوأد حل الدولتين، في ظرف إقليمي حسّاس تحاول فيه دول عربية – من بينها خليجية- متحالفة مع الإدارة الأميركية القفز عن الدور الأردني التاريخي في الإقليم. ويؤشر أيضاً إلى تراجع الدفء في العلاقات الثنائية الرسمية بين عمان وتل أبيب، منذ إقدام ديبلوماسي إسرائيلي على قتل طبيب ونجّار أردنيين في شقته صيف 2017، وما أعقب ذلك من استفزاز إسرائيلي، حين استقبل نتانياهو القاتل واحتفى به قبل أن يعتذر للأردن لاحقاً.

ويأتي هذا القرار أيضاً لتنفيس غضب الشارع المحتقن أصلاً قبل شروع مجلس النواب بمناقشة ثم إقرار مشروع قانون ضريبة جديد، من شأنه تعميق بؤس الأردنيين المالي. وكان مشروع قانون شبيه أشعل هذا الصيف تظاهرات حاشدة طافت طول البلاد وعرضها، خارقة سقوفاً حمراً في بعض شعاراتها، في ظل تعمق الفقر والبطالة وفشل “دعاوى” اجتثاث الفساد. الحراك الشعبي كان أطاح بحكومة هاني الملقي، وسط وعود رسمية بتغيير النهج، لكن من دون أن يلمس الأردنيون تغييرات جذرية تتعدى مساحيق التجميل.كما يحاكي مطالب برلمانين كثيرين ممن يعارضون مشروع قانون الضريبة الجديد.
كان بإمكان الملك عبدالله الثاني تجديد العمل بالنظام الخاص 25 عاماً أخرى في منطقتي “الباقورة” الخصبة؛ التي احتلتها إسرائيل عام 1949، و”الغمر”، التي سطت عليها قبيل حرب 1967 وبعدها- لو كانت العلاقات مع إسرائيل أفضل حالاً مما هي عليه اليوم. يستثنى منها التنسيق الأمني الوطيد لحماية الحدود المشتركة من “الإرهاب” العابر والتسلل.
لكن الملك احتسب كلفة المخاطرة مع إسرائيل – التي تغيرت بوصلتها السياسية وأجندتها كثيراً منذ توقيع المعاهدة- وقرّر الالتقاء في منتصف الطريق مع الشارع المطالب بـ”استرجاع هذه الأراضي”، وسط اعتقاد واسع، إنما خاطئ بأنها مؤجرة لاسرائيل من المملكة.
الملك أعلن النبأ يوم الأحد عبر تغريدة، تفيد بإبلاغ إسرائيل هذا القرار: قال فيها إن عمان قررت إعلام إسرائيل (الطرف الآخر) نيتها وقف العمل بهذه الترتيبات قبل سنة من إنتهائها بحسب نصوص الملحقين. ومن المتوقع دخول الطرفين في “مشاورات” قد تستمر عاماً أو أكثر لإنهاء هذا الملف.
