اتصل بنا
 

معضلة “الولاية العامة” في الأردن ورحلة البحث عن “كتفٍ” يحمِل كارثة “البحر الميت”

نيسان ـ نشر في 2018-10-29 الساعة 14:27

x
نيسان ـ فرح مرقة- لا أحد في الأردن يريد أن يسأل السؤال الكبير إثر حادثة البحر الميت المؤلمة والمتعلق باستعدادات الدولة نفسها وأجهزتها للظرف الجوي الطارئ، وهل كانت فرق الإنقاذ مستعدة في كل أماكن الانهيارات والأزمات المتوقعة في مثل هذه الظروف، خصوصاً بعد اعتراف صريح من جانب وزارة الاشغال لكون “انهيار الجسر” مثلاً كان متوقعاً، ولذلك طُرحت عطاءات الصيانة، التي تتحول اليوم لعطاءات انشاء على الأغلب. هنا لا ينحصر الجانب المظلم بكون أحد لا يريد السؤال عن خطط الطوارئ لطقسٍ متنبَّئٍ بسوئه سلف، بل لعل الأسوأ هو المحاولات المكثفة للتهرب من المسؤولية على مستوى المؤسسات الرسمية والقاء العبء بمعظمه على المدرسة المتوجهة للرحلة، والتي كان معظم الضحايا من طلبتها أساساً.
التنصل من سؤال “استعدادات الدولة” لحالة جوية سيئة، يترتب عليه بالضرورة ما وصف بأنه “تخبّط إداري وحكومي” في التعامل مع حادثة البحر الميت رغم مرور ثلاثة أيام عليها، والذي نتج عن حالة تلاوم وتقاذف للمسؤوليات، والأهم والأخطر ان حكومة الدكتور عمر الرزاز القادمة تحت عنوان “ردم هوّة الثقة” بين المواطن ومؤسساته، قد تكون أسهمت عبر هذه الأزمة في الإمعان بتكسير الثقة برأي مراقبين.
الحادثة التي آلمت الأردنيين، لا تزال آثارها مستمرة حتى اللحظة، كما لا تنحصر خطورتها بكونها من النوع المركّب والمعقّد، حيث الخطأ قد ينسحب على الكثير من الجهات فقط، ولكن لأن أحداً لا يريد تحمّل مسؤولية الحادث من جهة، ولأن الأداء الحكومي بدا في أضعف حالاته من جهة أخرى، إلى جانب خسارة الأردن لأكثر من 20 من أبنائه دون سبب حقيقي يجعل من موت هؤلاء أمراً يمكن تمريره.
مؤسسات الدولة أبرزت حالة القصور لديها بما في ذلك رئيس الوزراء الدكتور الرزاز، وهو يغرّد عن كون الخطأ من المدرسة منذ الساعات الأولى للحادثة. في وقت يؤكد فيه الخبراء على ضرورة التزام الصمت او تحمل المسؤولية امام الجميع في وضع مؤلمٍ كهذا، خصوصا والمسؤوليات المتشابكة والمعقّدة والتي تكشّف فيها “سوء التنسيق او انعدامه” كلها تحت “ولاية رئيس الوزراء”. وفي حالات الأخطاء يبرز سؤال “الولاية العامة” أكثر من أوقات الرخاء، وهي (أي الولاية) التي تفرض تحمّل الخطأ ولو شفهياً.
الدكتور الرزاز ومنذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية رفع شعار “الخدمات قبل الضرائب”، الا ان مرور الوقت بدأ يثبت ضعف تطبيق النظرية المذكورة، فالخدمات أسوأ مما تبدو عليه، والضرائب كذلك أعلى مما تظهر، الامر الذي يتطلب على الأقل تفهّماً وتحمّلاً للمسؤولية ومواجهة للشارع بصورة أعمق وأوضح من مجرد التوجه لمكان الحادثة، رغم ان التحرك الأخير كان مهماً وقد يشكّل مسرحاً هاماً يمكنه من خلاله تحمّل المسؤولية امام الشارع الأردني، بدلا من التنصل من المسؤولية اللاحقة، والحاقها بلجنة تحقيق قد يطول أمدها إلى ما لانهاية، وفق انتقادات استمعت اليها “رأي اليوم”.
