اتصل بنا
 

أحمد سلامة يكتب: مؤنس ورث (البعثي الأعزل) ليفيض طهراً عمانياً

نيسان ـ نشر في 2018-11-27 الساعة 10:57

x
نيسان ـ مؤنس ورث ( البعثي الاعزل) ليفيض طهراً عمانياً
ابناء دمشق حلوا عمان وكانوا شحم اللحم الفلسطيني والعظم الاردني
كتب : احمد سلامة
أبدأ بالكتابة اليوم عن مؤنس منيف الرزاز، رحمه الله باقتباس للزميل الفاضل الاستاذ فهد الفانك حين حذر ذات مرة في ادب المراثي المألوف في صحافتنا من "اننا نكتب عادة عن انفسنا وعن علاقتنا بالمرحوم ، وننسى المرحوم نفسه ".
وحاولت ان الزم النفس بهذا الاقتباس، كي لا انزلق الى اشياء شخصية .. بل احكي عن مؤنس..الانسان والحياة والظاهرة ...
اقرر ابتداء انه لا صداقة تربطني بمؤنس، واضيف بشيء من الوقار .. ان وفاته لم تفاجئني حد الصدمة، واكتب عنه باحترام ، اكثر مما سأكتب عنه بحزن...
مؤنس منيف الرزاز ، قصة كاملة في حياة عمان .. وانبل الظواهر .
***
ولعل اشياء عديدة دعتني للكتابة عن مؤنس .. لكن ابرزها في اللاشعور ربما بسبب تزامن وفاته بذكرى وفاة سيدنا الحسين رحمه الله ...
ومؤنس في كنف الحسين كان قصة جديرة بالحديث .." مؤنس" هو ابن طبيب دمشقي .. شارك في ولادة عمان عاصمة للعرب، اعني الضلع الدمشقي .. الذي ادخل بكل نزاهة وتصميم، حشمة دمشق، وبخور دمشق وولع دمشق بالاموي وقصر العظم، وحبها لشهر اللوز والنوار في اذار .. وكل هذه العتبات نجدها في ضمائر العمانيين ومن فاءوا اليها ونسة وطيبة ملموسة تحكي تحت كل بلاطة من بلاطات عمان .. عن ذلك التداخل اللا مثيل له بين البداوة والسواحلية والريف .. وتصميم اهل الجبل الشركسي ... لتكون عمان على ماهي عليه ...
ومنيف الرزاز مثل عبدالرحمن شقير ، ومثل امين ومثل صبري الطباع ... شهبندرهم في الخلق وفي التجارة، هم كانوا الجيل الثاني ... بعد جيل الحمويين والحماصنة مثل (طليع ، والركابي ، وخير والجندي) الذين وقفوا بمجاورة مهرة المؤسس الملك، ليرفعوا كجنود اوفياء للعروبة من عمان وشأنها فتصير ذوب فؤاد دمشق والمدينة المنورة ومكة ويافا وبغداد والكرك معا، بروح جديدة، وبصورة جديدة ....
كان الضلع الدمشقي في مثلث عمان عاصمة العرب .. بلهجته العذبة يجمع ويحلي المحكي الخشن .. وكانت روح دمشق بمثابة الشحم الذي يقرب المسافة بين اللحم الفلسطيني والعظم الاردني.
ودمشق في عمان توسطت المسافة بين منزل محمد علي زينب في اللويبدة اول البهجة في العمارة خارج صحن العاصمة، والقصر المنيف لامين شقير .. طرازا خالدا للاخوية الدمشقية العمانية...
وفي السياسة، انقسم دمشقيو عمان بين عرب في الاحزاب القومية معارضين، وشكلوا خطباء عمان، وقادة عمان ... وكذلك دخلوا سجن عمان ايضا، ودماشقية اخرون ظلوا على عروبتهم معارضين للمعارضة مع الحكم الهاشمي والدولة العربية الاردنية...
وكان منيف الطبيب من صلب الدمشقيين الاول وفي قلب المعارضة.. قوميا بعثيا معارضا لا يلين ...
وقصة منيف الرزاز تحكي باختصار ميزة الوطن الاردني في اطار البوح الانساني .. وفي اطار ان الموت يقرب الناس لحقائق الحياة ..
كان منيف الرزاز معارضا للحكم الهاشمي جذريا.. وسجن مرارا ولكن اعفي عنه اكثر .. وكانت حياته خارج السجن وداخل السجن ... بمددها القصيرة اعذب واجمل من تجاربه المرة خارج عمان .
ويتجلى سحر القصة اكثر ....
فمنيف الرزاز هو ابن دمشق بالمعنى الشمالي جاء ليمارس عروبته ومواطنته في عمان... وتحقق له كل ذلك.. برغم معارضته للحكم وللدولة .. ثم عاد الى دمشق زعيم حزب، ليسجن بطريقة حرمته من حياته ولا يمكن وصفها الا من باب ذكرها كـ" تجربة مرة" ...
لانه لم يسمح له بقول رأي مخالف للعسكر وهو زعيم للحزب الحاكم في دمشق .. بل كان هو الحاكم ..ثم عاد الى عمان ... ليحيا حياة الطبيب المعارض للحكم ... محفوظ الكرامة ...
ان سجن الرئيس منيف الرزاز .. لمخالفته العسكر حتى كاد ان يفقد حياته بدمشق وعودته الى عمان ليحيا ويعارض ويخطب .. ويظل بعثيا . بتجربة ... هذا الطبيب القومي الدمشقي النبيل ... تلخيص لقصتنا في عمان ... وتميزنا وتباعد المسافة بيننا وبين جيراننا كل جيراننا (هل قلت من دون استثناء) ... برغم الشكوى التي يجأر بها كل الذين يتفلسفون عندنا وفينا لانهم لم يجربوا غيرنا ..!!
مكث منيف في عمان ...ليصرف اجمل لحظات عمره في الكتابة ، وما اهداه للمكتبة العربية، فان البعث كله مدين لعمان التي منحته فرصة ليقدم ذلك "البعثي الاعزل" تأريخ "مر تجاربه" في الحزب ونقده المبكر العظيم ... الذي لو اخذ به رفاق الحزب في بغداد وفي دمشق، لتجنب الامة كلها عثرتي حزيران 67 وعاصفة الصحراء عام 91...وكلتاهما من نتائج ما حذر منه منيف مبكرا..
بعدها غادر منيف مع وفد اردني كبير لزيارة موسكو .. وهناك في الفندق تمت المساومة بينه وبين رفاق بغداد .. ليتجه من موسكو الى بغداد ...ولم يعد الى عمان الا وهو ذكرى...
وكانت النتيجة ان بغداد انهت حياته "بكاتم صوت" هذه المرة ..
كان مؤنس رحمه الله نتاج الحوار الصاخب بين عمان ودمشق وبغداد، المتمثل في روح ابيه المتعبة...
ولهذا كان مؤنس كاتبا متعبا ... حد الاصالة وحزينا بصورة متصلة درجة الرغبة في الموت المبكر...
والمرحوم مؤنس "ابو منيف" .. لم التقه شخصيا في سهرة او عشاء او جلسة برغبة كلينا .. كان هو يمثل مزاجا وطنيا يعبر عنه بطريقة روائية.. وكدت ان ابالغ فأقول .. كان مؤنس كله -رحمه الله- شخصية دراية ..
مؤنس كان قلمه اردنيا فاجاد وابدع .. لكن حسه الدمشقي وجرحه البغدادي ، جعلا منه شخصية سريالية .
وحياة البشر في النهاية محكومة بمقادير ، واحكام يقررها الباري سبحانه وتعالى.. والحكمة فيما يعمله العبد في حياته ، وما يتركه من ارث ..
والله يشهد ، ونحن من جيل مؤنس نستطيع ان نشهد ان ارثك يا ابا منيف ... كان عذبا ... وكان صدقا .. وانه قد ملأه العذاب ايضا ..
ان اغلى درجات الاحترام ، حينا كنا نتشرف بمجالسة الحسين ..
كصحفيين حين كان يفيض قلبه علينا رحمة وحبا .. كان ابدا يرحمه الله ، يخص ثلاثة في تذكره.
كان الحسين ... يحب دائما وصارت هذه عادته الثابتة ان يكون مؤنس الرزاز على طاولة غدائه ..
ولقد استمعت لجلالته يرحمه الله ، وهو يأمر معالي عدنان ابو عودة اطال الله في عمره ، وقبل ان يأتي للمقر السامي من ملأوا الدنيا مزاعم سلطة المثقف ومثقف السلطة ؟!.. بان يكون " الاخ مؤنس على الطاولة "..
وكان يحب ان يحضر مجلس الصحفيين دائما معه الاستاذ طارق مصاروة ، والدكتور فهد الفانك...
ولقد اضحت عادة تفقد الثلاثة من لدن جلالته صفة اللقاءات الصحفية مع الحسين على طول عقد التسعينيات...
حياة مؤنس القصيرة ، يرحمه الله، كانت خصبة ومليئة بالاثارة، وتحليها الاحزان الضرورية للمبدع لكن حجم حزن مؤنس كان اكثر من حاجة ابداعه فمضى مبكرا..