نتانياهو أقر بتلقيه مذكرات قانونية من الأردن تخطره بالقرار، وأعلن رغبته بإجراء “مشاورات” مع الأردن. اليمين المتطرف الإسرائيلي انتقد قرار الأردن، وكذلك ملاك هذه الأراضي والمنتفعون منها، وهم سيضغطون على حكومتهم للتصعيد.
لكن هذه المشاورات ليست مفاوضات ولن تغير شيئاً في طلب الأردن القانوني.
فبحسب أعضاء كانوا ضمن وفد مفاوضات السلام تحدثت اليهم كاتبة المقال هذا الأسبوع، سمحت أجواء التفاؤل الرسمي وقتها للملك الراحل الحسين بن طلال، بمنح حقوق خاصة لملاك أو مستثمري هاتين المنطقتين بدخول منشآتهم والخروج منها، عبر بوابتين حديديتين بحراسة الجيش الأردني. وكان يتم ذلك بموجب بطاقات رسمية لتسهيل عملية التنقل إلى الأراضي الواقعة تحت السيادة الأردنية، التي أقرّت بها إسرائيل.
وضعت تلك الترتيبات خلال لقاء مصيري في مدينة العقبة، قبيل إنهاء المفاوضات، حين كانت القضايا الحدودية ضمن ملفات شائكة احتاجت إلى تفكير “خارج الصندوق”، وفق أحد أعضاء الوفد المفاوض. تطلبت تلك العملية أيضاً مبادلة بعض الأراضي في أقصى الجنوب في إطار ترسيم الحدود.
طرح تلك الاقتراحات آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، الذي اغتيل على يد متطرف يهودي خلال حفل داعم للسلام بعد عام على توقيع المعاهدة. كان الاعتقاد العربي وقتها أن فترة الخمس سنوات، التي حدّدها اتفاق أوسلو عام 1993، كفيلة بإنجاز حل نهائي مقبول وإقامة دولة فلسطينية، بما يحول دون تفشّي انتشار المستوطنات. وكان هناك ترقب بأن سوريا تقترب أيضاً من توقيع اتفاق سلام منفصل.
وقتها قبل الملك حسين ذلك الطرح الشخصي من باب الرغبة في دعم الأجواء الإيجابية، للدفع باتجاه إنهاء مفاوضات السلام على المسارات كافة وإنهاء حال اللاحرب واللاسلم بين العرب وجارتهم.
تلك الآمال دفنت مع اغتيال رابين، الذي شكّل بداية استدارة إسرائيل نحو الاتجاه المعاكس وصعود اليمين المتزمت ثم فشل اتفاق أوسلو.
طبيعة ملكية الأراضي في منطقة الباقورة- التي قتل فيها الجندي السابق أحمد الدقامسة 7 طالبات إسرائيليات في آذار/ مارس 1997- تختلف عن أراضي الغمر، التي أحالتها إسرائيلإلى مزارع نموذجية لتصدير الخضروات والزهور إلى أوروبا بعد أن احتلتها عام 1967.