الحادثة مركّبة ومعقّدة عملياً، فهي تكشف وتعري أزمات التواصل والثقة بين معظم المستويات في الدولة، بدءاً من المؤسسات المعنية بالأرصاد الجوية وحالة الطرق، مروراً بالشركات الخاصة وتتبعها إجراءات السلامة، والمدارس ورعاية الأطفال والأخطر مؤسسات الدولة من وزارات التربية والتعليم، والاشغال والصحة والسياحة وليس انتهاء برئاسة الوزراء والتصريحات الخارجة منها. وحول كل هؤلاء استعدادات مؤسسات الحماية كالدفاع المدني وغيرها للتعامل مع الظروف الجوية القاسية كالتي حصلت الخميس. ما جعل عمّان مجدداً تستنفر أجهزتها الأمنية بما فيها الجيش العربي، للإنقاذ.
في مرحلة متقدمة من انعدام الثقة والتعامل مع الكوارث بمبدأ “رد الفعل” كالموجودة في المشهد الأردني، فالشارع كان وبوضوح بحاجة تعامل مختلف وأكثر تحمل للمسؤولية وصلابة من ذلك الذي استخدمته الحكومة بالضرورة، والاهم، انه كان بحاجة لمعالجة أكثر سرعة وقبل الوصول لمرحلة “حظر النشر” الذي أعلنه النائب العام ظهر السبت.
“حظر النشر” أساسا مرحلة متقدمة من تكميم الأفواه تعود إليها حكومة الدكتور الرزاز التي لا ينقصها المزيد من التهم في هذا الصدد، خصوصا وهي تهيئ الشارع لمرحلة قانون يوصف بالسيء سلفاً في مجال “حرية الرأي والتعبير” هو قانون الجرائم الالكترونية، الموجود في مجلس النواب.
الأخطاء الحاصلة في الحادثة، وان كانت نتائجها وخسائرها البشرية أكثر صعوبة من أي نتائج أخرى، إلا انها متكررة ويمكن سحبها على أي مأزق سابق او ازمة وقعت فيها الدولة الأردنية جراء ظروف جوية وعوامل طبيعية، بدءاً من غرق الشوارع وانهيارات البنى التحتية المتزايدة وليس انتهاءً بخسائر الأرواح، والاهم ان الأردنيين ومنذ سنوات يصلون للنتيجة ذاتها: “البنى التحتية شديدة الاهتراء، والمؤسسات قاصرة ومقصّرة في التعامل مع ذلك”.
في الحادثة الأخيرة، بالتأكيد لا تتحمل حكومة الدكتور الرزاز أسباب انهيار الطريق، ولا حتى ضعف التنسيق التاريخي، ولا تتحمل بالضرورة عوامل الطقس وتقلباتها، ولكن السلطة التنفيذية التي تحمل ولاية عامة تتحمل بالضرورة عبء ان يحصل ما حصل تحت ولايتها، من هنا تجاوزت الحكومة الحكمة- وفق رأي خبير- وهي تتنصل من المسؤولية وتشكّل لجنة تحقيق “منها وإليها”، كذلك ايضاً فعل مجلس النواب وهو يؤجل اول لقاءاته حتى الاحد أي بعد الازمة بثلاثة أيام.
بكل الأحوال، وفي العاصمة الأردنية، وفي كل الازمات باتت المؤسسات تستسهل الاستعانة بالمؤسسة العسكرية للتدخل بالتفاصيل وحل الازمات، وتتجاهل المؤسسات المدنية انها بذلك تثبت ضعفها إزاء نظيرتها في الجانب العسكري من جهة، كما تزيد من أعباء الأخيرة وتشتت تركيزها من جهة أخرى، في وقت كانت فيه “خطة الطوارئ” لتكون اقل كلفة على الأجهزة جميعها والاهم على الأرواح وعلى قلوب الأردنيين.
مؤسستي النواب والحكومة، اليوم في حالة من الاستعراض الواضح امام بعضهما البعض، وعلى الاغلب سينجم من ذلك تحميل مدرسة “فيكتوريا” الازمة، ولكن الواقع وبتحييد حالة الطلاب الاستثنائية، كان يمكن ان يكون أي شخص في المكان نفسه ويلقى حتفه لان خطط الطوارئ مهترئة ايضاً كالبنى التحتية التي لا تجد طريقاً للصيانة والعناية، وفق خلاصة من كل من تحليلات الخبراء المطلعين.
رأي اليوم

نيسان ـ نشر في 2018-10-29 الساعة 14:27

الكلمات الأكثر بحثاً