ورد احمر ليعقوب
جهاد الرنتيسي
كاتب أردني
نيسان ـ نشر في 2015-04-08
نعم، هناك ما يستحق "تنبيش" الذاكرة, استعادة بعض تفاصيلها، والكتابة عنه في وداع الفارس الجميل، الذي نصرّ على أنه ترك بعض روحه فينا، لنتصالح مع أنفسنا.
استوقفني اسم يعقوب زيادين أكثر من مرة، في أحاديث وتقارير علي الرنتيسي حين كان يأتي من "العامل" إلى "الطليعة" بآخر أخبار الأردن، ومناشير الحزب الشيوعي، ونسخ من الرأي والدستور في النصف الثاني من عقد الثمانينيات.
في أجواء هبة نيسان التي تابعتها بشغف من مكتبي في المجلة، تجاوز حضوره في الذهن الاهتمام بقادة الاحزاب الشيوعية، الذين كنا نتقصى اخبارهم ونحن نحاول ضبط انفاسنا، على ايقاع وعي جنيني شكله اليسار، ولم تنل منه رياح البرسترويكا.
بعد احتلال الكويت في بداية التسعينيات كان موقفه المثير للجدل ايقونة للعقلانية السياسية، نستند إليه في نقاشاتنا باعتباره المرآة الاكثر صدقا، في التعبير عن دواخل الذات الاردنية، الرافضة لممارسات انظمة القمع، والسياسات التي تقود الشعوب الى الهاوية .
حين التقيته في عمان للمرة الاولى مطلع التسعينيات وجدته بعيدا بعض الشيء عن الصورة التي كوّنتها له، كان ابسط من "منظر" شيوعي " مدجج " بالنظرية والشعارات، واكثر انسانية من طبيب، يبحث عن الالم لتخليص المريض .
ذات مرة حدثتني الفنانة مجد القصص عن نجدة اسعافات طبية قادها لمعالجة ضحايا الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982 وذهب بي الخيال الى حد الاعتقاد بانني امام بطل في رواية .
سألته خلال لقاء صحفي ان كان يعتقد بقدرته على النجاح في الانتخابات لو ترشح في القدس مرة اخرى، ضحك ابو خليل باسى وقال لي: لا أظن ، في ذلك الزمن ـ ويعني زمن نجاحه ـ كانت الناس بخير .
كان يطلب اعادة السؤال بصوت اعلى، ويحرك اذنه بسبابته ليسمعني، لفت نظري حجم السماعة التي يضعها، وحين عدت الى العرب اليوم، تحدثت مع استاذنا محمد كعوش عن لقائي، كان الاخير يقوم بنفس الحركة ليسمعني دون ان تكون لديه سماعة، قلت له مازحا لو كنت اعرف ان الامور وصلت عندك الى هذا الحد لاتيت لك بسماعة ابو خليل .
طلب مني خلال مؤتمر صحفي في مقر الحزب، وكان حينها امينا عاما، ان اتوقف عن التدخين، فقلت له "يا ابوخليل احنا مش في العيادة" ضحك قليلا وقال خذ راحتك انت الخسران .
قبل ايام استوقفني تعليق للصديق محمد اشكناني, وهو ناشط سياسي كويتي على عبارة كتبتها حول وفاة زيادين، يصف فيها ابو خليل بانه كان مدهشاً وكان يغرد خارج السرب، حين التقاه مع داعية حقوق الانسان غانم النجار في بداية التسعينيات.
يعقوب زيادين من الذين يستعصون على الغياب رغم رحيلهم لان في حياته ما يؤكد على رحابة هذا العالم وقدرته على التعايش مع القيم .