"مؤنس" كان فيه من لطافة ابناء المدن و حسن معشرهم ولم يتسن لي معرفة خفره ، وحيائه عن قرب الا لعدة شهور في تجربة صحفية النهضة التي كانت حلما للحسين لم نستطع النهوض به وكان هو احد اعمدة التجربة .. لكن رؤانا كانت متفاوتة..
وكان يتمتع بقدرة مذهلة على الصمت النبيل ويلوذ بسجائره والعبث بلحيته ..
وكانت نظرته الناعسة المثقلة دوما بهموم لم تأت بعد .. تثير اهتمام الناظر في تلك الشخصية الروائية ..
" ابو منيف " متّ يرحمك الله ..
نفاخر بك .. ونفرح بأن ارض عمان التي اوتك ونثرت حزنها على روحك الطهور .. كانت دائما هذه الارض ، هي الارض اللينة الحنون للعرب ... كل العرب ...
اشهد انك كنت كاتبا مواظبا دونما كلل واشهد انك سعيت لوضع رواية اردنية على الرف الروائي العربي ... رغم ان "الكاتم" وهي اشهر محاولاتك صوفية والما ... كانت خارج الديار .
مؤنس ...
انت عمان ... عمان العروبة ـ الوحدة والحرية ... عمان التي تدير ظهرها للكواتم وتتفوق في خلقها على كل العواصم .
متّ يا مؤنس رحمك الله ...
وان سألك الملكان الشفيقان الرحيمان عن بلدك وعن حبك ... وعن عاصمتك وعن امك ..
فقل ..
انك عماني ابن عمانية والمجد لورثتك والصبر لكل اصدقائك الحقيقيين..!! يا من كنت ابن اكبر قبيلة في عمان ....

نيسان ـ نشر في 2018-11-27 الساعة 10:57

الكلمات الأكثر بحثاً