الملك احتسب كلفة المخاطرة مع إسرائيل – التي تغيرت بوصلتها السياسية وأجندتها كثيراً منذ توقيع المعاهدة- وقرّر الالتقاء في منتصف الطريق مع الشارع المطالب بـ”استرجاع هذه الأراضي”، وسط اعتقاد واسع، إنما خاطئ بأنها مؤجرة لاسرائيل من المملكة.

جزء كبير من أراضي الباقورة كانت قد منحت كامتياز عام 1928 ولمدّة 70 عاماً إلى شركة الكهرباء الفلسطينية المملوكة لبنحاس روتينبيرغ؛ أحد زعماء الحركة الصهيونية. استهدفت تلك الشركة توليد الطاقة- باستخدام مياه نهري الأردن واليرموك- وتوزيعها في فلسطين وإمارة شرق الأردن، حينما كانتا تحت الانتداب البريطاني. بعد ذلك أقرّت حكومة الإمارة بيع ستة آلاف الدونمات الأخرى لشركة روتينبيرغ في الأراضي المجاورة لمركز المشروع، لإنشاء قرية في الأراضي الواقعة عند ملتقى نهري الأردن واليرموك. هذه الصكوك مسجلة في دائرة الأراضي والمساحة في مدينة إربد – 90 كيلومتراً شمال عمّان- ووضعت لاحقاً ضمن مقتنيات قانون أملاك الغائبين، الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية الأردنية قبل توقيع المعاهدة، بحسب مسؤولين. واكتشفت الحكومة تلك الصكوك الكثيرة في دائرة الأراضي لدى إقامة مشروع ري بالقرب من الباقورة.
إذاً، جزء من أراضي الباقورة بيعت خلال فترة الامتياز والقسم الأكبر بيع لاحقاً لملاّك جدد من طريق روتينبيرغ.
الملحق 1 (ب) في المعاهدة، سمح بتطبيق نظام خاص على منطقة الباقورة، بحيث تقر إسرائيل بالسيادة الأردنية. في المقابل، منح “المتصرفون في الأرض” حقوقاً لدخول أملاكهم واستثماراتهم. ووفق نص هذا الملحق، تعهد الأردن بمنح “المتصرفين في الأرض” حرية غير مقيدة بدخولها أو الخروج منها من دون مقابل، وكذلك ضيوفهم أو مستخدميهم إن كان بهدف السياحة أو الزراعة. يشمل ذلك عدم تطبيق إجراءات جمركية أو ذات صلة بالهجرة على هذه الفئات القادمة من إسرائيل. ويتخذ الأردن الإجراءات الضرورية كافة لحماية أي شخص يدخل المنطقة والحؤول دون مضايقته أو إيذائه. كما يسمح الأردن– بموجب الملحق- بدخول رجال شرطة إسرائيلية بزيهم الرسمي وبالحد الأدنى من الشكليات، لغرض “التحقيق في جرائم أو معالجة أي حوادث أخرى تتصل حصراً بالمتصرفين بالأرض أو ضيوفهم أو مستخدميهم”.
وضع ملكية الأراضي أكثر وضوحاً في منطقة “الغمر” على حافة صحراء وادي عربة، حيث تقيم إسرائيل مزارع على أراض احتلتها من الأردن. ملحق المعاهدة يمنح إسرائيليين حق استخدام هذه الأراضي للمدد ذاتها مع شروط التمديد أو عدم التجديد. ولم يتقاض الأردن هنا أيضاً أي فلس بدل إيجار ذلك الشريط الحدودي، بحسب مسؤولين.
اليوم، يسأل كثيرون عن خيارات إسرائيل والأردن حول تنفيذ القرار الملكي. بإمكان عمان شراء الأراضي المملوكة لإسرائيليين في الباقورة في حال رغبوا في ذلك، أو استملاكها على قاعدة خدمة المصالح وبسعر المثل. وبإمكانها أيضاً التعامل مع ملاك أراضي الباقورة تحت مظلة السيادة الأردنية وكأجانب في المملكة. هذا يعني أن منظومة القوانين الجزائية، الجرمية والجمركية وغيرها من التشريعات الأردنية ستنطبق عليهم، على منوال المستفيدين من أنظمة وقوانين إقامة الأجانب. وبذلك يسمح للقيمين على الأراضي بدخول الأردن والخروج منه، بموجب تصاريح وإقامات سنوية. أما التعامل مع منتفعي أراضي الغمر، فهو أسهل لأنهم لا يملكون صكوك ملكية.
في الأثناء، يكرّر الأردن مطالباته بحل الدولتين ويرفض أي نقاش حول الكونفدرالية قبل قيام دولة فلسطين. كما يكافح صفقة القرن، التي يطبخها صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر المكّلف بما تصفه الإدارة الأميركية بملف السلام. ويسعى الأردن– عربياً ودولياً- إلى إفراغ قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل من مضمونه، كما يتصدى لمؤامرات ضرب دوره في الوصاية على المقدسات. إنسانياً، يجمع الأردن ملايين الدولارات من حكومات غربية قرّرت رفض قرار أميركا بوقف المساعدات لمنظمة (الأونروا)، المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في ست دول عربية منذ 1948.
للأسف، لقد نجحت السياسات الأميركية والاسرائيلية ومعها الحلفاء الجدد في المنطقة العربية في تحويل الصراع في الشرق الأوسط الذي يعتبر الأساس الى قضية طائفية عنوانها صراع سني شيعي وباتت إيران هي “العدو” وليست اسرائيل.
درج

نيسان ـ نشر في 2018-10-26 الساعة 22:48


رأي: رنا الصباغ كاتبة صحافية

الكلمات الأكثر بحثاً