اتصل بنا
 

إفراغ الجامعات من الأحزاب يحيلها إلى واجهات عشائرية

نيسان ـ نشر في 2018-12-30 الساعة 12:28

x
نيسان ـ إبراهيم قبيلات
من برج الساعة في قلب الجامعة الأردنية اعتلى الطالب محمد إياد منصة الخطابة بين أقاربه الطلاب؛ للانقضاض على أبناء قبيلة أردنية، اعتدى بعض أفرادها على قريب له؛ فتهافت الطلاب من كل حدب وصوب، ثائرين لقريبهم، بعد أن ارتفع منسوب "أدرينالين" القبيلة في شرايينهم.
قاد إياد نحو 150 طالباً من أفراد قبيلته لقرابة 300 متر، هي المسافة الفاصلة بين المسطح الأخضر ومجمع القاعات في الجامعة، بعد أن قسّم الطلاب لمجموعتين، تسير الأولى من جهة الخلف، لإغلاق بوابة المجمع الخلفية، قبل بدء الاقتحام، بكامل أدواتها من عصي وجنازير، فيما يتسلل البقية من البوابة الأمامية، يتقدمهم طلاب السنة الاولى، وينتشر قدامى الطلاب بين الجموع الغفيرة؛ حتى لا ينكشف سرّهم.
كان ذلك في صيف عام 1997، حين شهدت الجامعة مشاجرة" طالبية انتهت إلى فصل نحو 12 طالباً فصلاً نهائياً من طلاب السنة الثالثة والرابعة، وفصل نحو 20 طالباً فصلاً جزئياً من طلاب السنة الثانية، فيما اكتفت الجامعة بإنذار أكثر من أربعين طالباً من السنة الأولى ممن شاركوا بالمشاجرة.
خبراء : السياسة أفرغت قاعات الجامعة من الفكر ففاضت ضجيجاً عشائرياً
لا يفهم خبراء ومطلون على ملف العنف في جامعات رسمية وخاصة، أفرغت _في مجملها_ من مضمونها إلا في سياق معادلات سياسية رسمية، رأت في انتشار الفكر الحزبي والسياسي خطورة تهدد استقرارها، فعملت على نزع بذورها لصالح مأسسة وتمتين حواضن جهوية وعشائرية وإقليمية وطائفية انتهت بعد نحو ثلاثة عقود إلى تشويه صورة التعليم الجامعي وعدم الثقة في مخرجاته.
الغرايبة: ثقافة القنوة
يزعج الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني"زمزم"، الدكتور رحيل غرايبة انتشار ثقافة القنوة بين طلاب جامعات انخرطوا بين الحين والآخر بمشاجرات عشائرية؛ بعد أن أفرغت قاعاتها ومدرجاتها من الأفكار والندوات والتيارات الحزبية؛ لصالح مأسسة ورعاية الهويات الفرعية على كثرتها.
وينظر الغرايبة بعين الريبة إلى تأسيس حواضن بديلة عن الهوية الفكرية والحزبية وأثرها في إدخال الطلاب في دائرة من عنف لا تتوقف عن دفع مجتمع بأسره إلى حواف ومنزلقات خطيرة، أقلها الانقسامات العامودية والأفقية، بعد حقنه بكامل أسباب الضعف والتفرقة مقابل سلبه أدوات المعرفة والاجتهاد والتطوير.
يستعيد الغرايبة_ الذي دخل الجامعة الأردنية عام 1975 لدراسة بكالوريوس الشريعة ثم الماجستير والدكتوراة_أجواء ومناخات الدراسة في حقبة لا تزال محفورة في ذاكرته، لما أحدثته من تكوين معرفي وأكاديمي وثقافي ليس في شخصيته وحسب في ثقافة جيل ومجتمع باسره.
يقول الغرايبة لصحيفة نيسان: "لم أشهد مشاجرة واحدة طوال فترة وجودي طالباً في الجامعة"، راداً غياب العنف في الجامعة إلى تشكل حالة ثقافية سياسية من أفكار اسلامية او قومية او وسطية فرضت نفسها على الطلاب فآمنوا بها، وانخرطوا في تياراتها، في مشهد يعكس تبايناً وفجوةً سحيقة بين زمنين؛ انفرد الأول بهوية حداثية تنويرية فيما دخل الثاني سراديب الهويات الفرعية على ظلامها.
إياد نادم
"ظلام" يؤمن الطالب محمد إياد بامتداد أثره لما بعد سنوات التخرج بعقود، يقول لـ"صحيفة نيسان": تخرجت قبل نحو عقدين بعد أن أمضيت سبع سنوات فيها، بدأتها طالباً في كلية الأداب ثم انتقلت بعد سنوات إلى كلية الشريعة لأتخرج بتقدير مقبول".
كثيراً ما يدخل إياد بحالة من الندم على محطات من حياته الجامعية، صاغها غياب الوعي، وغدت بيئة خصبة "للفزعة"، حصد خلالها معرفة الكثيرين من الطلاب والأساتذة، بعد ان جرى اعتقاله لأكثر من خمس مرات؛ لأسباب عشائرية؛ فتبخر حلمه بتحصيل درجة الدكتوراة، وحياة رغيدة، بعد أن كوّن أسرة من ولدين، يصر على نزع أشواك العشائرية من طريقهما مبكراً، في انعكاس لآثار تجربة لا يريد لها أن تتكرر.
الطالب الخوالدة: الأحزاب فشلت في تطوير ذاتها
"آثار وتجارب" لا يتوقف عندها الطالب جهاد الخوالدة في جامعة الإسراء بقدر وقوفه عند ضعف الحالة الحزبية والثقافية البادية اليوم بالمقارنة مع حقبة الخمسينيات التي استطاعت بها الأحزاب الوصول الى السلطة التنفيذية عام 1956م, بعد ان حصدت قوى المعارضة اغلبية مقاعد البرلمان, وألّفت حكومة ائتلاف وطني، ما لبثت أن حُلت في نيسان من عام 1957.
بالنسبة للخوالدة فإن مسؤولية العنف الجامعي تقع على عاتق المجتمع وإدارة الجامعة وأحزاب فشلت في تطوير ذاتها وإشراك الشباب والطلاب في بلورة رؤاها، فغدت مع الأيام غريبة عن مجتمعاتها، بلا برامج وأهداف تستقطب أتباعاً يحملون في صدورهم نتائج مرحلة الاحكام العرفية الطويلة التي عاشتها البلاد، فأذكت في نفوسهم الخوف من أكلاف الانتساب الحزبي وجريرة الملاحقات الأمنية، وصعوبة الحصول على وظيفة في مؤسسات الدولة.
خلاصة الخوالدة تؤكدها تجربة الغرايبة الذي حاز درجة الدكتوراة من الجامعة الأردنية بتقدير امتياز عام 1995، لكنه لم يحصل على الاستقرار الوظيفي إلا عام 2014، مدرساً في الجامعة ذاتها، في تأكيد لا يقبل الشك على عدم قدرة النظام السياسي الانتقال من مرمحلة الخطاب السياسي الإعلامي لمفاهيم الديمقراطية وترسيخ قيمها الوطنية إلى مرحلة التطبيق.
أحمد أبو خليل : الهويات الفرعية امتداد لأزمة مجتمعية
بالنسبة للباحث الاجتماعي، أحمد أبو خليل فإن ظهور الهويات الفرعية في الجامعات هي انعكاس لحالة مجتمعية عامة، أثر عليها غياب المشروع السياسي إلى جانب عوامل؛ ثقافية واقتصادية واجتماعية.
في تفسيره لمشهد العنف وارتداداته يذهب أبو خليل فلسفة التعريف عن النفس في مجتمعاتنا عبر بوابة البروز "العضلي" أو البحث عن مجاميع الأقارب وسط غياب إطارات سياسية وفكرية وعلمية ناضجة في المجتمعات ومن قبلها الجامعات.
ذلك تماما ما حدث مع الطالب إياد الذي يعترف اليوم بأنه وجد ضالته في إطار العشيرة والقبيلة وسط مناخات مشدودة في الجامعة، يقول: كان من الصعب جداً لواحد مثلي ينقصه المال والتجربة السياسية والتحصيل الأكايديمي المرتفع أن يظهر بين أقرانه الطلاب من دون "رفاس" أو منصة، فعدت إلى القبيلة وأبنائها الطلاب في الجامعات" .
صبري الربيحات يحمل النظام السياسي المسؤولية
"جامعات أصبح لها رسالة ومعنى مختلف عن السابق" حسبما يقول رئيس مركز الجنوب والشمال للحوار والتنمية، الدكتور صبري الربيحات الذي يربط الجامعة بحركات التحرر وإحداث النهضة في الزمن الذي بدا به التعليم في العالم العربي، فيما هي اليوم جزء من حالة اللايقين العامة.
يعقد الربيحات الذي شغل منصب وزير الثقافة ووزير التنمية السياسية مقارنة سريعة جول دور الجامعة وفلسفتها.
يقول: في الوقت الذي يرى به البعض أن الدور الطليعي مرتبط بالجامعة، باعتبارها حاضنة لأدوات التغيير في المجتمع يرى آخرون أن مهمة الجامعة لا تتجاوز إعداد الأفراد للحياة المهنية والعلمية مستقبلا عقب تعدد الاستراتيجات الموضوعة لتطوير التعليم العالي خلال آخر عقدين من عمر المملكة من دون أن تترك أثراً على الحياة ومسيرة المجتمع، بل إنها غدت عبئا اقتصاديا على الدولة والأسرة، فصارت سنوات ضياع للطلبة من الناحية الاقتصادية.
في الأردن يدرس اليوم، نحو 370 ألف طالب في 11 جامعة حكومية و 18 خاصة من دون أن يكون هناك فلسفة متفق عليها كهوية جامعة موحدة، على عكس رؤية وفلسفة تعليم أمس، التي مكنت خريجي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الفائت من صناعة تاريخ الأردن.
الربيحات يحمّل النظام السياسي مسؤولية تحويل الجامعة عن مسارها بعد أن تفرغ لطرد الفكر والمفكرين وتقريب من يخدمون النظام بدرجة عالية من الولاء، لذلك كل من يفكر أو من يمتلك نصف رأي سرعان ما يخرج من الدوران المركزي للنظام ويتم استبدالهم بآخرين لا فكر لهم.
"المفكر بالنسبة لهم معارض ومعارض يعني غير منتمٍ ويعمل ضد مصلحة النظام والنظام هو الوطن"، هكذا يلخص الربيحات القصة السياسية والتعليمية لنظام يستمر بمغازلة فكرة تطوير الاحزاب لكنه لا يقبل أن تتحقق على أرض الواقع، بل يعمل على إبقائها جزءا من الخطاب الإعلامي والسياسي للدولة على أن لا تتحول لبرنامج قابل للتطبيق على الأض، فصارت معها الجامعات مجرد واجهات عشائرية لا أكثر.
دراسات وأرقام
وبحسب دراسة أعدها خالد الرواجفة وفريا ل الصبيحي عن العنف الطلابي وعلاقته ببعض المتغيرات، منشورة في المجلة الاردنية للعلوم الاجتماعية، فإن طلاب السنة الأولى وزملاءهم من أصحاب المعدلات المنخفضة، وذوي الدخول المنخفضة أيضاً، هم الأكثر مشاركة في العنف الجامعي.
وقالت الدراسة إن نسبة مشاركة طلاب السنة الأولى في العنف بلغت 64.43 ، مقابل 61.40 لطلاب السنة الرابعة، وإن أصحاب المعدلات المنخفضة يسهل استفزازهم, ويعملون على تحقيق مرادهم بالقوة, ويميلون إلى المشاركة في العنف أكثر من الطلبة ذوي المعدلات المرتفعة.
وأظهرت الدراسة الطلبة أن سكان القرى والبادية والمخيمات يميلون إلى استخدام العنف بدرجة كبيرة جداً, وتتسع دائرة العنف عندهم لتشمل الدفاع عن صديق أو عن الحقوق أو الرفض من قبل الجنس الآخر, أو إذا طلب منهم مساعدة أبناء العشيرة, اضافة إلى اعتقادهم بأن أنظمة الجامعة ظالمة وتدفعهم إلى استخدام العنف.

نيسان ـ نشر في 2018-12-30 الساعة 12:28

الكلمات الأكثر بحثاً